الحج وأثره في الارتقاء بالأخلاق
الحج وأثره في الارتقاء بالأخلاق: شرع الله عز وجل العبادات تهذيبا لسلوكنا وارتقاء بأخلاقنا، وقد وضع الله سبحانه من الأسرار والحكم والمقاصد في العبادات المتكررة ما يحفظ للإنسان أخلاقه حتى يأتي وقت أدائها مرة أخرى، فالصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وتعلمنا النظافة والنظام والانضباط في المواعيد والحركات والتصرفات والبعد عن الفوضى، وتعلمنا الاتحاد والشعور بالأخوة الإسلامية والتواضع والتراحم.
والزكاة تطهر النفوس من الشح والبخل وتنقيها من أدران المادة وتحرر الإنسان من عبودية المال والتعلق بالدنيا ونسيان الآخرة حتى يأتي موعد أدائها مرة أخرى .
وكذلك الصيام انتصار الروح على الجسد وشهواته، والتعود على الصبر وضبط النفس وعفة اللسان وكف الجوارح عن أذى الآخرين مع دوام مراقبة الله والإخلاص له سبحانه وتعالى، فالصيام محطة إيمانية ذات ضغط عالٍ لشحن المسلم بالإيمان حتى يأتي رمضان التالي.
أما الحج فالأمر مختلف فلقد فرضه الله مرة في العمر على المستطيع ، وقد وضع الله فيه من الحكم والأسرار ما يكفي المسلم طوال حياته.
والحج يعلمنا كيف نزكي نفوسنا ونرتقي بأخلاقنا يقول ربنا عز وجل عن آداب وأخلاق الحج: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } [البقرة:197].
قال ابن عمر رضي الله عنهما: واشهر الحج هي : هي شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة (رواه البخاري) وقوله سبحانه:{ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} يعني: أوجب الحج فيهن على نفسه بالإحرام والتلبية، فإنه يحرم عليه الرفث والفسوق والجدال.
وقوله سبحانه: { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} ذكرابن كثير رحمه الله أن الرفث: هو الجماع ودواعيه، فليس له أن يجامع زوجته بعدما أحرم، ولا يفعل ما يدعوه إلى الجماع من التعريض بذكر الجماع، وقيل الرفث الفحش والقول القبيح.
أما الفسوق فهي المعاصي كلها؛ من عقوق الوالدان، وقطيعة الرحم، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والغيبة والنميمة، وغير ذلك من المعاصي، وكذلك السب والشتم وقد روى ابن مسعود عن رسول الله ﷺ أنه قال: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) (رواه البخاري).
وقال الضحاك : الفسوق : التنابز بالألقاب، واختار ابن جرير أن الفسوق : هو ارتكاب ما نهي عنه في الإحرام ، من قتل الصيد ، وحلق الشعر ، وقلم الأظفار .
وقوله : { ولا جدال في الحج } فيه قولان :
- الأول : لا مجادلة في وقت الحج وفي مناسكه ، وقد بينه الله تعالى أتم بيان ووضحه أكمل إيضاح ، ويقول مجاهد: ( ولا جدال في الحج ) قد بين الله أشهر الحج ، فليس فيه جدال بين الناس، وقال ابن جرير ، هو قطع التنازع في مناسك الحج .
- والقول الثاني : أن المراد بالجدال هو : المخاصمة ، وقال عبد الله ابن مسعود في قوله : ( ولا جدال في الحج ) قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه .
فالجدال معناه: المخاصمة بغير حق، ولا يجوز للمحرم بالحج أو بالعمرة أو بهما أن يجادل بغير حق، بل يبينه بالحكمة والكلام الطيب، فإذا طال الجدال ترك ذلك، ولكن لابد من بيان الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وهذا النوع غير منهي عنه، بل مأمور به في قوله سبحانه: { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (النحل:125) (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (24/ 193).
وقوله : { وما تفعلوا من خير يعلمه الله } لما نهاهم عن إتيان القبيح قولا وفعلا حثهم على فعل الجميل ، وأخبرهم أنه عالم به ، وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة فالله سبحانه لا يخفى عليه شيء.
وقوله تعالى: { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } قال ابن عباس : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ، ويقولون : نحن المتوكلون . فأنزل الله : {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (رواه البخاري) .
وهذه الآية حددت مقصدين عظيمين وهدفين كبيرين من وراء فريضة الحج كلاهما يهدف الى الإرتقاء بالأخلاق.
- المقصد الأول : هو تنقيه وتصفيه وتخليه، فما من إنسان فينا إلا ويحتاج إلى تطهير وتنقية ، فيأتي الحج من أجل أن يطهر ويصفي وينقى الإنسان من ذنوبه ، يقول ربنا عز وجل:{ فلا رفث ولا فسوق في الحج} تخليه وتنقيه وأكد هذا المعنى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) (رواه البخاري ومسلم) وَمَعْنَى ( كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه ) : أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب ، وَظَاهِره غُفْرَان الصَّغَائِر وَالْكَبَائِر .
- المقصد الثاني: هو التحليه وهو تصديق لقول ربنا عز وجل : {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} والتحليه تكون باستبدال الأخلاق السيئة الذميمة بالأخلاق الحسنة القويمة، وأن يتحلى المؤمن بالإيمان والتقوى.
الحج والأخلاق
ومن الأخلاق التي نتعلمها من فريضة الحج :
1- التسليم والانقياد لله
فأعمال الحج كلها تسليم وانقياد، ففي الحج تتجرد من ثيابك وتلبس ملابس الاحرام وتطوف بالكعبة سبعا وتسعى بين الصفا والمروة سبعا دون ان تسأل لماذا فأنت عبد تسلم وتنقاد وتسمع لله وتطيع، ثم تقبل حجرا وترمي حجر بحجر حتى قال سيدنا عمر قولته المشهور عندما قل الحجر الاسود قال اعلم انك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أن رسول الله قبلك ما فعلت، إنه التسليم والانقياد ، فيجب على المسلم أن يجعل علمه وعقله وتفكيره تحت مظلة التسليم لله رب العالمين لانك عبد لله رب العالمين.
يقول حجة الاسلام ابو حامد الغزلي رحمه الله: (أن الله وظّف على الحجاج اعمالا لاتأسن بها النفوس ولا تستستيغها العقول مثل رمى الجمار بالاحجار، ومثل السعى بين الصفا والمروة على سبيل التكرار، وهذه الاعمال ما قصد منها الا اظهار كمال رق العبودية، لذلك كان نداء الحجاج على مرالزمان والمكان (لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك حقا حقا تعبدا ورقا).
إن رحلة الحج رحلة تسليم كامل واذا اسلمت لله سلمك الله واذا رضيت ارضاك، يقول ابن القيم رحمه الله : ( اذا سلمت امرك لله في كل حياتك عيَشك الله ما بين عطفه ولطفه فعطفه يقيك ما تحذره ولطفه يرضيك بما يقدره).
2- خلق التعاون
يتجلي هذا الخلق في موسم الحج فما احوجنا الى حجاج يتعاونون ولا يتشاحنون ، في الحج يوقر الصغير الكبير ويرحم الكبير الصغير، ويعين القوى منهم الضعيف والمريض، فالمسلم الحاج يدرب نفسه على العطاء والرحمة والتعاون قبل الذهاب الى الحج.
3- خلق الحلم
وهو أن يضبط الحاج غضبه بضابط الشرع في وقت الغضب فالله سبحانه يحب العبد الحيىّ الحليم، وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا قَالَ للنَّبِيِّ ﷺ: أَوْصِني، قَالَ: لا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: لا تَغْضَبْ) (رواه البخاري).
4 – خلق حسن الظن بالله تعالى
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال النبي – ﷺ – : يقول الله تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) (رواه البخاري ومسلم.).
فعلى الحاج أن يحسن الظن بالله ، وحسن الظن يأتي على ثلاثة انواع :
أن تحسن الظن في عظيم الاجر والثواب، وأن تحسن الظن في اجابه الدعاء ، وأن تحسن الظن في مغفرة الذنوب، فقد روى أبو هريرة أن رسول الله قال : (إنَّ اللهَ تعالَى يُباهي بأهلِ عرفاتٍ ملائكةَ السَّماءِ ، يقولُ : انظروا إلى عبادي ، أتَوْني شُعثًا غُبرًا من كلِّ فجٍّ عميقٍ ، أُشهِدُكم أنِّي قد غفرتُ لهم) (رواه أحمد وابن حبان وابن خزيمة.)
فاللهم ارزقنا وإياكم حج بيته الحرام وزيارة لمسجد نبيه عليه الصلاة والسلام والفوز بالجنان برحمتك يا أرحم الراحمين.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.