مهندسو مجموعة فاغنر يسلمون أنفسهم في السودان… حذار من هذا الفيديو القديم الذي أخرج عن سياقه
منذ بداية المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما زال دور مجموعة فاغنر الروسية -المعروفة بقربها من قوات “محمد حمدان دقلو” الملقب بحميدتي- غامضا في هذا النزاع. في هذا السياق، تم تداول مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع يتعلق بمهندسين من مجموعة فاغنر يسلمون أنفسهم إلى القوات المسلحة السودانية. ولكن هذه الصور مضللة، إذ يتعلق مقطع الفيديو في الواقع بإجلاء العاملين في السفارة الروسية بالخرطوم بعد اندلاع المعارك، بالتحديد في أيار/ مايو الماضي.
نشرت في:
8 دقائق
عملية التحقق في سطور
- مقطع فيديو يظهر موكبا زعم أنه يظهر مقاتلين من مليشيا فاغنر الروسية في السودان “يسلمون أنفسهم” إلى القوات المسلحة السودانية.
- تسمح عناصر مرئية بتحديد المكان الجغرافي الذي التقط فيه مقطع الفيديو في السودان
- تتيح عناصر مرئية أخرى على غرار وجود عربة بصفات مميزة، العثور على السياق الحقيقي لمقطع الفيديو الذي يظهر في الواقع إجلاء جزء من موظفي السفارة الروسية في الخرطوم في عملية أشرف عليها الجيش الروسي في بداية شهر أيار/ مايو الماضي.
- يعرف عن مجموعة فاغنر في الحقيقة أنها قريبا من الجنرال “محمد حمدان دقلو” الملقب بحميدتي والذي يواجه القوات الحكومية في حرب طاحنة دخلت شهرها الرابع.
عملية التحقق بالتفصيل
على تويتر، يزعم مقطع فيديو نشر في 16 تموز/ يوليو الجاري أنه يظهر موكبا لمجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية التي تعمل على الدفاع عن مصالح موسكو الخارجية في السودان.
يمكن أن نرى رجلا بلباس عسكري يقدم على أنه جندي سوداني يصور الفيديو إلى جانب رجل يتحدث باللغة الروسية عبر الهاتف. في الوراء نرى سيارة بيضاء اللون تتبعها ما لا يقل عن 4 سيارات بألوان عسكرية رسم عليها حرف “ز Z” وهو رمز موجود على كل العربات العسكرية الروسية المشاركة في الحرب في أوكرانيا. وحصد الفيديو أكثر من 58 ألف مشاهدة.
على منشورات أخرى نشرت في نفس اليوم باللغتين الإنكليزية والعربية على فيسبوك، وحصدت أكثر من 11 ألف مشاهدة، يدعي أصحابها أن مقطع الفيديو يظهر مرتزقة من شركة فاغنر بصدد تسليم أنفسهم إلى القوات السودانية النظامية.
منذ بداية المعارك في السودان منتصف نيسان/ أبريل الماضي بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الجنرال “محمد حمدان دقلو” الملقب بحميدتي، لا يزال الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المليشيا الروسية محل تساؤلات.
مقطع فيديو التقط في الخرطوم تم تحديد إحداثياته الجغرافية
يمكن التنبه إلى عدة عناصر مرئية مثيرة للشكوك في مقطع الفيديو. حيث نرصد حرف “ز Z” على العربات وهي رمز عادة ما يستخدم من قبل الجيش الروسي النظامي من بداية الحرب في أوكرانيا وقليلا ما يتم استعماله من قبل مرتزقة فاغنر الناشطين في أفريقيا.
سام دواك هو صحافي يعمل لصالح وسيلة الإعلام “لوجيكالي فاكتس Logically Facts” للتحقق من الأخبار وتمكن من تحديد الموقع الجغرافي لالتقاط المشهد.
Realistically a convoy of Russian troops in Khartoum would be related to the evacuation earlier this year.
Narrowed it down to that and this matched. No street view but the big white building behind the station, buildings and billboard matched. https://t.co/g43WbKiXkR pic.twitter.com/PDExzOmpe6
— Sam Doak (@SamDoak5) July 17, 2023
في هذه الصور، يمكن لنا أن نرى في الخلفية محطة تزود بالوقود باللون الأزرق. ومن خلال البحث عن محطات الوقود في السودان، يمكن أن نعثر على شركة “أويل ليبيا” التي تستخدم هذا الشعار.
إضافة إلى ذلك، ومن خلال البحث عن مختلف محطات التزود بالوقود في الخرطوم، المكان المرجح لالتقاط الصور حسب تعليقات مستخدمي الإنترنت، نستطيع أن نعثر على المكان الدقيق الذي تم فيه التقاط الفيديو.
ويتعلق الأمر بمحطة وقود في شمال العاصمة السودانية الخرطوم. وبالرغم من عدم وجود صور للشارع على تطبيق “غوغل مابس” يمكن أن نتعرف من خلال مشهد ملتقط من الجو على محطة الوقود واللافتة الإشهارية والمبنى الأبيض الكبير وراء المحطة.
عملية إجلاء موظفين في السفارة الروسية بالعاصمة السودانية الخرطوم
ولكن هل هذا المقطع المصور التقط في وقت قريب؟ حسب بعض التعليقات، يشير عدد من مستخدمي الإنترنت أنه من المرجح أن المقطع المصور التقط خلال عملية إجلاء مدنيين من قبل الجيش الروسي في السودان مع بداية المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ومن خلال البحث عن صور على قناة السفارة الروسية في السودان في تطبيق تلغرام، يمكن لنا أن نعثر على صورة نشرت في 2 أيار/ مايو الماضي وتظهر نفس الشاحنة الصغيرة البيضاء. ويتعلق الأمر بنفس عربة تويوتا من طراز HiAce مع نفس الحقائب باللون الأخضر أو البني التي وضعت على سقف العربة وأحيطت بشبكة. كما نرى نفس العلم الروسي المثبت فوقها.
لكن في المقابل، تظهر هذه الصورة عملية إجلاء جزء من موظفي السفارة الروسية في السودان في 2 أيار/ مايو 2023 حيث السلطات الروسية.
من خلال البحث عن صور عملية الإجلاء، يمكن أن نعثر على نفس صورة العربة باللون العسكري لموكب عسكري روسي والتي نشرها حساب موال لروسيا في لحظة الإجلاء.
ونشرت وزارة الخارجية الروسية بيانا إعلاميا بخصوص التدخل لإجلاء موظفيها. وقالت فيه إنه تم إجلاء موظفي السفارة في السودان في 2 أيار/ مايو الماضي عبر موكب قادهم من قاعدة الشهيد مختار العسكرية الذي يقع في مدينة أم درمان المحاذية للعاصمة الخرطوم قبل أن يستقلوا طائرة قادتهم إلى موسكو.
ويظهر مقطعان هواة الطريق الذي سلكه الموكب.
وتتعلق العملية بإجلاء 200 شخص من بينهم جزء من موظفي السفارة الروسية في الخرطوم وممثلي وزارة الدفاع ومواطنين روس مع مواطني دول متحالفة مع موسكو، وذلك في 2 أيار/ مايو من قبل القوات الروسية المسلحة.
دور غامض لمجموعة فاغنر في المعارك الدائرة في السودان
مع وجودها في السودان منذ سنة 2018، ارتبطت مجموعة فاغنر الروسية بعلاقة شراكة مع الرئيس المخلوع عمر البشير لاستغلال مناجم الذهب بطريقة غير شرعية في البلاد وهو ما أكده تحقيق استقصائي لتنسيقية دولية للصحافيين.
في نفس الفترة، ربطت المليشيا الروسية شبه العسكرية علاقات وثيقة مع الجنرال محمد حمدان دقلو ومجموعته شبه العسكرية “قوات الدعم السريع” التي دخلت في صراع مسلح مع القوات العسكرية النظامية.
وتم فتح تحقيق في نيسان/ أبريل الماضي من قبل منظمة التحقيق في المصادر المفتوحة “كل العيون على فاغنر” (All Eyes on Wagner) مع قناة سي إن إن الأمريكية التي تقول فيه إن مجموعة فاغنر أرسلت صواريخ لقوات الدعم السريع لمساندتها في المعارك ضد الجيش السوداني.
كما قامت منظمة All Eyes on Wagner برصد خريطة تفاعلية لمتابعة تحركات المليشيا الروسية والانتهاكات التي ترتكبها ضد حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم.