مئات اللبنانيين يتقدمهم أهالي الضحايا يطالبون بالعدالة خلال إحياء الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت
تزامنا مع الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت بلبنان، خرج مئات المواطنين الجمعة يتقدمهم أهالي الضحايا في مسيرة صوب موقع الكارثة، حيث وقفوا دقيقة صمت. وفيما لا يزال الغموض يلف مسار التحقيق، رفع المشاركون في الاحتجاج شعارات تدعو إلى إحقاق العدالة ومعاقبة المتورطين. يعتقد أن الانفجار نتج عن نشوب حريق في أحد المستودعات في الميناء، حيث كانت مواد كيميائية مخزنة منذ عام 2013 حين أُفرغت خلال توقف مفاجئ لسفينة، لكن لم يطالب أحد بالشحنة وبقيت هناك على الرغم من معرفة كبار المسؤولين بوجودها.
مطالبة بإنصاف الضحايا ومحاسبة المتورطين، شارك مئات اللبنانيين الجمعة في مسيرة باتجاه موقع انفجار مرفأ بيروت تزامنا مع الذكرى السنوية الثالثة للكارثة.
وعند قرابة الساعة الرابعة (الأولى ت غ) عصرا، بدأ ناشطون يتقدمهم أهالي الضحايا التجمع أمام مقر فوج الإطفاء في “الكرنتينا” رافعين شعار “العدالة رغما عنهم، من أجل العدالة والمحاسبة… مستمرون”، قبل الانطلاق نحو المرفأ. فيما لا تزال العدالة معطلة جراء تعليق التحقيق بفعل تدخلات قضائية وسياسية.
في الرابع من آب/أغسطس 2020، عند الساعة السادسة وسبع دقائق، دوى انفجار ضخم في بيروت، حصد أكثر من 220 قتيلا وتسبب بإصابة أكثر من 6500 شخص بجروح، وأحدث دمارا واسعا في المرفأ وعدد من أحياء العاصمة.
قبالة المرفأ، وقف المشاركون دقيقة صمت عند الساعة السادسة وسبع دقائق، لحظة وقوع الكارثة، على وقع صفارات البواخر الراسية في المرفأ. وتلا متحدث باسم الأهالي أسماء الضحايا تباعا على وقع التصفيق والدموع.
وحمل المشاركون الذين اتشح بعضهم بالسواد صور أحبائهم ورايات سوداء. كما رفعوا علما لبنانيا ملطخا بالأحمر. وحمل آخرون علما عملاقا كتب عليه قسم بالنضال حتى تحقيق العدالة.
وتقدمت المسيرة آلية لفوج الإطفاء عليها صور لعناصر الفوج العشرة الذين سارعوا لإخماد حريق في المرفأ سبق وقوع الانفجار. وكتب على إحدى اللافتات “تسقط جميع الحصانات. لن ننسى، لن نسامح”.
وردد المشاركون هتافات عدة بينها “لن ننسى، لن ننسى، دم الشهداء لن ننسى” على وقع أغان وأناشيد وطنية.
وقالت تانيا ضو التي قتل زوجها الطبيب بينما كان في عيادته لحظة الانفجار، “إصرارنا على المطالبة بالحقيقة يأتي من وجعنا”.
وأضافت خلال مشاركتها في المسيرة أن تعليق التحقيق “أكبر مثال على الفساد السائد في لبنان ولم نعد قادرين أن نتحمل أكثر”.
ومنذ اليوم الأول، عزت السلطات الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية إثر اندلاع حريق لم تعرف أسبابه. وتبين لاحقا أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكنا.
وقالت ريما الزاهد التي خسرت شقيقها أمين، الموظف في شركة داخل المرفأ، في وقت سابق “بعد ثلاث سنوات من تفجير مرفأ بيروت، لا يوجد مطلوب واحد في السجن”، بينما “القضاء مكبل والعدالة ضائعة والحقيقة مخبأة”.
“متاهات التحقيق”
وإثر الانفجار، عينت السلطات القاضي فادي صوان محققا عدليا، لكن سرعان ما تمت تنحيته في شباط/فبراير 2021 إثر ادعائه على رئيس الحكومة حينها حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين بتهمة “الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة” وجرح مئات الأشخاص.
واصطدم خلفه القاضي طارق بيطار بالعراقيل ذاتها مع إعلان عزمه على استجواب دياب، تزامنا مع إطلاقه مسار الادعاء على عدد من الوزراء السابقين، بينهم نواب، وعلى مسؤولين أمنيين وعسكريين.
وامتنع البرلمان السابق عن رفع الحصانة عن النواب المذكورين، ورفضت وزارة الداخلية منحه إذنا لاستجواب قادة أمنيين ورفضت قوى الأمن كذلك تنفيذ مذكرات توقيف أصدرها.
وغرق التحقيق بعدها في متاهات السياسة ثم في فوضى قضائية بعدما حاصرت بيطار عشرات الدعاوى لكف يده، تقدم بغالبيتها مسؤولون مدعى عليهم.
وخلال عامين ونصف عام، تمكن بيطار من العمل رسميا لقرابة ستة أشهر فقط، تعرض خلالها لضغوط أنذرت بأزمة غير مسبوقة في الجسم القضائي، خصوصا بعدما أحبط مدعي عام التمييز غسان عويدات محاولته استئناف التحقيقات مطلع العام الحالي.
وكان بيطار قد استأنف تحقيقاته في 23 كانون الثاني/يناير 2023 بعد 13 شهرا من تعليقها، وقرر الادعاء على ثمانية أشخاص جدد بينهم عويدات، وحدد مواعيد لاستجواب 13 شخصا مدعى عليهم.
لكن عويدات تصدى له بالادعاء عليه بـ”التمرد على القضاء واغتصاب السلطة”، وأصدر منع سفر في حقه، وأطلق سراح جميع الموقوفين.
إزاء ذلك، تراجع بيطار عن المضي بقراراته.
وقال مصدر قانوني مواكب للملف، من دون الكشف عن هويته، إن ملف التحقيق “قيد المتابعة” من بيطار، على الرغم من الدعاوى التي تلاحقه وتعلق عمله رسميا.
وأوضح أن رغم غيابه عن أروقة قصر العدل، يصر بيطار على استكمال مهمته حتى إصدار قراره الظني كما وعد عائلات الضحايا التي تعقد آمالها عليه من أجل بلوغ العدالة.
ويعد حزب الله، اللاعب السياسي والعسكري الأبرز في لبنان، من أشد الرافضين لعمل بيطار والمطالبين بعزله.
وجدد الأمين العام للحزب حسن نصر الله الخميس الحديث عن “تسييس” التحقيق. وقال في كلمة متلفزة “المسؤولون عن هذا التقصير أو عن هذه المصيبة أو عن هذه الجريمة، سموها ما شئتم، يجب أن يعاقبوا، ولكن الذي يضيع العدالة مع الحقيقة هو هذا التسييس”.
يرجح أن يكون الانفجار قد نتج عن نشوب حريق في أحد المستودعات في الميناء، حيث كانت مواد كيميائية مخزنة منذ عام 2013 حين أُفرغت خلال توقف مفاجئ لسفينة، لكن لم يطالب أحد بالشحنة وبقيت هناك رغم معرفة كبار المسؤولين بوجودها.
“لن يكون لبنان وحيدا”
اصطدمت مطالبة أهالي الضحايا الذين تظاهروا مرارا، بتحقيق دولي، برفض رسمي في لبنان.
وقال جاد مطر على هامش مشاركته في التحرك “يحق لي كمواطن لبناني أن أعرف لماذا قتل مواطنون لبنانيون في الانفجار من دون سبب”.
وأضاف بانفعال “يجب أن يتوقف هذا النظام الممنهج الذي يجعل جميع اللبنانيين عرضة للقتل في أي لحظة كما لو أننا نعيش على فوهة بركان”.
في باريس، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار لبنان مرتين بعد الانفجار “لبنان لم يكن وحيدا ولن يكون أبدا”، مخاطبا اللبنانيات واللبنانيين “بإمكانكم الاعتماد على فرنسا، على تضامننا وعلى صداقتنا”.
واعتبر متحدث باسم الخارجية الأمريكية في بيان الجمعة أن “عدم إحراز تقدم نحو المساءلة غير مقبول ويؤكد الحاجة إلى إصلاح قضائي واحترام أكبر لسيادة القانون في لبنان”.
وجددت منظمات، بينها هيومن رايتش ووتش والعفو الدولية، وعائلات ضحايا في بيان الخميس مطالبتها الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بدعم إنشاء بعثة دولية مستقلة ومحايدة لتقصي الحقائق.
وقالت مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى منظمة هيومن رايتس ووتش لمى فقيه “إذا لم تتم محاسبة المسؤولين (عن الانفجار)، فسيضع ذلك البلاد على مسار يسمح بتكرار جرائم مماثلة”.
وقالت نائبة المديرة الإقليمية في منظمة العفو الدولية آية مجذوب “استخدمت السلطات كل السبل التي في متناولها لتقويض التحقيق المحلي وعرقلته بوقاحة لحماية نفسها من المسؤولية”.
فرانس24/ أ ف ب / رويترز
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.