Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ما يهم المسلم

الدراسات المستقبلية والاستبداد المنهجي.نموذج الخُلد والثعلب.تيتلوك


في عام 2006 أصدر فيليب تيتلوك كتابه الهام بعنوان”Expert Political Judgment ” ونشرته جامعة برنستون الامريكية، ويقع في 344 صفحة. في البداية يناقش تيتلوك الحجج حول ما إذا كان العالم معقداً إلى الحد الذي يمنع الناس من إيجاد الأدوات اللازمة لفهم الظواهر السياسية والتنبؤ بمآلاتها، ناهيك عن التنبؤ بالمستقبل، ثم يقوم تيتلوك بتقييم التنبؤات الصادرة عن خبراء في مجالات مختلفة ويقارنها مع تنبؤات عامة الناس المطلعين أو تلك التي تستند إلى استقراء بسيط من الاتجاهات الحالية، ثم يحاول إيجاد مؤشرات لتحديد أنماط التفكير الأكثر نجاحاً في التنبؤ بالمستقبل.

ويصنف تيتلوك أنماط التفكير باستخدام النموذج المعروف في الدراسات المستقبلية (الخُلد والثعلب الذي وضعه عام 1951 الفيلسوف البريطاني ذي الأصول الروسية إشعيا بيرلين وطبقه على توليستوي).

نموذج الخُلد والثعلب

ففي نموذج الثعلب (نجد الباحث الذي يعرف الكثير من التفاصيل وطرائق التفكير ولديه خبرة في التحوط من المتغيرات المفاجئة) يقابله نموذج الخُلد (الذي يعرف شيئاً واحداً مهما، لكنه يفرض حلولاً نمطية على المشاكل غير المحددة المعالم ويتشبث بمنهجه في كل الحالات.)

غلاف كتاب فيليب تيتلوك “Expert Political Judgment “

ولتحري درجة دقة نموذجي الخلد والثعلب قام تيتلوك وفريق من المعاونين بنشر نتائج تحليل مضمون مائة وخمسين ألف تنبؤ لـ 743 باحثا، وحدد موضوعات الرصد لهذه التنبؤات في 199 موضوعا، وتوصل لنتيجتين هما : أن أحادية المنهج تقود للخطأ أكثر من التعدد، وأن التعلم من الخطأ يحسن نسبة الدقة لاحقا.

إرشادات تيتلوك

ووضع تيتلوك وفريقه ارشادات للبحث المستقبلي أهمها:

  1. ضرورة السعي لفهم لماذا وقع خطأ التنبؤ والاعتماد في ذلك على نموذج الثعلب.
  2. الخبرة الميدانية في مجال التنبؤ بالمستقبل تعزز احتمالات الدقة
  3. التكامل المنهجي (Interdisciplinary ) يعزز دقة التنبؤ
  4. تجنب الافتراض الحتمي في ظاهرة معينة بان الغد مختلف عن اليوم وأمس بالضرورة.

أما الجانب الأكثر أهمية والذي كثيرا ما يقود للفهم الخاطئ للدراسات المستقبلية ، هو ما تمت مناقشته في نظرية الشواش(Chaos)  التي تتضمن أن داخل مظاهر العشوائية في بعض الأنظمة المعقدة والفوضوية، هناك تكرار متأصل ومنتظم وتنظيم ذاتي وترابط، وحلقات تغذية مرتدة مستمرة، وهنا تكمن المعضلة، فقد أحضر باحث صيني خمسة قنابل يدوية متماثلة في حجمها ووزنها والمواد المصنوعة منها، وقام بإسقاطها ضمن نفس الظروف تماما ومن نفس العلو وبنفس الطريقة، وكرر التجربة خمس مرات، فماذا كانت النتيجة؟

بين المدخلات والمخرجات

لقد وجد أن شظايا القنابل لم تتوزع بعد الإنفجار بنفس الطريقة، ورغم التكرار للتجربة لم تتغير النتيجة، وهو ما يعني أن المدخلات المتماثلة تماما وبنسبة 100% قد لا تقود إلى نفس المخرجات، وهنا تتلاقى العلوم الطبيعية والاجتماعية في هذا “الشواش”، وهو ما يميز هذه النظرية عن نظرية الفوضى (Anarchy)، ففي العلاقات الدولية(طبقا للشواش) نحن لا نعرف سبب عدم الوصول لنفس المخرجات من نفس المدخلات، بينما في الفوضى نحن نعرف سبب تباين المخرجات لكننا عاجزين عن ضبطها (يخبرنا كينيث والتز ان سبب الفوضى الدولية هو غياب سلطة عليا، ولكننا لا نعرف كيف نوجدها).

إن نقد خطأ تنبؤات الدراسات المستقبلية أمر لا يحتاج لأي جهد، فالباحث يتنبأ ثم تخرج النتيجة، وهنا يقال له لقد أخطأت، وهذه توصية تحتاج ليكون لها دلالة أن تحدد للباحث المستقبلي أين الخطأ الذي وقع فيه؟ وهنا تساهم في ترشيد ودفع الدراسات المستقبلية للأمام، وكما قال العالم الموسوعي باكمينستر فوللر : عندما تقول لي أخطأت فأنت لم تضف لي شيئا.

ذلك يعني أن الخطأ في التوقعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا يجوز معه إغفال متغير “الشواش”، وهو ما لاحظته عند تطبيقي لنموذج ليكتمان على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فحتى ليكتمان (كما ذكر في مقابلة معه بعد إعلان النتائج) يشير إلى أن مفاجأته ليست في خطأ توقعه (رغم أنه نجح سابقا في 10 توقعات للإنتخابات الأمريكية منذ مطلع الثمانينات)، ولكنه عاجز عن معرفة وتحديد أين الخطأ.

فهو مثلا، لا يستطيع تحديد “البجعة السوداء” التي “قد” تكون تسببت في خطأ توقعه، وهي نفس حالة الباحث الصيني الذي لم يعرف لماذا لا تذهب شظايا القنابل في نفس الاتجاه رغم أن المدخلات هي ذاتها بنسبة 100%؟ ولكن خطأ ليكتمان لا يعني ان نموذجه غير دقيق، وإلا لماذا كان توقعه صحيحا بنسبة 100% خلال العشر انتخابات رئاسية السابقة؟

المستقبل

المتغير “المفسد” ونظرية “الشواش”

لا شك أن هناك متغير “أفسد” انتظام مسار الشظايا كما جرى مع الباحث الصيني وقنابله، وهو ما يجب عليه البحث عنه، ونقطة البداية أن يعود لنموذج الثعلب ويهجر نموذج الخُلد، فهل أغفل النموذج متغيرا طارئا؟ ما هو؟ أم أعطى وزنا أكبر لمتغير ما، كيف يعيد تقييم الأوزان؟ …الخ.

إن نتائج المقارنة في دراسة تيتلوك بين دقة تنبؤات من يطبق نموذج الثعلب (المنفتح على كل الاحتمالات) ومن يطبق نموذج الخلد (المتشبث بالأحادية) هي :

  • المتحرر من الاستبداد المعرفي والمنهجي كان مصيبا في 84.2%
  • نصفه خُلد ونصفه الآخر ثعلب حقق 54.57%
  • الخلد حقق 47.71.

لكن الضرورة تقتضي التذكير باستبداد نظرية الشواش، فليس في الإمكان الحصول على 100% حتى الآن على الأقل. وتبقى” ربما” تطل علينا من بين السطور.


اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading