“الانضمام لتجمعات إقليمية جديدة” ضمن أولويات سياسة الجزائر الخارجية
على مدى خمسة أيام ومنذ الإثنين، يواصل الرئيس الجزائري زيارته إلى الصين حيث أعلن البلدان اتفاقهما على تعميق شراكتهما الاستراتيجية الشاملة، وشددا على الحاجة إلى تعاون سياسي وأمني وثيق بين البلدين اللذين تجمعهما شراكة تجارية قديمة، ما يعزز علاقات بكين القوية مع الدولة العربية الأفريقية. وإن كانت للجزائر أهمية استراتيجية بالنسبة للصين نظرا لموقعها على البحر المتوسط، فإن الجزائر من جانبها تعتبر الصين شريكا مهما لها، ولا سيما في سياق مساعيها لدعم ملفها للانضمام لمجموعة بريكس. للمزيد عن خلفية الزيارة واهتمام الجزائر المتزايد في الفترة الأخيرة بتعزيز شراكاتها في الشرق حاورت فرانس24 أستاذ العلاقات الدولية في جنيف حسني عبيدي.
نشرت في:
7 دقائق
اتفقت الصين والجزائر اللتان تجمعهما شراكة تجارية قديمة على تعزيز التعاون بينهما في مجالات جديدة منها الأمن والدفاع الوطني، وفق ما أعلن البلدان في بيان مشترك صدر الثلاثاء. وذكر البيان أن الصين ترحب برغبة الجزائر في الانضمام إلى مجموعة بريكس وتدعم جهودها لتحقيق هذا الهدف.
ويأتي البيان في سياق زيارة دولة يقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى بكين، على مدى خمسة أيام بدأها الإثنين. وهذه الزيارة هي الأولى لتبون منذ 2019.
وللجزائر أهمية استراتيجية بالنسبة للصين نظرا لموقعها على البحر المتوسط. فيما تعود العلاقات بين بكين وحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم إلى أواخر الخمسينيات عندما كانت الجزائر تسعى للاستقلال عن فرنسا.
وفي 2014، رفع البلدان مستوى العلاقات بينهما إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، لتصبح الجزائر أول دولة عربية تعقد مثل هذه الشراكة مع الصين.
من جهته شكر تبون نظيره الصيني على دعم بكين لمسعى الجزائر للانضمام إلى مجموعة بريكس قائلا إن “الصين هي أبرز صديق لنا”.
اقرأ أيضاالرئيس الجزائري تبون في زيارة دولة إلى الصين.. ماذا يريد من بكين؟
ويعتبر الانتماء إلى مجموعة بريكس هدفا مهما لتبون في مجال السياسة الخارجية. وفي عام 2022 أكد أن بلاده استوفت “جزءا كبيرا” من المعايير الاقتصادية للانضمام إلى المجموعة.
وتأتي زيارة تبون إلى بكين بعد زيارة رسمية أيضا قام بها لروسيا الشهر الماضي ناشد خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعم الجزائر لتصبح عضوا في بريكس.
للمزيد عن خلفية سعي الجزائر للانضمام لبريكس، حاورت فرانس24 أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف حسني عبيدي.
حسني عبيدي: هذه الزيارة هي تكملة لسياسة بدأها الرئيس عبد المجيد تبون منذ وصوله إلى السلطة لإعادة الروح للسياسة الخارجية الجزائرية التي كانت شبه معطلة على مدى الولايتين الأخيرتين للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ولأن الجزائر وصلت إلى قناعة مفادها بأنها فقدت العديد من المواقع على الساحة الإقليمية وعلى الساحة الدولية ولذلك رأينا زيارات متعددة للرئيس تبون إلى الخارج واستقبال للعديد من الزعماء وأعتقد أن أبرزها كان تنظيم القمة العربية في الجزائر.
أما زيارة الصين لديها طابع خاص باعتبار أن الرئيس تبون والدبلوماسية الجزائرية وضعت كأولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الانضمام إلى تجمعات إقليمية جديدة وهي منظمة شنغهاي بالإضافة إلى مجموعة بريكس. ولذلك بعد زيارة روسيا كان من الضروري على الرئيس تبون زيارة الصين لتأكيد عزم الجزائر الانضمام إلى هذه المنظمة. وبالتالي أعتقد أن زيارة الصين تأتي كتأكيد على المنحنى الجديد الذي اتخذته السياسة الخارجية الجزائرية.
- هل يمكن أن تحظى الجزائر بالانضمام لبريكس؟
زيارة الصين من أحد أهدافها إقناع بكين بأهمية انضمام الجزائر لبريكس ولكن في نفس الوقت طلب مساعدتها، لأن الجزائر حتى الساعة لم تصل إلى المستوى “التقني” أي الاقتصادي، خاصة من ناحية الدخل القومي الإجمالي، إلى جانب تعدد مصادر الدخل القومي، وبالتالي هي ترمي إلى تأكيد العلاقة القوية مع الصين وطلب دعم بكين في هذه العضوية بعد تأكيد دعم روسيا. في نفس الوقت تكثيف التبادل التجاري والاقتصادي الذي من شأنه زيادة حظوظ الجزائر لنيل عضوية بريكس. فكأن الجزائر تقول بأنها تعلم أنها لم تستكمل الشروط، لكن هذه الشروط أيضا تتضمن بعلاقتها الاقتصادية ببكين. والهدف الثاني من زيارة الرئيس تبون بعد قضية بريكس وشنغهاي هو قضية زيادة التبادل التجاري. فالصين أصبحت الشريك الأول للجزائر بعد سنوات من سيطرة فرنسا على هذا الدور، وهو دور الشراكة الأولى، ولذلك أعتقد أن الجزائر تعتبر الآن مرشح جدي بالنسبة لبريكس وحتى في شنغهاي، أي أن هناك عضوية ستكون تدريجية حتى وإن لم تستطع الجزائر الحصول على عضوية في القمة المقبلة في جنوب أفريقيا فيمكن القول بأنها قد ضمنت مكانها كدولة مرشحة لعضوية بريكس.
- لماذا تتجه الجزائر نحو هذا التحالف، وهل يمكن أن يُعتبر أنها تدير ظهرها للغرب؟
لا أعتقد أن الجزائر باستطاعتها إدارة ظهرها للغرب، لأنه الشريك الاقتصادي الأول لها يبقى الاتحاد الأوروبي ليس فرنسا ولا ألمانيا بمفردها، وإنما الاتحاد الأوروبي. فهذا التكتل يبقى في النهاية السوق الأولى للغاز والنفط الجزائري. ثم يجب ألا ننسى بأن الجزائر استطاعت مساعدة أوروبا في تقليص اعتمادها الكلي على الغاز الروسي وهذه نقطة إيجابية. كما أن الجزائر حولت إيطاليا إلى منصة لاستيراد الغاز الجزائري ومن ثمة ضخه للعديد من الدول الأوروبية، وبالتالي من الصعب على الجزائر أن تتخلى عن علاقاتها مع الغرب. صحيح أن هذه العلاقات أصابها نوع من العطب وأن هناك نوعا من عدم الرضا من الجانبين وأن الجزائر غير مرتاحة لشروط الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، لكن توجهها شرقا في رأيي لا يتناقض مع العلاقات القوية الاقتصادية التي يجب أن تبقي عليها الجزائر. الهند مثلا هي رئيسة مجموعة العشرين -الدول الأكثر نموا- في نفس الوقت هي عضو ودولة منظمة لبريكس.
من جانب آخر، الجزائر تراقب التغيرات في النظام الإقليمي والدولي، يعني هناك إرادة جديدة من قبل هذا النظام لمحاولة التخلي عن القطبية الثنائية، هناك تمحورات كبيرة يعني تنظيمات إقليمية، كمجموعة صحراء النقب التي تضم العديد من الدول المطبعة مع إسرائيل، هناك تجمعات أخرى تجاوزت أصلا دور المنظمات الإقليمية مثل الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، لذلك الجزائر لا تريد أن تكون على هامش التجمعات الإقليمية التي فرضت نفسها على أرض واقع العلاقات الدولية.
النقطة الأخيرة، الحرب الأوكرانية أدت إلى هشاشة العديد من الدول العربية والدول الأفريقية، ولذلك فإن الجزائر تريد تنويع صادراتها خاصة بالنسبة لأمنها، لا يمكن أن تعتمد فقط على روسيا، وهي اتجهت إلى الصين لأنها تعلم جيدا أيضا أن الاتحاد الأوروبي أو الدول الغربية لديها شروط كثيرة، أحيانا تعجيزية، فيما يخص مثلا التبادل فيما يخص الأنظمة الأمنية والأنظمة الدفاعية لذلك اتجهت إلى الشرق. لكي تعزيز العلاقة مع الشرق، التي كانت أصلا جيدة منذ الاستقلال، فالعلاقة مع روسيا والصين هي علاقة تاريخية، الجزائر أرادت أن تعطي أو تترجم هذه الشراكة في المجالات السياسية والمجالات الأمنية.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.