على غرار جنوب أفريقيا… لماذا لم ترفع السلطة الفلسطينية دعوى ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية؟
رفعت دولة جنوب أفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في حق الفلسطينيين في حربها مع حركة حماس في قطاع غزة. وتطرح هذه المبادرة تساؤلا: لماذا ليست السلطة الفلسطينية هي من رفع الدعوى؟ للإجابة اتصلت فرانس24 بمختصين في القانون الدولي.
نشرت في:
9 دقائق
على الرغم من أنها وقعت اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي أقرت عام 1949، إلا أن دولة فلسطين المعترف بها لدى الأمم المتحدة والممثلة بالسلطة بقيادة الرئيس محمود عباس، لم ترفع دعوى ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية كما فعلت جنوب أفريقيا التي تتهم الدولة العبرية بارتكاب “إبادة جماعية” في حق الفلسطينيين. ما يثير التساؤلات حول الأسباب التي من المحتمل أن تمنع السلطة الفلسطينية من التوجه إلى القضاء الدولي.
وتعهدت إسرائيل بـ”القضاء” على حركة حماس بعد هجومها غير المسبوق في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل 1140 شخصا في إسرائيل، وخطف خلال الهجوم قرابة 250 شخصا، لا يزال 132 منهم محتجزين كرهائن في قطاع غزة، وفق الجيش الإسرائيلي.
اقرأ أيضاما تجب معرفته عن شكوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية؟
عقب ذلك ردت إسرائيل بحملة قصف على قطاع غزة وباشرت لاحقا هجوما بريا، ما أدى إلى سقوط أكثر من 23 ألف قتيل معظمهم من النساء والأطفال، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة في القطاع. ودمر القصف الإسرائيلي أحياء بأكملها في قطاع غزة وأجبر 85 في المئة من السكان على الفرار، ويعاني سكان غزة البالغ عددهم 2,4 مليون تقريبا من أزمة إنسانية كارثية، وفق الأمم المتحدة.
وفي الملف الذي يتكون من 48 صفحة، تقول جنوب أفريقيا إن قتل إسرائيل للفلسطينيين في غزة والتسبب في أذى نفسي وجسدي جسيم لهم وتهيئة ظروف معيشية تهدف إلى “تدميرهم جسديا” يعد إبادة جماعية لهم. انطلقت جلسات المحاكمة الخميس ومن المقرر أن تستمر على مدى يومين أي بتاريخ 11 و12 كانون الثاني/يناير.
“عدم أهليّة”
عن هذا السؤال قال المختص في القانون الدولي عبد المجيد مراري لفرانس24، إنه “إذا قدمت دولة فلسطين الدعوى فإن ذلك سيثير نقاشا معقدا جدا حول مسألة الأهلية: هل فلسطين مؤهلة لتقديم دعاوى أمام محكمة العدل الدولية؟ لأن هناك سوابق قضائية مشابهة مثلا في مسألة فتح القنصلية في القدس”، في إشارة إلى قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس عام 2017.
وتابع مراري قائلا إن “السلطة الفلسطينية اشتكت على الولايات المتحدة الأمريكية أمام محكمة العدل الدولية بناء على اتفاقية فيينا للعمل الدبلوماسي، لكن الولايات المتحدة الأمريكية طعنت في أهلية السلطة الفلسطينية على اعتبار أن فلسطين هي دولة مراقب وليست دولة عضوا في الأمم المتحدة… وكأنها دولة غير مكتملة السيادة وغير مكتملة الاعتراف، أي ليست دولة إذا صح التعبير، فبالتالي هذا الأمر سوف يخلط الأوراق. لذا من الأفضل أن ترفع القضية دولة معترف بها في الأمم المتحدة ولها مكانة على المستوى الدولي”.
اقرأ أيضااتهام إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية”: ما هوم برنامج جلسات الاستماع أمام العدل الدولية؟
وتجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة منحت عام 2012 فلسطين وضع مراقب غير عضو في الأمم المتحدة. وتقدمت السلطة الوطنية الفلسطينية رسميا بطلب للانضمام كعضو كامل في الأمم المتحدة في العديد من المرات، ولكن هذه المحاولات لم تحقق الإجماع اللازم في مجلس الأمن الدولي.
وأضاف الأستاذ مراري قائلا: “كل من إسرائيل وجنوب أفريقيا وقعتا على اتفاقية تجريم الإبادة الجماعية وكلاهما لم يتحفظ على المادة التاسعة من هذه الاتفاقية، والتي تنص أنه في حالة خلاف بين أطراف هذه الاتفاقية في أحد بنود الاتفاقية أو في عدم احترام موادها وبنودها وانتهاك قواعدها يتم الاحتكام إلى محكمة العدل، بمعنى أن إسرائيل قبلت بمحكمة العدل فيصلا، وحكما لذلك فهي جاءت طائعة لكي تدافع عن نفسها أمامها”.
وتلزم اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي أقرت عام 1949 ردا على مجازر الإبادة في حق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية جميع الدول الموقعة، ليس فقط بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، بل وبمنعها والمعاقبة عليها. وتعرف المعاهدة الإبادة الجماعية بأنها “الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي، أو الجزئي لجماعة قومية ،أو إثنية أو عنصرية أو دينية”.
وفي تصريح لفرانس 24 قال وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة إن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا جاءت “بالتنسيق الكامل مع دولة فلسطين” وتابع قوله “نحن كسلطة وطنية وكشعب فلسطيني… ننتظر الجلسة الأولى للاستماع في جلسة علنية إلى مرافعة جنوب أفريقيا، وفي اليوم الثاني إلى مرافعة إسرائيل. والأهم في هذه الدعوى أن المحكمة ستقوم، خلال فترة قصيرة جدا، باتخاذ تدابير مؤقتة أو تدابير احترازية لحماية الشعب الفلسطيني من الاستمرار في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية من قبل إسرائيل، وبالتالي هذه القضية هي التي رفعتها جنوب أفريقيا وبالتنسيق الكامل مع دولة فلسطين”.
“أسباب سياسية”
المختص في القانون الدولي مجيد بودن له رأي آخر، إذ يعتبر أن السبب الذي منع السلطة الفلسطينية من رفع الدعوى هو غياب الإرادة السياسية، مؤكدا أن القانون الدولي يسمح لها أن تقوم بذلك. وأوضح بودن لفرانس24 قائلا “كون دولة فلسطين عضوا غير دائم في محكمة العدل الدولية غير عائق لأن الأمر متعلق بأساس القضية، أي الطعن الذي ستقوم به أمامها بناء على مبدأ القانون الدولي أو العرف الدولي أو الاتفاقيات الدولية… ثم هل أن الطرفين في القضية قد وقعا على نفس الاتفاقية أم لا… وفي حالة النزاع القائم اليوم وقعت كل من دولة فلسطين وإسرائيل على اتفاقية منع الإبادة الجماعية… وبالتالي يمكن لفلسطين رفع الدعوى…” وتابع قوله إنه كان بإمكان فلسطين رفع الدعوى أيضا لدى “المحكمة الجنائية الدولية التي تسمح حتى للمنظمات برفع الدعاوى”. وفي حديثه أشار بودن إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تسمح بتتبع “الأشخاص المسؤولين عن هذه الاعتداءات… أي مسؤولي دولة إسرائيل من رئيس وزراء ووزير الدفاع… أي سلسلة القيادة والتنفيذ: من الذي يقوم بوضع التخطيط للجريمة إلى الذي ينفذها..هي سلسلة واحدة من أعلى هرم السلطة إلى المنفذ”.
أستاذ القانون في جامعة القدس جهاد كسواني أيضا أكد أن السبب سياسي بالأساس موضحا ذلك بقوله إن “دولة فلسطين للأسف مكبلة. المسألة ليست مسألة قانونية أبدا وليس هناك أي مانع قانوني للقيام بالشكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية، خاصة أن فلسطين مارست هذا الاختصاص سابقا ومثال على ذلك قرار غولدستون الذي تم فيما بعد تجاهل محتوياته”.
ما هي محكمة العدل الدولية وماذا سيحدث في مواجهة إسرائيل وجنوب أفريقيا؟
ما هي محكمة العدل الدولية؟
محكمة العدل الدولية، التي يطلق عليها أيضا اسم المحكمة العالمية، هي أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة، تأسست عام 1945 للتعامل مع النزاعات بين الدول. ولا ينبغي الخلط بينها وبين المحكمة الجنائية الدولية القائمة على المعاهدات، التي تتخذ أيضا من لاهاي مقرا، وتتعامل مع تهم جرائم الحرب الموجهة ضد الأفراد.
وتتعامل هيئة محكمة العدل الدولية المؤلفة من 15 قاضيا -والتي سيضاف إليها قاض واحد من كل طرف في قضية إسرائيل- مع النزاعات الحدودية والقضايا المتزايدة التي ترفعها الدول لاتهام أخرى بانتهاك التزامات معاهدة الأمم المتحدة.
وتلزم اتفاقية الإبادة الجماعية جميع الدول الموقعة ليس فقط بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، بل وبمنعها والمعاقبة عليها. وتعرف المعاهدة الإبادة الجماعية بأنها “الأفعال المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية”.
ماذا سيحدث في الجلسات؟
من المقرر أن تعقد الجلسات يومي 11 و12 كانون الثاني/يناير. وبالنسبة للتدابير الموقتة، فإن المحكمة تحتاج فقط أولا إلى أن تحدد ما إذا كانت لها الولاية القضائية، وما إذا كانت الأفعال موضع الشكوى يمكن أن تقع ضمن نطاق اتفاقية الإبادة الجماعية. ولا يتطلب الأمر بالضرورة أن تتخذ بعد ذلك التدابير نفسها التي يطلبها صاحب الدعوى.
وطلبت جنوب أفريقيا من المحكمة أن تأمر إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في غزة، ووقف أي أعمال إبادة جماعية أو اتخاذ إجراءات معقولة لمنع الإبادة الجماعية، وتقديم تقارير منتظمة إلى محكمة العدل الدولية حول مثل هذه الإجراءات.
وقرار غولدستون هو إشارة إلى تسمية لجنة التحقيق في الأمم المتحدة حول الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2009، والتي خلُصت إلى تقرير ينتقد استخدام القوة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة واتهمها بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. كما اتهم التقرير الفلسطينيين أيضا بانتهاك حقوق الإنسان (من بينها اتهامات بشأن إطلاق صواريخ عشوائية على المدنيين في إسرائيل ونقد لتكتيكات القتال التي استخدمها بعض الجماعات الفلسطينية..)، لكنه ركز بشكل أساسي على الإجراءات العسكرية الإسرائيلية (كتوجيه اتهامات بشأن استخدام قوة مفرطة أثناء الهجوم على قطاع غزة وانتقاد لسياسة الحصار التي فرضت على قطاع غزة).
وتابع كسواني موضحا “السلطة الفلسطينية مقيدة أكثر منها مكبلة. مقيدة بالإجراءات والضغوط الإسرائيلية، وهي أيضا محاصرة من كافة الجوانب لا سيما مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بزعامة بنيامين نتانياهو…هناك عدة ضغوطات: حجز للأموال، إغلاق للطرقات، إغلاق للمعابر، حصار شامل على الشعب الفلسطيني وعلى السلطة الوطنية… ربما السلطة الوطنية لم تبادر بهذا خشية من التعرض إلى مزيد من الضغوط وإلى المزيد من حجز الأموال.. ما سيؤدي إلى إخفاقات سياسية وإخفاقات اجتماعية بمنع تحويل الأموال. فالسلطة الوطنية تتكفل بقرابة خمسة ملايين فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة المدمر حاليا… فمن هذا القبيل تحاول السلطة الوطنية… أعتقد… أن تنأى بنفسها طالما أن هناك من تطوع أو تبرع بالقيام بهذه الشكوى، فهي تحاول أن تنأى بنفسها عن صراع مع السلطات الإسرائيلية الحاكمة والمسيطرة على الوضع الفلسطيني بشكل كامل”.
صبرا المنصر
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.