الأحاديث الصحيحة في العيد – إسلام أون لاين
ترتبط فرحة العيدين بفريضتين عظيمتين، وهما: الصيام والحج، ركنان من أركان الدين، فرحة بإكمال شهر رمضان، وفرحة بعد أداء وقوف الحجيج بعرفات أعظم فريضة الحج، والعيدان فرحة دينية دلت عليها الكتاب والسنة الصحيحة، قال الله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} [الحج: 67] روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عبّاس في قوله “منسكًا” يقول: عيدًا.[1] والطابع العام في الاحتفال بالعيد طابع العرف والعادات المعبرة عن معاني المنحة الربانية والعطاءات الإلهية والمشاعر الإنسانية والأخوة الدينية، وجاءت بعض الأحاديث الصحيحة تشير إلى جوانب من السنن النبوية الخاصة بالعيد، ومن ذلك ما يأتي:
1-حديث الاعتزاز بعيد الإسلام دون غيره
من المواسم الجاهلية الشهيرة في المدينة المنورة قبل قدوم النبي عليه الصلاة والسلام إليها اليومان المعروفان بـ(النَّيْرُوزِ والمِهْرَجانِ)، وهما عيدان يحتفل فيهما أهل المدينة، ثم أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام بأن الله تعالى قد منحهم وبدلهم بما هو خير من أعياد الجاهلية.
ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر [2]
وهذا دليل على أنه لا يوجد في الإسلام موسم العيد سوى عيد الفطر وعيد الأضحى، وأن الاعتزاز بهما من شعائر الإسلام التي أحبها الله تعالى وشرعها لعباده.
2-حديث الحث على الخروج لصلاة العيد
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الناس بالخروج إلى صلاة العيد، حتى النساء العواتق وذوات الخدور اللواتي الأفضل في حقهن الصلاة في داخل البيوت، وقد أمرهن بالخروج وإن كن في الحيض، إلى حد أنهعليه الصلاة والسلامأمر من ليس عندها جلباب أن تلبسها أختها من جلبابها، وهذا يشير إلى مكانة هذه الشعيرة.
وفي الصحيحن عن أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب. قال: لتلبسها أختها من جلبابها.[3]
3 – التجمل يوم العيد
عن سالم بن عبد الله، أن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: وجد عمر حلة إستبرق تباع في السوق، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتع هذه الحلة، فتجمل بها للعيد وللوفود.[4] وأقره النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك.
وقال ابن رجب: وقد دل هذا الحديث على التجمل للعيد وأنه كان معتادا بينهم.[5]
وقال ابن القيم رحمه الله: فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين، وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه فكان له حلة يلبسها للعيدين.[6]
4-سنة الأكل قبل عيد الفطر والأكل بعد الأضحى
في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك قال:” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات” [7]
وعن بريدةبن حصيب الأسلمي قال:” كان النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر لا يخرج حتى يطعم ويوم النحر لا يطعم حتى يرجع” [8]
وقال الترمذي عقب الحديث: وقد استحب قوم من أهل العلم: أن لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم شيئا، ويستحب له أن يفطر على تمر، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع.
قال المهلب: الحكمة في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد فكأنه أراد سد هذه الذريعة.
وأشار ابن أبي جمرة إلى أنه: “لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع ذلك”
وقال ابن المنير مبينا لحكمة سنة الأكل في العيدين: وقع أكله عليه الصلاة والسلام في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما، فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها”[9]
5-حديث الذهاب إلى مصلى العيد
من هدي النبي عليه الصلاة والسلام مخالفة الطريق، من حيث أنه كان يمشي إلى العيد من طريق، ويجعل العودة من طريق آخر، كما في حديث جابر رضي الله عنه ـ قال:” كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا كان يوم عيد خالف الطريق”[10]
6- صلاة العيد في المصلى
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس- والناس جلوس على صفوفهم- فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، وإن كان يريد أن يقطع بعثاً أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف[11]
والعدول عن مسجده صلى الله عليه وسلم- مع فضله وعظم أجر صلاة فيه- إلى المصلى خارج المسجد يدل على تأكيد أداء صلاة العيد في مفازة، وأنه سنة مقصودة ما لم يمنع ذلك مانع.
يقول ابن الحاج المالكي في المدخل: “والسنة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاة فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاة فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة، خرج صلى الله عليه وسلم وتركه، فهذا دليل واضح على تأكيد أمر الخروج إلى المصلى لصلاة العيدين، فهي السنة، وصلاتهما في المسجد بدعة إلا أن تكون ثم ضرورة داعية إلى ذلك فليس ببدعة.[12]
7-عدم اتخاذ المنبر في المصلى
عنون الإمام البخاري في صحيحه “باب الخروج إلى المصلى بغير منبر” وذكر عن أبي سعيد الخدري أنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم… قال أبو سعيد: «فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان – وهو أمير المدينة – في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه، فجبذني، فارتفع…إلخ[13]
وفي رواية:” فقام رجل فقال: يا مروان، خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد، ولم يكن يخرج فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، فقال أبو سعيد:.. أما هذا فقد أدى ما عليه.[14]
قال ابن حجر: يحتمل أن تكون القصة تعددت، ثم قال: وفيه أن الخطبة على الأرض عن قيام في المصلى أولى من القيام على المنبر، والفرق بينه وبين المسجد أن المصلى يكون بمكان فيه فضاء فيتمكن من رؤيته كل من حضر، بخلاف المسجد فإنه يكون في مكان محصور فقد لا يراه بعضهم[15].
قال ابن القيم:” ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه، ولم يكن يخرج منبر المدينة، وإنما كان يخطبهم قائما على الأرض[16] وهذا لا يعني عدم اتخاذ المنبر عند الحاجة إليه.
8 – لا أذان ولا إقامة في صلاة العيدين
ثبت عن عديد من الصحابة بأن من سنة صلاة العيد ترك الأذان والإقامة فيها، ومن ذلك قول جابر بن سمرة:” صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة[17]
وفي الصحيحين عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى[18]
ولذا قال الإمام مالك:” وتلك هي السنة التي لا اختلاف فيها عندنا.
9- حديث تكبيرات صلاة العيد
ومن السنن الثابتة في صلاة العيد: التكبير في الركعة الأولى سبع، وفي الثانية خمس قبل القراءة، كما في حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم كبّر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة؛ سبعا في الأولى وخمسا في الثانية” [19]
وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: “وأنا أذهب إلى هذا”.
10- السور التي تقرأ في صلاة العيد والجهر بها
عن النعمان بن بشير، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين، وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية»، قال: «وإذا اجتمع العيد والجمعة، في يوم واحد، يقرأ بهما أيضا في الصلاتين»[20].
وعن أبي واقد اللّيْثي: وسأله عمر: “ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[21]
11- تقديم صلاة العيد قبل الخطبة وتخصيص النساء بالوعظ في حال عدم سماعهن الخطبة
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلى قبل الخطبة» قال: «ثم خطب، فرأى أنه لم يسمع النساء، فأتاهن، فذكرهن، ووعظهن، وأمرهن بالصدقة، وبلال قائل بثوبه، فجعلت المرأة تلقي الخاتم، والخرص، والشيء».[22]
وعن جابر بن عبد الله، قال:” شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة … ثم قام متوكئا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن“[23]
وهذا يعني أن من السنة في حق الإمام أن يخص بالوعظ من لم يسمع خطتبه لبعد المسافة ونحوه، سواء من النساء أو الرجال.
12- حديث النهي عن الصيام في يوم العيد
ثبت عن قزعة، مولى زياد أنه قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، يحدث بأربع عن النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبنني وآنقنني وذكر منها:” ولا صوم في يومين الفطر والأضحة”[24] وفي لفظ: “نهى عن صوم يومين: يوم الفطر، ويوم النحر”[25]
ونقل الإمام النووي إجماع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال، سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك.[26]
وكذا يمنع الصيام في أيام التشريق لما جاء عن كعب بن مالك:” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق فناديا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب[27]
وفي رواية عند أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يا سعد، قم فأذن بمنى إنها أيام أكل وشرب ولا صوم فيها [28]
13- حديث إظهار الفرح في يوم العيد
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد إشاعة السرور والبهجة والتوسعة على العيال والمسلمين، ومن صورها:
أ-الرخصة في الغناء والضرب بالدف: تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:” دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا» [29]
ويفهم من الحديث أن الغناء مخصوص بهذا اليوم ولم يكن شيئا معتادا، ولذا أنكر أبو بكر الظاهرة وأجازها النبي عليه الصلاة والسلام لمناسبة العيد «وهذا عيدنا»، وبينت أم المؤمنين سابقا بأن الجاريتين ليستا بمغنيتين مما يدل على أن الأمر طارئ.
وقال الحافظ: وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى، ومنه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين.[30]
ب-اللعب واللهو المباح: وعن عائشة قالت: كان يوم عيد يلعب السودان بالدَّرق والحراب, فإمّا سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم, وإمّا قال: «أتشتهين تنظرين؟» فقلت: نعم. فأقامني وراءه, خدّي على خدّه, وهو يقول: «دونكم بني أرفدة» حتّى إذا مللت قال: «حسبك؟» قلت: نعم قال: «فاذهبي».[31]
وهذا يدل علىمشروعية أنواع ما يروج به النفس والبدن من الألعاب والأنشطة المباحة في أيام العيد.
والحاصل، أنه يجب على المسلم أن يتعيد عيده بين دفتى رياض السنة النبوية الصحيحة وخاصة في أمور ذات صلة بالعبادة والعقيدة، وأن يتبرأ من الحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان غير ثابت، وأما الآثار المروية وعادات البلاد وأعراف الناس في العيد وإن الأمر فيها واسع ما لم يتعارض مع الشرع.