إضافة المواقع الأثرية المهددة إلى قائمة اليونسكو… دعم أم إهانة للحكومات؟
أضافت مؤخرا منظمة اليونسكو الأممية عددا من المباني المهمة في العاصمة الأوكرانية كييف وفي مدينتي لفيف وأوديسا إلى قائمة التراث العالمي “المهدد” نظرا للخطر الذي يمثله الغزو الروسي على وجودها. ومن جديد، نجت مدينة البندقية (فنيسيا) الإيطالية من الإضافة إلى هذه القائمة. ويعد تسجيل هذه المواقع على قائمة اليونسكو فرصة مهمة لحشد الدعم المادي والمعنوي والتقني للحفاظ على هذه المعالم من الزوال. وترى بعض الدول في ذلك تشريفا لمواقعها الأثرية بينما ترى فيه دول أخرى إهانة لها.
نشرت في:
10 دقائق
يتهدد خطر شديد العديد من المباني الدينية الأوكرانية كالأديرة والرهبانيات في العاصمة كييف وفي مدينتي لفيف وأوديسا. فبسبب الغزو الروسي للبلاد منذ فبراير/شباط 2022، باتت تلك المباني “مهددة بالدمار”، لذا تم إدراجها في 15 سبتمبر/أيلول على قائمة اليونسكو للتراث العالمي المعرض للخطر، بمناسبة الدورة رقم 45 للجنة التراث العالمي في العاصمة السعودية الرياض. وهو التصنيف الذي نجت منه مدينة البندقية الإيطالية مرة أخرى، والمهددة جراء الاحتباس الحراري والسياحة المفرطة.
وتضم هذه القائمة اليوم 56 موقعا أثريا، مثل مئذنة وأطلال أثرية في مدينة جام الأفغانية وكذلك مدينة زبيد التاريخية في اليمن. وتحظى هذه المواقع باهتمام خاص نظرا لما لحقها من خسائر جراء النزاعات المسلحة والحروب والزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى، دون أن ننسى التلوث والصيد الجائر والتمدن والتنمية غير المنضبطة للسياحة.
إن تسجيل هذه المواقع على قائمة التراث العالمي المهدد يسمح، على وجه الخصوص، للجنة التراث العالمي، التي تجتمع كل عام، بمنحها مساعدات فورية من ميزانية صندوق التراث العالمي.
الحروب والتغير المناخي، معايير أساسية في تقييم “التهديدات”
وفي حالة المواقع الأوكرانية، اعتبر ممثلو الدول الإحدى والعشرين، الذين يشكلون أعضاء لجنة التراث العالمي، أن تضمينها في القائمة ضروري للغاية. وهكذا دخلت كاتدرائية القديسة صوفيا والمباني الرهبانية المرتبطة بها، ودير كييف، وهو دير أرثوذكسي مهم، بالإضافة إلى المركز التاريخي كاملا لمدينة لفيف على قائمة التراث العالمي المهدد.
وأوضحت منظمة اليونسكو من مقرها في العاصمة الفرنسية باريس أن الظروف المثلى “لم تعد متوافرة لضمان الحماية الكاملة للقيمة العالمية المتميزة لهذه المواقع المهددة بأخطار محتملة بسبب الحرب”. وقالت المنظمة في بيان لها “إنه في مواجهة أخطار التعرض لهجمات مباشرة، فإن هذه المواقع تتميز بضعفها أمام موجات الصدمة الناجمة عن قصف المدينتين”.
وفقا لاتفاقية عام 1972، يمكن إدراج أي موقع تراثي على قائمة التراث العالمي المهدد إذا رأت اللجنة أن وضعها يتوافق مع واحد على الأقل من المعايير الموضحة في “المبادئ التوجيهية”، وهي وثيقة لتوجيه تنفيذ اتفاقية التراث العالمي.
وبالتالي، يمكن أن تكون المواقع المعرضة لأخطار طبيعية أو ثقافية، في حالة “خطر مثبت”، عندما يتعلق الأمر بتهديدات وشيكة محددة وثابتة، أو في حالة “تهديد”، عندما تواجه تهديدات يمكن أن يكون لها آثار ضارة على قيمة العالمية لتراثها ولوجودها ذاته.
لقد تم إدراج الممتلكات الثقافية، وكاتدرائية القديسة صوفيا في كييف، ودير كييف، والمركز التاريخي في لفيف – وكذلك المركز التاريخي في أوديسا، منذ يناير/كانون الثاني الماضي – في القائمة تحت مسمى حالة من “الخطر المثبت” بسبب “التهديدات الحقيقية التي يمكن أن يكون لها آثار ضارة على خصائصها الأساسية”. تتوافق هذه التهديدات مع معيار اليونسكو المتعلق “بالنزاعات المسلحة التي تلوح في الأفق أو تلك التي تهدد بالاندلاع”.
ففي أوكرانيا وحدها، تضرر أو دمر ما لا يقل عن 248 موقعا بسبب الحرب الدائرة، كما يشير إلى ذلك بيان صادر عن اليونسكو يقدر كلفة الأضرار التي لحقت بالقطاع الثقافي بنحو 2,4 مليار يورو.
فيما حذرت المديرة العامة لليونسكو أودريه أزولاي في أبريل/نيسان الماضي، على هامش اجتماع عمل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من أنه “سيكون من الضروري استثمار 6,9 مليار دولار في القطاع الثقافي في أوكرانيا على مدى السنوات العشر المقبلة، لإعادة البناء وتصحيح الوضع”.
أودري أزولاي الأمينة العامة لليونسكو مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي
Director-General @AAzoulay carried out a mission to #Ukraine to reaffirm UNESCO’s support to the people & advance the reconstruction of cultural sector.
President @ZelenskyyUa welcomed the “concrete results” of the emergency measures taken by @UNESCO.https://t.co/9txAqqOQib pic.twitter.com/NhEWnOErGl
— UNESCO 🏛️ #Education #Sciences #Culture 🇺🇳 (@UNESCO) April 5, 2023
كما تطمح وكالة الأمم المتحدة، بعد إضافة أوديسا، إلى تعزيز إجراءاتها المحلية للحفاظ على هذه المواقع وإضافتها لقاعدة بيانات رقمية، وكذلك مواصلة حماية المباني التراثية المعرضة لمخاطر القصف. فقد أصيبت عدة مبان في وسط أوديسا في يوليو/تموز الماضي بما في ذلك كاتدرائية التجلي التي تضررت بشدة جراء قصف روسي.
“منذ الأيام الأولى للحرب، كانت اليونسكو إلى جانب الشعب الأوكراني للمساعدة في حماية ثقافته وتراثه وتعليمه وسلامة الصحافيين. فهذه هي ركائز إنسانيتنا وهوياتنا، وهي أركان الانتعاش والسلام في البلاد”، هكذا قالت أزولاي في أبريل/نيسان الماضي من أمام كاتدرائية القديسة صوفيا في كييف، والتي تصنفها اليونسكو “واحدة من المعالم الرئيسية التي تمثل الهندسة المعمارية وفنون البناءات الضخمة في أوائل القرن 11 الميلادي” في أوكرانيا.
فيما يعد دير كييف، من جانبه، رمز “القسطنطينية الجديدة”، عاصمة الإمارة المسيحية التي تم إنشاؤها في القرن 11 الميلادي، وذلك لمساهمته في نشر الإيمان والفكر الأرثوذكسيين في القارة الأوروبية في القرون 17 و18 و19.
اليونسكو تقدر كلفة إصلاح المباني الأثرية الأوكرانية بسبعة مليارات دولار
Nearly $7 billion will be required over the next decade to rebuild the cultural sector in war-ravaged #Ukraine, @UNESCO says.
Meanwhile, damage to energy infrastructure exceeds $10 billion, @UNDP and @WorldBank report.https://t.co/qkLVoYZmMV
— UN News (@UN_News_Centre) April 6, 2023
وفيما يتعلق بالمواقع الطبيعية التي تكون في حالة “خطر مثبت”، فإن إدراجها في القائمة قد يكون مبررا، على سبيل المثال “بتغيير خطير في الجمال الطبيعي أو القيمة العلمية للمبنى، ناتج عن تدخل بشري”، أو حتى “بحدوث انخفاض خطير في أعداد الأنواع المهددة بالانقراض والتي أنشئ المبنى المعني بأمر قانوني من أجل حمايتها”.
أما في حالة وضع “التهديد” فإنه ينطبق إذا واجه الموقع “تهديدات خطيرة يمكن أن يكون لها آثار ضارة على خصائصه الأساسية”. ومن بين هذه التهديدات: تعديل الوضع القانوني الذي يحميه، أو نزاع مسلح أو “الآثار المهددة للعوامل المناخية أو الجيولوجية أو غيرها من العوامل البيئية”.
في يوليو/تموز الماضي، أوصى خبراء اليونسكو بإدراج مدينة البندقية الإيطالية على قائمة التراث العالمي المهدد، مقدرين أنه يجب على السلطات الإيطالية تكثيف جهودها للحفاظ على “مدينة الدوقات” والبحيرة المحيطة بها. ووفقا لليونسكو، فإن المدينة معرضة لمخاطر تضرر “لا رجعة فيها” بسبب عدد من المشاكل، لا سيما تغير المناخ وأعداد السياح الكبيرة، وهما آفتان مذكورتان بانتظام في هذه المناقشات.
مطالبة الدول والحكومات بضرورة التحرك
وأشار مركز التراث العالمي آنذاك، وهو فرع لليونسكو، إلى أن “التطوير المستمر [لمدينة البندقية] وتأثيرات التغير المناخي والسياحة الجماعية كل ذلك يهدد بإحداث تغييرات لا رجعة فيها في القيمة العالمية المتميزة للمباني التاريخية”. من بين الأمثلة التي ذكرتها الوكالة، ارتفاع مستوى مياه البحر وغيرها من “الظواهر الجوية المتطرفة”.
وكما كان الحال بالفعل قبل عامين، فقد نجت “مدينة الدوقات” بصعوبة من الإدراج على القائمة. فعلى الرغم من أن لجنة التراث العالمي لاحظت أن الموقع لا يزال يواجه تحديات كبيرة وطلبت من إيطاليا مواصلة حماية الموقع، إلا أنها تخلت عن إدراجه على قائمة المواقع المهددة. وقال دبلوماسي لوكالة الأنباء الفرنسية “إن هذا القرار يأخذ في الاعتبار التقدم الذي أحرزته اليونسكو في الأيام الأخيرة، ولا سيما تنفيذ نظام إدارة تدفق الزوار اعتبارا من عام 2024”. وبخاصة أن المشروع كان معلقا منذ شهور، فقد قررت سلطات مدينة البندقية أخيرا تطبيق ضريبة بقيمة خمسة يورو اعتبارا من عام 2024، والتي سيتعين على السياح القادمين ليوم واحد إلى المدينة دفعها. وهو إجراء يهدف إلى ردع بعض الزوار الذين تغص بهم المدينة وقنواتها كل يوم.
لكن البندقية لم تخرج تماما من منظار اللجنة. فقد “كررت اللجنة إعرابها عن القلق إزاء التحديات الكبيرة التي لا يزال يتعين مواجهتها من أجل الحفاظ على الموقع بشكل صحيح، ولا سيما فيما يتعلق بالسياحة الجماعية ومشاريع التنمية وتغير المناخ. وتعتقد أنه يجب إحراز مزيد من التقدم”. لذا سيتعين أيضا على إيطاليا دعوة بعثة استشارية من مركز التراث العالمي ومهمتها “تقديم تقرير بحلول الأول من فبراير/شباط 2024، من أجل إعادة فحص حالة الحفاظ على الموقع مرة أخرى خلال الدورة 46 للجنة في صيف 2024”.
فرصة أخيرة للإنقاذ، أم إهانة؟
وكما تقول اليونسكو، فإن تسجيل موقع ما على قائمة التراث العالمي المهدد “يسمح للجنة بمنح مساعدة مالية على الفور في إطار صندوق التراث العالمي”. على إثر ذلك ينبغي القيام بكل شيء لاستعادة قيمة الموقع، وبالتالي السماح، في أقرب وقت ممكن، بإزالته من القائمة. وهي قائمة لا تحظى بالنظرة نفسها من جميع الأطراف المعنية. وفي الواقع، إذا طلبت بعض البلدان بنفسها تسجيل موقع ما لجذب الانتباه الدولي إليه والحصول على مساعدة مختصة، فإن بلدانا أخرى ترغب في تجنب هذا التسجيل الذي تعتبره مخزيا أو مهينا.
ففي 15 سبتمبر/أيلول، عندما أعلنت اليونسكو أن البندقية قد نجت من الإدراج، سارع وزير الثقافة الإيطالي جينارو سان جيوليانو إلى الترحيب “بانتصار إيطاليا والحس السليم”.
جاء ذلك ردا، على وجه الخصوص، على المنظمة البيئية غير الحكومية “إيطاليا نوسترا” (إيطاليا لنا)، التي رحبت رئيسة قسم البندقية بها بتقرير خبراء اليونسكو لصالح تصنيف البندقية على قائمة التراث المهدد. “أخيرا!”، كان ذلك رد فعلها، على أمل أن يجبر مثل هذا الإدراج الحكومة الإيطالية على التصرف بشكل جذري وتحمل مسؤوليتها. فوكالة الأمم المتحدة تذكر قائلة: “لا ينبغي اعتبار تصنيف الموقع على أنه تراث عالمي مهدد بمثابة عقوبة “، بل هو “نظام تم إنشاؤه للاستجابة بفعالية لاحتياجات الحفظ المحددة”.
في الواقع، فإنه إذا فقد موقع ما الخصائص التي تم إدراجه بفضلها على قائمة التراث العالمي، وفشلت الدولة التي ينتمي إليها في تنفيذ واجبات الحماية والحفظ، فقد تقرر اللجنة سحبه من قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وهو قرار يضر بمكانة الموقع التاريخية ومقامه بصورة لا لبس فيها.
النص الفرنسي: بولين روكيت | النص العربي: حسين عمارة