استجابة الله تعالى لأدعية النبي صلى الله عليه وسلم

أما استجابة الله لدعوات النبي ﷺ، فلو ذهبنا نتتبعها لأخذ ذلك عددا كبيرا من الصفحات، ولكن نكتفي هنا بذكر بعضها للتدليل على أنه فاق جميع الأنبياء عليهم السلام في هذا المقام، وقد قال العلماء: ومن باهر ما يدل على النبوة إجابة الله دعاء النبي حين يدعوه، فإذا ما رفع نبي الله يديه داعيا ربه ومولاه، قبل الله دعاءه وأجابه، وتكرار ذلك وديمومته دليل على صدقه؛ لأن الله لا يؤيد كاذبا ولا دعيا يدعي عليه الكذب.
استجابة الله تعالى لدعائه ﷺ لنزول الغيث
أصابت الناس سنة جدباء، وقف النبي ﷺ فيها على المنبر يخطب الجمعة، فقام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا؛ يقول أنس بن مالك: فرفع يديه، وما نرى في السماء قزعة [أي قطعة من السحاب]، فوالذي نفسي بيده، ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته ﷺ، فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى.
وفي الجمعة الأخرى قام ذلك الأعرابي، أو قال: غيره، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا)، يقول أنس: فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي – قناة – شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود”[1].
لقد نزل المطر بدعائه ﷺ، واستمر أسبوعا، ثم توقف بدعائه ﷺ بعد أسبوع من هطوله، كما انفرجت السحابة عن المدينة لقوله: ((اللهم حوالينا ولا علينا))، أليس ذلك كله من أمارات نبوته وعلامات صدقه؟
قال النووي: “ومراده بهذا: الإخبار عن معجزة رسول الله ﷺ، وعظيم كرامته على ربه سبحانه وتعالى، بإنزال المطر سبعة أيام متوالية، متصلا بسؤاله من غير تقديم سحاب ولا قزع، ولا سبب آخر، لا ظاهر ولا باطن”[2].
وقال ابن حجر: “وفيه علم من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقبه أو معه، ابتداء في الاستسقاء، وانتهاء في الاستصحاء، وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشارة”[3].
وصدق من قال:
دعا الله خالقه دعـــــــــــــــــوة
أجيبت وأشخص منه البصرولم يك إلا كقلب الــــــــرداء
وأسرع حتى رأينا المطـــــــر
استجابة الله تعالى لدعائه لأبي هريرة رضي الله عنه
عندما كانت أم أبي هريرة مشركة، كان يدعوها إلى الإسلام، فتأبى وتصده عنه؛ يقول أبو هريرة: فدعوتها يوما، فأسمعتني في رسول الله ﷺ ما أكره، فأتيت رسول الله ﷺ وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبى علي، فدعوتها اليوم، فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال: (اللهم اهد أم أبي هريرة)، فخرج مستبشرا فرحا بدعوة نبي الله ﷺ، يرجو أن تكون سببا في إسلام أمه؛ يقول: فلما جئت، فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي – [أي صوت مشيي] – فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، فإذا هي تغتسل للإسلام، وتشهد بشهادة التوحيد، قال: فرجعت إلى رسول الله ﷺ، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، فقلت: (يا رسول الله، أبشر، قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة)؛ رواه مسلم.
وعنه رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثا كثيرا أنساه، قال: (ابسط رداءك فبسطته، قال: فغرف بيديه، ثم قال: ضمه، فضممته، فما نسيت شيئا بعده)[4].
اقرأ أيضا
استجابة الله تعالى لدعائه لابن عباس رضي الله عنهما
كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما غلاما جهز وضوء النبي ﷺ، فقال النبي شاكرا صنيعه: (اللهم فقهه في الدين)؛ رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية أخرى وضع رسول الله ﷺ يده على كتف ابن عباس، وقال: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)[5].
استجابة الله تعالى لدعائه للسائب بن يزيد رضي الله عنه
عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: (ذهبت بي خالتي إلى النبي ﷺ، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة)؛ رواه البخاري، قال الجعيد: “رأيت السائب بن يزيد ابن أربع وتسعين، جلدا معتدلا، فقال: قد علمت ما متعت به سمعي وبصري إلا بدعاء رسول الله ﷺ”.
استجابة الله تعالى لدعائه لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
عن سعد رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: ( اللهم استجب لسعد إذا دعاك)؛ صحيح الإسناد.
وقد تحققت دعوته الله ﷺ لسعد رضي الله عنه، قال ابن رجب رحمه الله: “وكان سعد بن أبي وقاص مجاب الدعوة، فكذب عليه رجل، فقال: اللهم إن كان كاذبا فأعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن، فأصاب الرجل ذلك كله، فكان يتعرض للجواري في السكك ويقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، ودعا على رجل سمعه يشتم عليا، فما برح من مكانه حتى جاء بعير ناد، فخبطه بيديه ورجليه حتى قتله”[6].
استجابة الله تعالى لدعائه لأبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: (أدركني رسول الله ﷺ يوم ذي قرد، فنظر إلي فقال: اللهم بارك له في شعره وبشره، وقال: أفلح وجهك، قلت: ووجهك يا رسول الله، قال: أقتلت مسعدة (أحد المشركين)، قلت: نعم، قال: (فما هذا الذي بوجهك، قلت: سهم رميت به يا رسول الله، قال: (فادن)، فدنوت منه، فبصق عليه، فما ضرب علي قط ولا قاح).
وفي رواية أنه ﷺ أعطى أبا قتادة فرس مسعدة وسلاحه، مات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة، وكأنه ابن خمس عشرة سنة ببركة دعوة النبي ﷺ له.
استجابة الله تعالى لدعائه لفاطمة رضي الله عنها
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: إني لجالس عند النبي ﷺ إذ أقبلت فاطمة، فقامت بحذاء النبي ﷺ، مقابلة، فقال: “ادني يا فاطمة”، فدنت دنوة، ثم قال: ” ادني يا فاطمة”، فدنت دنوة، ثم قال: “ادني يا فاطمة”، فدنت حتى قامت بين يديه، قال عمران: فرأيت صفرة قد ظهرت على وجهها، وذهب الدم، فبسط رسول الله ﷺ بين أصابعه، ثم وضع كفه بين تراقيها، فرفع رأسه، فقال: “اللهم مشبع الجوعة، وقاضي الحاجة، ورافع الوضعة، لا تجع فاطمة بنت محمد”، فرأيت صفرة الجوع قد ذهبت عن وجهها، وظهر الدم، ثم سألتها بعد ذلك، فقالت: (ما جعت بعد ذلك يا عمران)؛ إسناده حسن[7].
استجابة الله تعالى لدعائه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
عن ابن عمر أنه قال: قال النبي ﷺ: (اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر، أو أبي جهل)؛ رواه أحمد في مسنده، والترمذي في سننه: حسن صحيح غريب.
وفي رواية: (اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب، قال وكان أحبهما إليه عمر)؛ صححه الألباني في صحيح الترمذي 2907.
استجابة الله تعالى لدعائه لقبيلة دوس
عن الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه – وهو يحدث عن دعوة دوس إلى الإسلام – قال: (فأبطؤوا علي، فجئت رسول الله ﷺ، فقلت: يا رسول الله، إنه قد غلبني على دوس الزنا، فادع الله عليهم، فقال: (اللهم اهد دوسا). ثم قال: (ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله، وارفق بهم)، فرجعت إليهم فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الله، ثم قدمت على رسول الله ورسول الله بخيبر، فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس، ثم لحقنا برسول الله بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين)؛ رواه البخاري (8 /78).




