مهارات التعليم في القرن الـ21.. تحديات وتساؤلات
يمثل التعليم إحدى الركائز الأساسية التي نطل منها على المستقبل، لاسيما في ظل التطورات المتسارعة للتكنولوجيا، والتي تلقي بظلالها على مختلف مناحي الحياة، بما فيها التعليم. ولهذا، من المهم طرح التساؤلات وتناول التحديات والإشكاليات حول مهارات التعليم في القرن الـ21، وهو ما تناولته “مجلة العربية”، في ملف عددها الصادر في فبراير 2024م.
في البداية أشارت مقدمة الملف إلى أن العديد من النظريات قد طُرحت حول تطوير التعليم؛ ومن هذه النظريات ما يعرف بـ”مهارات القرن الحادي والعشرين”، التي أصبحت توجهًا للعديد من المؤسسات التعليمية، في محاولة تطبيقها تماشيًا مع التطور الذي بات واضحًا الآن مع تماس التقنية ووسائلها المتعددة مع حياتنا بشكل عام.
أهمية المهارات
وفي موضوع (المهارات الجامعية.. قنطرة التعليم في القرن 21)، أشار محمد بن أحمد الحسين إلى أن “المهارات” لها أهمية في حياتنا، وأنها سواء كانت في التعليم العام أو الجامعي أو في حياتنا اليومية، هي مفتاح للنجاح.. مبينًا أن المهارات في العملية التعليمية لها أهميات خمس تتمثل في:
1) تسهيل الاندماج في المجتمع الجامعي.
2) تأهيله لدراسة المقررات الجامعية.
3) تعريفه بأهم الأنظمة والحقوق والواجبات.
4) مساعدته على التفوق.
5) تمرينه وتمهيره لدخول سوق العمل عبر مجموعة مركزة من المهارات الصلبة والناعمة.
وأشار الكاتب إلى أن هذه الأهمية ترتبط بنظرتنا إلى المستقبل؛ فالعلاقة بين المهارات والمستقبل علاقة طردية تكاملية، لأن جودة الحياة في المستقبل تقوم على مجموعة من الركائز، منها المهارات؛ لذلك خرج الاتجاه الداعي بتخفيف الحمل على الشهادات الأكاديمية، مقابل دعم التمهير، والتوظيف بالمهارة لا بالشهادة، ولا شك أن هذا الاتجاه يكبر مع الوقت، فلو كنت من أرباب العمل وتقدم لي من يحمل الشهادة ومن يحمل الخبرة، لفاز الماهر صاحب الخبرة.
مدارس المستقبل
وفي مقال (المدرسة المبدعة)، أوضحت زينب الخضيري أهمية التركيز، بجانب التعليم، على المهارات التي يتطلبها القرن الواحد والعشرون؛ لأن متطلبات سوق العمل تتنوع يومًا بعد يوم، نتيجة التغيرات التكنولوجية والتطورات الاقتصادية والاجتماعية، حيث أصبح سوق العمل مليئًا بالشركات المختلفة والشركات متعددة الجنسيات وبحاجة لمهارات مختلفة.
وأضافت: التعليم هو المحرك الأساس للحاق بركب الحضارة والتنمية والتطور على جميع الأصعدة، وفي ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات تأثرت السياسات التعليمية بشكل سلبي وإيجابي على حد سواء، وزادت التحديات التي تحيط بها، هذه التحديات لا يمكن تجنبها، بل ينبغي مواجهتها لنصل لحلول سليمة بالتركيز على الاستثمار البشري الذي يمثل الثروات الحقيقية لأي بلد.
وأكدت الكاتبة أن الأمم تتطور بالتقدم التعليمي، ومن الضروري أن تتكاتف الجهود لعمل مشروع وطني يقتضي معالجة موضوع عدم التوافق بين المؤهلات التي تم اكتسابها من خلال نظام التعليم العالي، ومتطلبات سوق العمل، لذلك كان لابد أن يتم تغيير منهجية التعليم والتعلم، حيث التركيز على منهجيات التدريس ومهارات التعلم والابتكار، والتركيز على المهارات التي تلبي متطلبات القرن الواحد والعشرين.
وأشارت إلى عدة نماذج لمدارس المستقبل؛ منها:
- المدرسة المبدعة: وهي تسعى إلى تنمية المهارات الإبداعية؛ إذ تقوم بتوفير البيئة المناسبة التي تشجع على الإبداع الفردي وتنمية المهارات الفردية.
- المدرسة المتعلمة: وهي تتمحور حول مبدأ التربية المستدامة، بمعنى التعليم المستمر مدى الحياة، إذ تكون العملية التعليمية مستمرة وتشمل الطلاب وأولياء الأمور والكادر التعليمي والإداري، حيث الجميع يخضع إلى التعليم والتدريب والتنمية المهنية.
- المدرسة التعاونية: وهي نموذج يقوم على مبدأ التعليم التعاوني، ويتركز على مبدأ التعاون بين المعلم والمتعلم، والتعاون بين الجميع، للعمل على تطوير أساليب التدريس بروح تعاونية.
مهارات تعليمية للقرن الـ21
من جانبه، بيّن اخليف يوسف الطراونة في مقاله (مدرسة المستقبل ومهارات التعليم)، أننا في زمن صارت فيه المعلومة متوفرة بسهولة وسرعة وفي متناول اليد، ولهذا أصبح من الواجب على المدرسة تأهيل الجيل الجديد وإعداده للوصول إلى تلك المعلومة، ومحاكمتها، وتمحيصها والتأكد من صدقيتها قبل نقلها، وكذلك أصبح من الواجب إبراز ثقافة إعلامية لدى الناشئة وحسن استخدام وتوظيف تقنيات شبكات الاتصال والمعلومات، فضلاً عن تزويدهم بمجموعة من مهارات الحياة والتربية المدنية بالإضافة إلى مهارات التكيف والتفاعل الاجتماعي والتفاعل مع مجتمعات متعددة الثقافات.
وأشار إلى أن التعليم في الوطن العربي يحتاج إلى مجموعة من المهارات لمواكبة متطلبات القرن الحادي والعشرين، ومنها:
1- فهم التكنولوجيا واستخدامها في التعليم وتطوير مهارات البرمجة والتفكير الرقمي.
2- تحليل المعلومات بشكل نقدي وتطوير مهارات اتخاذ القرارات بشكل منطقي.
3- تعزيز مهارات العمل الجماعي والتعاون وفهم كيفية العمل الجماعي ضمن فرق متنوعة.
4- تشجيع التفكير الإبداعي والابتكار وتنمية المهارات الريادية.
5- تطوير مهارات اللغة والاتصال بشكل فعّال وفهم الثقافات المتنوعة والتفاعل معها.
6- تحفيز روح التعلم المستمر وتطوير مهارات تعلم جديدة والتكيف مع تغيرات البيئة والتكنولوجيا.
7- نشر الوعي الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية وتنمية قيم الأخلاق والسلوك الحضاري.
وذكر الطراونة أن شكل مدرسة المستقبل يشمل عدة جوانب من التطوير التكنولوجي والمناهج التعليمية، بالإضافة إلى بيئة فعالة وجاذبة للطلبة. وهذه بعض العناصر المقترحة لمدرسة المستقبل:
– إدماج التكنولوجيا بشكل كامل في عملية التعلم، بما في ذلك استخدام الحوسبة السحابية، والواقع الافتراضي، والتعلم الآلي.
– إتاحة نماذج تعلم مرنة ومتعددة، مثل التعلم عن بعد، والتعلم المستند إلى المشروع، لتلبية الاحتياجات المتنوعة للطلبة.
– التشجيع على التعلم التفاعلي والمشاركة الفعّالة بين الطلبة والمعلمين.
– تحديث المناهج بشكل دوري لتكون متناسبة مع متطلبات القرن الحادي والعشرين، مع التركيز على تطوير مهارات الحياة.
– تكامل نماذج تعلم مبنية على المشاريع لتعزيز التفكير الإبداعي وحل المشكلات.
– تعزيز مهارات التعلم الذاتي وتحفيز الطلبة لتولي مسؤولية توجيه تعلمهم.
– استخدام وتطوير منصات تواصل فعّالة لتعزيز التواصل بين المعلمين والطلبة وتشجيعهم على التعاون.
عنصران أساسيان:
فيما أوضح ماهر سليم في مقاله (التعليم في القرن الحادي والعشرين) أننا في عصر ثورة التكنولوجيا الرقمية والاتصالات، ننتظر تحولاً جذريًّا في مستقبل التعليم وخصوصًا المدارس من حيث الدور المنوط لها وشكلها وبيئتها، حيث تصبح المنظومة التعليمية بوجود التكنولوجيا الناشئة، كالذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي وإنترنت الأشياء عنصراً أساسياً في التطور والتغيير.
ثم تطرق إلى عنصرين أساسيين ينتظران التطوير؛ هما: مدرسة المستقبل، والمنهاج الدراسية.
أولاً: مدرسة المستقبل: وهنا أوضح الكاتب أن التطور المتسارع في التكنولوجيا الرقمية ووسائل الاتصال وتقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزز، سيفرض شكلاً جديداً لمدرسة المستقبل من حيث دورها والبنية التحتية والإدارة التربوية، كما أنها ستكون مختلفة عن المدارس التقليدية من حيث التصميم والمساحات والمرافق، وعليه لن يكون هناك حاجة للفصول الواسعة والقاعات التقليدية، واستبدالها بالانفتاح على المجتمع المحلي وإبرام الاتفاقيات معه، وسيكون الاهتمام بالمتعلم كأساس للعملية التعليمية التعلمية، وجعل الفصل الدراسي قاعدة للتعلم والإبداع والتعاون.
ثانيًا: المناهج الدراسية: وهي تُعد ركنًا أساسيًّا في استراتيجية التغيير والتطوير لمواجهة تحديات السنوات القادمة؛ لذا فإن إعدادها يحتاج إلى معرفة بالتطور الهائل في المعرفة والتكنولوجيا الذي يشهده العالم، والحاجة الملحة لمعرفة ماهية المخرجات والمواصفات المطلوبة لتتواءم مع احتياجات سوق العمل والمجتمع للسنوات القادمة. وفي هذا السياق تظهر الحاجة إلى استحداث مناهج دراسية عصرية تتناسب والتطور التكنولوجي والثورة المعرفية.
ثلاث مجموعات للمهارات
وفي مقالها (المتعلم الذي نريد) أشارت هديل الشوملي إلى أننا بصدد مرحلة جديدة؛ فبعد عقود طويلة هيمنت فيها المهاراتُ المتعلقة بالتوظيف والحصول على فرصة عمل، على سياسات التعليم وتوجهاته وبرامجه وخططه في مؤسساتنا التعليمية، وعُدّت العلامة الكاملة فيه مقياسًا للنجاح والتميّز.. تأتي التغيّرات الهائلة والتطور المتسارع في هذا العصر لتفرز لنا نوعًا جديدًا من المهارات للتعليم، ولتثبت لنا أن النجاح مؤخراً أصبح يقاس بما يمتلكه المتعلم من هذه المهارات.
وعرفت الكاتبة “مهارات القرن الحادي والعشرين” بأنها مجموعة المهارات التي يحتاجها العاملون في بيئات العمل المختلفة، ليكونوا أعضاء فاعلين ومنتجين ومبدعين ومتقنين للمحتوى المعرفي اللازم للنجاح، تماشيًا مع المتطلبات التنموية والاقتصادية للقرن الحادي والعشرين. أو هي: المهارات التي تمكن المتعلم من التفاعل والتعامل مع تطورات الحياة في القرن الحادي والعشرين؛ كمهارات التفكير والقيادة وحل المشكلات وتحمل المسؤولية والإبداع والتكيف مع المتغيرات.
وأشارت إلى أنه يمكن تحديد طبيعة هذه المهارات في ثلاث مجموعات، وهي:
1- مهارات الثقافة الرقمية: الثقافة الإعلامية، والثقافة المعلوماتية، وثقافة تقنية المعلومات والاتصالات.
2- مهارات التعلم والإبداع: التفكير الناقد، والاتصال، والتشارك، وحل المشكلات، والابتكار والإبداع.
3- مهارات الحياة والعمل: المرونة، والتكيف، والمبادرة، والتوجيه الذاتي، والتفاعل متعدد الثقافات، والتفاعل الاجتماعي، والمساءلة، والإنتاجية، والمسؤولية والقيادة.
الجامعات الذكية
أما صلاح عطية فأكد في مقاله (استراتيجيات تطوير التعليم)، أن بزوغ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الذي غيّر- وسيظل يغيّر- أوجهًا كثيرة في حياتنا العملية، وسيؤدي إلى اختفاء وظائف من سوق العمل، جعل من المحتم على الجامعات ليس فقط تغيير المناهج بل تطوير وابتكار طرق التدريس والتعلم (Teaching & Learning) التي تعزز القدرات الابتكارية لدى الطالب، لكي يصبح مُعَدًّا لمواجهة المواقف العملية التي لم يتطرق لها أثناء دراسته.
وأضاف: في هذا الإطار فإن مهارات التفكير النقدي (critical thinking) تعد واحدة من أهم المهارات التي لابد من زرعها وبنائها في شخصية الطالب، وهذا ما يعرف بجامعات (الجيل الرابع) أو الجامعات الذكية، والتي يمكن القول إن هدفها الرئيس ليس فقط إعداد طالب مواكب لسوق العمل ولكنه قادر بامتياز على قيادته.
وبيَّن أن من العناصر الأساسية التي يتوجب علينا إضافتها للمناهج المدرسية هو العنصر الابتكاري والإبداعي للطلاب وكيفية تنميته، حيث إن عملية تحليل المناهج واستخراج الأفكار المبتكرة القابلة للتنفيذ منها هو أصل مهم من أصول فكرة الاختراع والابتكار (innovation and creativity).
لافتًا إلى أن هذا يتحقق بربط المنهج المدرسي بتطبيقات موجودة في حياتنا العملية، مما يعزز من قدرات التحفيز الفكري لدى الطلاب. ولتكون أكثر تحديدًا فإن تحويل الطالب للمعارف الأساسية التي اكتسبها أثناء الدراسة عبر المشاريع والنماذج الأولية (prototype) هو أوضح الأمثلة على ربط المناهج المدرسية بالتطبيقات العملية، وخلال هذه الرحلة التي يقضيها الطالب من (المعلومة الأساسية) إلى (التطبيق العملي) فإنه يكتسب مهارات أوسع وأشمل مثل تخطيط وإدارة وتنفيذ وتقييم المشروعات في زمن قياسي وتكلفة محددة.
مبادئ حاكمة
وفي إضاءات مهمة حول (تطوير سياسات التعليم والإصلاح الإداري)، أوضح محمد أنور فراج أن تطوير التعليم ضرورة حتمية تفرضها المستجدات التي تحدث في كافة المجتمعات؛ وذلك من خلال عدة أمور، منها: اعتماد استراتيجيات التعليم المتمركز حول المتعلم؛ كالتعلم النشط والتعلم القائم على المشروعات.. إلخ، بما يجعل دور المتعلم هو البحث عن المعلومة وبالتالي أصبح التعلم إيجابيًّا، وأصبح هناك مؤشرات لقياس أثر التعلم وأثر التدريب في حل مشكلات المجتمع.
وذكر الكاتب أن ثمة مبادئ حاكمة لنجاح جهود تطوير سياسات التعليم، لعل من أهمها:
– اعتماد معايير الجودة والتميز في تقديم الخدمات التعليمية.
– التوسع في الرقمنة سواء في الجوانب التعليمية أو الإدارية.
– الشمول مع التدرج والمصارحة والشفافية في جميع مراحل وخطوات التطوير والإصلاح.
– الحفاظ على الاستدامة والاستمرارية في عمليات التطوير.
– اعتماد الجدارة والكفاءة في التوظيف والترقي للهيئة التدريسية والإدارية.
– قياس الرضا الوظيفي وإجراء تقييمات دورية للخدمات التعليمية المقدمة لإعطاء التغذية الراجعة والتعرف على فجوات الأداء والعمل على تحسينه والارتقاء به.
بجانب ذلك، ذكر أن نجاح تطوير السياسة التعليمية يتوقف بشكل كبير على مدى المواءمة بين إمكانات المجتمع التي يمكن أن يستغلها ويوظفها لصالح العملية التربوية والتعليمية، وبين الأهداف والطموحات التي تسعى إلى تحقيقها التربية والتعليم؛ فلا جدوى من رسم سياسات تعليمية مثالية (غير قابلة للتطبيق) لا تسهم في تغيير الواقع التربوي.
وختم بالقول: إن السياسة التعليمية تتضمن ثلاثة أبعاد مهمة:
الأول: يتمثل في كونها موجهات للفكر التربوي، ومبادئ عامة توجه العمل الأكاديمي التربوي، وكذلك كونها تتضمن خيارات أي الاختيار بين البدائل.
الثاني: يتمثل في الإدارة، أي: كيفية ترجمة هذا الفكر في الواقع، وما يرتبط به من مسؤولية، وتعهد بالتنفيذ.
وأخيرًا: المحاسبة على النتائج في ضوء الأهداف التربوية التي نسعى إلى تحقيقها.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.