كتاب “مسار الأسرة” للدكتور عبدالكريم بكار
إن المبادئ والقيم والمفاهيم التي تجسد خارطة السير للأسرة المسلمة، وترسم ملامح اتجاهها في هذه الحياة على مستوى الرؤية والأخلاق والسلوك والعلاقات والاهتمامات، يجب أن تكون واضحة المعالم، فوضوح الاتجاه والمسار يشكل شيئا في غاية الأهمية لاستقامة حياة الأسرة ونجاحها، كما يشكل شيئاً مهما في تحديد الأساليب والتقنيات التي ينبغي أن يتبعها الأبوان في تربية الأبناء. ويكتسب توضيح الاتجاه والوعي به اليوم، أهمية إضافية بسبب هذا الاختلاط والتمازج الثقافي الذي لم يسبق له مثيل، حيث صار الكثير من الناس الحريصين على النقاء والصلاح والمحافظة على الهوية الإسلامية يطرحون الكثير من الأسئلة حول الكثير؛ الكثير من المفاهيم والتصرفات والمواقف ومدى انسجامها مع العقيدة والرؤية الإسلامية.
إننا اليوم نعاني من ارتباك شديد على المستوى الأسري و الاجتماعي في التعامل مع الوافدات الثقافية الجديدة التي باتت تتقاطر علينا من حدب وصوب، والمشكلة في الحقيقة تجاوزت حد الارتباك إلى المعاناة من شيء من الانقسام الاجتماعي حول كثير من العادات والتقاليد التي كانت موضع اعتبار، كما أن طموحاتنا وتطلعاتنا باتت –أيضاً- متباعدة، وهذا شيء خطير للغاية، لأن الطموحات هي التي تكشف عن بنية التدين وجوهر الرؤية، فإذا تباينت طموحاتنا؛ فان هذا يعني أن بنية التدين لدينا قد أصيبت بإصابات بالغة، وحين تصاب البنية؛ فان كل شيء يمكن أن يهتز ويضطرب: الأخلاق والعلاقات والسلوكيات… نحن نعاني من أمية واسعة،
ويعاني كثير من المسلمين من الفقر والبطالة، كما أن معظمهم يعملون في أعمال بدنية مجهدة، وهذا كله يضعف اهتماماتهم بتخطيط حياتهم الأسرية؛ ومستقبل أبنائهم. الأسرة المسلمة وهي تعاني شؤون الحياة؛ وتحاول قضاء حاجاتها والقيام بواجباتها تشبه إلى حد بعيد ربّان السفينة؛ وهو يحاول أن يبلغ وجهته المحددة؛ انه لا يفتأ ينحرف يمنة ويسرة حتى لا يصطدم بشيء أمامه؛ وحتى يتلافى تأثير الأمواج المتلاطمة في مسيرة سفينته، إن كل ذلك لا يزعجه لأنه مطمئن إلى أنه يعرف وجهته ويعرف الميناء الذي سيرسو فيه. حين يكون اتجاهنا واضحاً، ويكون ما علينا أن نفعله، وما علينا أن نجتنبه حاضراً في أذهاننا؛ فإن الأخطاء التي نرتكبها تكون بمثابة التحويلات التي تجرفنا عن الطريق العام فنحن نحاول العودة إليه في أقرب فرصة، لكن المشكلة تكون قاتلة حين لا تكون هناك غايات محددة ولا طريق عام، ولا معايير للصواب والخطأ، أننا نكون –حينئذ- أشبه بكوكب أفلَت من مداره ليتيه في الفضاء إلى الأبد.
رؤيتنا
1- أسرة مرجعيتها الإسلام
الأسرة المسلمة عن وعي وإدراك وفهم لمعنى الانتماء لهذا الدين فإن الإسلام يشكل مرجعيتها في الحياة، وهذا يعني:
- الإسلام هو المنبع الصافي الذي يُورَد، ويُصدر عنه؛ في المعتقدات والأخلاق والتعاملات وكل شؤون الحياة.
- حب الله ورسوله والعمل على إرضاء الله عز وجل وإتباع سنة رسوله في المنشط والمكره، والاعتزاز بالانتماء للإسلام وأمة الإسلام. فهم أحكام وآداب الإسلام ومن ثم الالتزام بها.
- الغيرة على الإسلام والمسلمين والعمل على مساعدتهم فيما فيه صلاح لهم؛ والسعي لكون قدوةً للغير.
- الاهتمام بحفظ القرآن وتدبره.
- كثرة ذكر الله تعالى أمام الأبناء وسؤالهم أسئلة توقظ وعيهم على وجود الخالق؛ والإجابة على أسئلتهم ومناقشتهم.
- حل مشاكل الأسرة في إطار قيم ومبادئ وأخلاق الإسلام وجعلها فرصة لتذكير كل أفراد الأسرة بتلك القيم والأخلاق.
2- كل المكاسب والخسائر في هذه الدنيا مؤقتة ومحدودة
نظرة الأسرة المسلمة إلى طبيعة الحياة الدنيا ومباهجها وآلامها؛ تشكل جزءاً مهما من رؤيتها العامة، وعند حدوث خلل جوهري في هذه الرؤية؛ فان كل شيء يمكن أن يختل ويضطرب. الدنيا مزرعة الآخرة ورجاء المسلم من عمله الصالح فيها، كرجاء الزارع للبذور التي نثرها في أرض خصبة، ينتظر حصادها، وما أجمل قول الله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8]. فإن عمر الإنسان في هذه الحياة محصور، ودرجته في الآخرة مبنية على الأيام التي يعيشها في هذه الدنيا؛ والمؤمن يعيش في هذه الدنيا وقلبه معلق بالآخرة؛ لأن حاله كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما يكفي أحدكم ما كان في الدنيا مثل زاد الراكب» (صحيح الجامع)؛ وقوله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء:77].
وهذا بالنسبة لمسار الأسرة المسلمة في تربية أبنائها يعني: بما أن كل ما في الدنيا مؤقت ومحدود، فلا نتكبر ولا نغتر مهما أصابنا من الخير والنجاح والمال… وفي الوقت نفسه لا نخضع ولا نذل ولا نيأس ولا ننهزم مهما لاقينا من الآلام والمصائب والمشكلات… فالإيمان والنظرة الإستراتيجية للمكاسب والخسائر الدنيوية كفيلين بجعلنا نحافظ على توازننا في كل الظروف والأحوال. لا ننظر إلى ما في أيدي الناس ولا نحسد أحداً فأرزاقنا لن تنقص ولن تتأخر عن موعدها إن اتقينا الله وتعففنا. يقول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي ، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها ، وتستوعِبَ رزقَها ، فاتَّقوا اللهَ ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ» (صحيح الجامع).
3- كل محرّم موصول بشكل من أشكال الضرر
فالمصلحة الحقيقية حيث شرْع الله، وكما قال ابن القيم: “شريعة الإسلام رحمة كلها؛ وعدل كلها؛ ومصلحة كلها… وليس هناك محرّم أو مكروه أو مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وفيه نوع من الضرر والأذى، وهو شامل للماديات والمعنويات، فالكذب والخيانة والغيبة والسرقة والفحش في القول وأكل الربا وشهادة الزور، كل هذا موصول بنوع من الضرر الذي يعود علينا، ليس فقط في أخرتنا ولكن في دنيانا أيضا. لذلك كلما ارتقت الأسرة المسلمة، وجدت نفسها أشد تنزها وابتعادا عن المنهيات والمخالفات.
4- مصلحة أسرتنا هي عين مصلحة أمتنا
إن معقد الابتلاء في حياتنا الاجتماعية يتمثل في الاختلاف في أهوائنا وأمزجتنا ورؤانا ومصالحنا، وسننجح في الاختبار إذا تجاوزنا المظهر إلى الجوهر، والشكل إلى المضمون، وذلك أن علاقتنا بأمتنا هي علاقة الجزء بالكل، علاقة العضو بالجسد، «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»؛ (رواه البخاري ومسلم)، فهي علاقة اللبنة بالجدار، وما مجتمعنا إلا مجموع أسرنا، فإذا صلحت صلح وإن فسدت فسد. فالأموال العامة مثلا؛ مصلحة الجميع وصونها يقع على كل واحد منا، فنحن حُماتها ولسنا من يضيعها أو يفرط فيها. بذلك نكون خدمنا أنفسنا بتخليصها من رذيلة الشح والأنانية والدوران في فلك المصالح الشخصية، ونحن أيضا نفعنا امتنا إذ جسَّدنا المبادئ والقيم التي تؤمن بها الأمة.
5- لدى أطفالنا أمور كثيرة لا ينضجها إلا الزمن
فالإنسان لا يدرك الكمال مرة واحدة ولا بد من التدرج في البناء والصبر على خلل الصغار والله تعالى يقول: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [الأحقاف:15]؛ وفي ذلك دليل على استمرار تطوره وارتقاءه وتعلمه وحتى الأشد ليس النهاية الكلية، فما يقع من الطفل من خلل لا يحتاج إلى بتر أو يأس وإنما يحتاج إلى تطوير وتوجيه وقدوة مستمرة تؤتي ثمارها مع الزمن. وهذا يعني:
- التسامح مع أخطاء الأبناء فهم قد يعرفون أن هذا الفعل خاطئ، لكن درجة ضبطهم لأنفسهم وعواطفهم تكون دون الدرجة المطلوبة.
- التواصل معهم بشكل دائم حتى ننقل لهم خبراتنا.
- الإجابة على أسئلتهم وتساؤلاتهم بصبر وسعة صدر. ويلزم الكبار لتحقيق ذلك تذكّر أيام الصبا.
6- نحسن وعينا بأنفسنا عن طريق المقارنة بنظرائنا
من المهم للأسرة المسلمة أن تحسِّن من درجة وعيها بأوضاعها وأحوالها، وأن تعرف موقعها في المجتمع، ومدى ما تحقق من نجاح أو إخفاق، وإنّ جزءا من ذلك يقاس عن طريق الالتزام بأحكام الشريعة. فمقياس معرفتنا بالتزامنا ووعينا هو التزامنا بأحكام الشّرْع وحملنا لأنفسنا على هذا الالتزام قد يحتاج شيئاً من المقارنة مع الأشباه والنظراء الذين يسبقوننا بشأن ديننا لا بشأن دنيانا، فانظر إلى من هو فوقك بشأن الدين، وإلى من هو دونك بشأن الدنيا، سيدفعك ذلك إلى مزيد من البذل لدِينك وأمتك، وإلى مزيد من القناعة بعطاء ربك ورزقك.
7- نعرف أن زماننا صعب ولذلك نعد له أطفالنا على نحو أفضل
للعيش في كل الأزمنة متطلبات، وفي كل العصور يلاقي الناس أزمات وصعوبات، وزماننا يختلف عن الأزمنة السابقة بكثرة المرفهات ووفرة الإمكانيات، ولأان الشيء يكتسب دلالته من محيطه فإنه لا يمكننا أن ننعزل عن زماننا الذي نعيش فيه، ونعيش بأُسرنا على وقف زمان آخر، فالله عز وجل يقول: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77]، فهذه الآية جاءت لضبط التوازن في التعامل مع زينة الدنيا، وعدم الانغماس فيها كلياً، ولعل ذلك يقتضي على الأسرة المسلمة استجماع بعض الأمور منها: زراعة روح الدأب والمثابرة والإنجاز لدى الأجيال. تقوية حاسة الانضباط الذاتي ومقاومة الرغبات وتأجيلها للوقت المناسب. التربية على الاستقامة وحسن الخلق وتقدير الآخرين. تقوية الروح الجماعية ليتمكنوا من العمل ضمن فريق بكفاءة. الحرص على تعليم الأبناء في أفضل مواقع التعليم وأرقى الجامعات والمدارس فالزهد والاقتصاد يكون في غير هذا.
8- معظم التحديات التي تواجه أسرنا داخلية
هذه من سنة الله في الخلق، فالناس أفراداً وأسراً ومجتمعات يواجهون مشكلات وتحديات متنوعة، منها ما يعود إلى طبيعة الحياة وتكاليفها، ومنها ما يعود إلى بغي الآخرين وإساءاتهم، ومنها ما يعود إلى التقصير الذاتي والأخطاء الشخصية. فإذا تأملنا قول الله عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165]؛ وقوله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]؛ وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]؛ نجد أن المشكلة داخلية. والأسرة المسلمة في حاجة إلى هذا الوعي حتى يستقيم أمرها وتتمكن من حل مشكلاتها لأن تعليق الخلل والتخلف على الآخرين يحُول دون التخلص منها؛ وردِّها إلى الذات وداخل الأسرة يجعل لدينا همٌ وهِمّةٌ لمعالجة أسبابها.
9- نؤمن أن المستقبل الجيد لا يولد من واقع رديء
يعلمنا ديننا أن الأمر كله بيد الله، وأن المستقبل غيب ولكنه يطالبنا بالأخذ بالأسباب ودراسة أي خطوة نقدم عليها. بمعنى أن الذي يريد أن يضع مستقبلا جيداً يبدأ من الواقع أو من ساعة التفكير في المستقبل لا ساعة الوصول إلى ذلك المستقبل، فمن أراد أن يُحَفِظَ أبناءه كتاب الله عز وجل يضع برنامج حفظ لسنوات ومن أراد أن يطور أبناءه ويرتقي بتعليمهم يعد لذلك عدة من بداية حياته، بمعنى أن الحياة خطة وعمل وجهد وتدرج وليس أماني قال تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى*وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم:40،39]. فالأسرة الراشدة تتصرف في أمورها على أساس الأخذ بالأسباب، وإحكام المقدمات في ظل استقامة سلوكية عالية، وتطلب من الله؛ مع هذا؛ العون والسداد.
10- محاولة معرفة الفرق بين ما هو كائن وبين ما ينبغي أن يكون:
إن الأسرة مهما كانت مميزة وعظيمة إلا أنه يبقى أمامها الكثير مما يمكن أن تعمله لتكون أفضل وأفضل فالكمال يُتطلع إليه ولكن يظل خارج التناول، فعلى الأسرة المسلمة أن تتأمل أوضاعها الحاضرة في مجالات دينها ودنياها لتتوصل من خلال النظر في الحاضر ودراسته ونقده إلى الارتقاء بالمستقبل وتطويره وتحسينه باستمرار عما هو في الواقع.
11- التفسيرات الخاطئة هي أكبر مصادر التضليل
وذلك أن التفسيرات الخاطئة تقلب الحقائق وتغير مجرى الأمور، وذلك بسبب تقاعسهم عن تحري الحق، والنفاذ إلى حقائق الأمور. فإذا وقفت هذه التفسيرات داخل الأسرة ومن أعضائها تجاه بعضهم بعضاً فإن ذلك يؤثر على مسيرة الأسرة ويعكر صفوها ويحطم استقرارها، ويوقع الفرقة والنفور داخلها، فعلى الأسرة الواعية أن تفهم الأمور فهماً صحيحاً سليماً وتتعامل معها ببساطة وصفاء، ومن أجل ذلك ينبغي: عدم التسرع في تفسير الأحداث التي تجري والكلمات التي تُسمع والتصرفات التي تُرى. الاستماع إلى أكثر من تفسير ومقارنتها لاختيار الأفضل. سؤال أهل الخبرة والاختصاص. ضرورة التراجع عن التفسير الخاطئ بل والاعتذار. هذه بعض المفاهيم التي لابد للأسرة المسلمة التي يُراد لها تكون لبنة قوية في بناء مجتمع قوي متماسك، أن تحافظ عليها بل وتربي أعضاءها على التمسك بها والتطوير باتجاهها.
قيمنا
الشريعة الغراء نصت على الكثير من القيم التي لا يمكن حصرها كلها هنا، لذلك سنركز على القيم التسع الآتية:
1- نية الخير والحرص على نقاء السريرة
نية الخير تعني حبه، وتعني التطلع إليه، والطموح إلى تحقيقه، والتطلع إلى الخير يدل على خيرية المتطلع وكرمه ونبله، وإن ذلك يشكل شيئا أساسيا في حياة الأسرة المسلمة. فالمسلم يعمل الخير، ويمضي في طريقه، فإذا لم تساعده الظروف، فإنه ينويه، ويسأل الله أن يهيئ له السبيل إليه، فيكون له أجره ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ كتب الحسناتِ والسَّيِّئاتِ ثمَّ بيَّن ذلك ، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعمَلْها كتبها اللهُ له عنده حسنةً كاملةً ، فإن هو همَّ بها وعمِلها كتبها اللهُ له عنده عشرَ حسناتٍ إلى سبعِمائةِ ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ ، ومن همَّ بسيِّئةٍ فلم يعمَلْها كتبها اللهُ له عنده حسنةً كاملةً ، فإن هو همَّ بها فعمِلها كتبها اللهُ له سيِّئةً واحدةً» (رواه البخاري ومسلم).
إلى جانب ذلك لا بد من تطهر القلب من الرياء والحسد وسوء الظن، فيجب أن نجعل العفو والصفح والمسامحة منهجا في التعامل مع كل مسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تناجشوا..» (صحيح مسلم).
2- التطوع هو مصدر الرفاهية الروحية
إن الناس اليوم يعانون من جدب روحي بسبب الحياة المادية الصاخبة؛ ويحاولون تندية أرواحهم وإنعاش أحاسيسهم عم طريق ترفيه أجسادهم بالفاخر من الملبس و المأكل والمسكن والمركب… لكنهم لا يشعرون بالتحسن؛ لأن القحط الروحي سببه الغفلة والمعصية والأنانية؛ ولا يمكن القضاء عليه إلا من خلال مزيد من التطوع والتعبد والتنفل، وهذا ما على أسرنا أن تجعله ضمن اهتماماتها. فهناك أحاديث كثيرة تشير إلى أشكال التطوع الذي يجب أن نغرسه في أبنائنا، مثل:
3- المروءة وسمو الذات
سمو الأسرة وارتقاؤها هو المقدمة لسمو المجتمع والأمة، فالخصال الحميدة والأخلاق الرفيعة تنمو وتتشكل برعاية الأسرة، والمنهج الرباني يوفر لنا كل الآداب التي تساعد الأسر على تربية أبنائها تربية سامية ونبيلة. والأخلاق والأفعال التي ترفع الإنسان ليكون من أصحاب المروءة والسمو الشخصي كثيرة جدا، نذكر بعضها:
- ترك المرء التدخل في الأمور التي لا تعنيه، قال صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (سنن الترمذي).
- المزاح، وعدم الإسراف في مباسطة الناس.
- نظافة البدن وطيب الرائحة والعناية بالمظهر.
- التأدب بآداب الطعام مثل عدم الإسراف في الأكل، والأكل مما يليه.
4- نتحرى الصدق في كلامنا
الصدق من أعظم القيم، وهو أساس متين لشيء في غاية الأهمية وهو الثقة. قال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» (صحيح مسلم). فيجب على الأسرة أن يصدق الكبار أولا فيما يتحدثون، حتى يعرف الصغار فضيلة الصدق وخطورة الكذب.
5- نحرص على الكسب المشروع
في زماننا هذا تعقدت المصالح وكثرت أشكال المعاملات كما كثرت طرق الكسب والدخل وبما أن أكثر الذين يديرون الاقتصاد العالمي ويضعون قوانين العمل والمعاملات المالية لا يدينون بدين الإسلام أو يهتمون بأحكام الشريعة في مسألة الكسب وتحصيل المنافع فإن كثيرًا من طرق الحصول على المال صار ملوثًا أو مشبوهًا، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]، إن المراد بالطيب هنا هو الحلال الذي يحصل عليه صاحبه من طريق مشروع. وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» (صحيح مسلم). إن هذا الحديث يدل على أن الله تعالى لا يقبل دعاء من غذي بالحرام وهناك من يقول: إن الله تعالى لا يقبل عمله أيضًا، وقد روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: “لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام. وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ما تصدق عبد بصدقة من مال طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيده» (صحيح مسلم).
6- لا نساوم على مبادئنا ولا على كرامتنا
عصرنا هذا هو عصر المساومة فالعولمة فتحت وعي الناس على مصالحهم الشخصيّة على نحوٍ لم يسبق له مثيل ..! وفي سبيل الحصول على أكبر قدر ممكن من المنافع الماديّة صار كل شيء قابلاً للتفاوض والمساومة و قابلاً لدى كثير من الناس للبيع، والتمسك بالمبدأ شرط أساس للاستقامة والمضي في طريقها، وقد أوصى الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – بذلك حين قال: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف:43]. إن جوهر التدين يكمن في الحقيقة في قدرتنا على التضحية بالعاجل حتى نحصل على الآجل، وحين يكون الإنسان مستعدًّا للتنازل عن بعض ما يؤمن به من أجل مصالحه ؛ فإنه يكون قد خسر الكثير من ذلك الجوهر. إذا استطعنا أن نربي أنفسنا وأطفالنا على مبدأ يقول: “الله هو الرزاق” “الأعمار والأرزاق بيد الله” “لا معطي لما منعه الله، ولا مانع لما أعطى”. ومبدأ: “من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه” وبذلك لن نقبل أخذ الرشوة، ولن نقبل الإهانة، ولن ندخل في أخلاق تآمرية ضد بعضنا البعض، ولن نذل أنفسنا لأحد…. لماذا؟ لأن مبادئنا تحول بيننا وبين الاندفاع إلى ذلك، فإذا رأينا أننا لا نبدي أي مناعة تجاه هذه الأمور أو بعضها، فإن هذا يعني أننا لم ننجح في تربية أنفسنا على النحو المطلوب. إن الذي يتمسك بمبادئه وقيمه، ويحرص على صون كرامته، قد يخسر بعض الأشياء على المدى القريب، لكنه يكسب نفسه على المدى البعيد، والمحن والشدائد تشكل دائمًا تحديًّا وامتحانًا لأصحاب المبادئ، وحتى تكون مبادئهم راسخة وموضع إعزاز ؛ فإنهم يستطيعون التضحية من أجلها وإلا ؛ فإنها تتهاوى ويتهاوون معها..!! إن التمسك بالمبدأ والمحافظة على القيم يعني الآتي: الاعتقاد بأننا في هذه الدنيا لن نحصل على كل شيء، ولا بد من التنازل عن بعض الأشياء من أجل صون المبدأ والكرامة.
لكل شيء ثمن، فإذا أردنا التمتع بكل مباهج الدنيا، فهذا يعني أننا سنتنازل عن بعض مبادئنا وقناعاتنا، وهذا ما نرفضه. تشجيع أفراد الأسرة بعضهم البعض على الصبر والمقاومة للرغبات والشهوات. التذاكر المستمر في الأمور التي لا يجوز لأحد من أفراد الأسرة التنازل عنها. كل الخطايا التي ترتكب يكون سببها حب الدنيا، والأسرة المسلمة تحاول استحضار هذا المعنى، وتؤكد على أن العيش هو عيش الآخرة.
7- لا نصبر على الظلم
هذه قيمة مهمّة على طريق تحقيق العدل .. والذي هو قيمة من أعظم القيم التي تقوم عليها الحياة الأسريّة و الاجتماعية في العالم أجمع {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. فلا شيء يفسد العلاقة بين أفراد العائلة الواحدة مثل الظّلم و الجور و محبّة بعض الأبناء على حساب بعضهم الآخر.. ومن ثم فإنّ الوقوف في وجه الظّالم و الوقوف إلى جانب المظلوم من الأمور العظيمة للمسلم في هذه الحياة لأن الظلم إذا فشي أفسد كلّ شيء.. و ما تفشّى الظلم في المجتمع إلا لأنه لم يجد من يقاومه داخل الأسرة، كما أنّ كثيراً من النّاس يظلمون غيرهم عندما يكبرون حتّى ينتقموا لأنفسهم من المجتمع الذي لم يساندهم حين تعرضوا للظلم.. كلّنا مطالبون بالوقوف في وجه الظّالم كائناً من كان بالأسلوب المناسب و بالحكمة و الحِنكة المطلوبة و الله لا يُضيع أجر المصلحين..
8- نحترم النظام
يميل البعض إلى الفوضى ويكرهون التقيد بالنظم ؛ لأنهم يظنون أن الفوضى هي الحرية أو تشبه الحرية ونحن نرى أن بين الفوضى والعشوائية والتخلف علاقة وثيقة جداً وإن كثيراً من تحضُّر الأمم يتجلى في تنظيم شئون حياتها الخاصة والعامة. الأطفال الصغار لا يعرفون هذا المعنى لأن إحساسهم بالوقت والربح والخسارة والمرونة وسيولة الحركة ضعيف أو منعدم على عكس الكبار، فهم يدركون أن الحياة من غير نظام ستكون صعبة وعقيمة ومليئة بالمشكلات. ومما يحتاج إلى تنظيم داخل الأسرة:
- أوقات تناول وجبات الطعام.
- أوقات النوم والاستيقاظ.
- توزيع أعمال المنزل على الأولاد.
- أوقات الدراسة وكتابة الواجبات.
- مشاهدة التلفاز والبرامج المختلفة.
- الاجتماعات الأسبوعية أو الشهرية للأسرة.
- الرحلات أو الخروج إلى المنتزهات.
- زيارة الأرحام والأقرباء.
9- نرتقي بلغتنا
إن الإنسان لا يُعرف إلا إذا تكلم، ولهذا فان النمط الذي يتبعه أفراد الأسرة في كلامهم يعبر عن تدينهم وتهذيبهم ووعيهم ودرجة تمدّنهم والمفردات التي تساعد على ارتقاء لغة الأسرة وخطابها كثيرة جدا، منها:
- تجنب الغيبة والنميمة والهمز واللمز والتنابز بالألقاب.
- الإقلال من الحلف قدر الإمكان.
- البعد عن المزاح الذي يحوي معانٍ مخلة بالأدب.
- هجر الكلام الفاحش والبذيء.
- عدم تشبيه أي ولد أو إنسان بالحيوان.
- البعد عن اللعن والسب والشتم.
- الإكثار من الدعاء أثناء الخطاب.
- مخاطبة الناس بأحب الأسماء إليهم.
- البعد عن السرعة في الكلام ورفع الصوت.
- التثبت والتبيّن من صحة ما نسمع قبل نقله.
- البعد عن مديح الذات.
إن الصغار يكتسبون اللغة على فترة طويلة فيجب أن لا يملّ الأهل من توجيههم وإرشادهم وتصحيح أخطائهم.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.