Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ما يهم المسلم

إبراهيم الخليل .. مدرسة الثبات


قال تعالى : { قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا } (مريم : 46). ليس من السهل على الإنسان أن يكون المقابل للرفق واللين والأدب في التعامل مع أحد من البشر، قسوة وجفوة وغلظة، بل تهديد بالضرب أو السب أو حتى القتل والتصفية.. هكذا كان الوضع مع إبراهيم عليه السلام، وهو يبذل جهده في دعوة أبيه آزر إلى دعوة الحق وترك عبادة الأوثان. وقد كانت دعوته فيها الكثير من الرفق واللين، لكن لم يجد كل ذلك نفعاً في آزر وقومه.

في هجمته المضادة، قال لابنه ابراهيم { أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم } ولم يقل له يا بني مثلاً، كنوع من الرفق مع ابنه الهيّن اللين الحليم، بل سماه باسمه، إشارة إلى أنه غاضب منفعل من دعوته الغريبة عليهم، ثم دعوته له لترك عبادة تلك الآلهة التي هم عليها عاكفون.

قال والد إبراهيم له على سبيل التهديد والوعيد، كما يقول الطنطاوي في التفسير الوسيط، أتارك أنت يا إبراهيم عبادة آلهتي، وكارهٌ لتقرّب الناس إليها، ومنفرهم منها؟ لئن لم تنته عن هذا المسلك (لأرجمنّك) بالحجارة وبالكلام القبيح {واهجرني مَلِيّاً} بأن تغرب عن وجهى زمناً طويلاً لا أحب أن أراك فيه ! وهكذا قابل الأب الكافر أدب ابنه المؤمن، بفظاظة وغلظة ثم تهديد ووعيد، وعناد وجهالة، شأن القلب الذى أفسده الكفر.

هذه الآية كما ذهب بعض المفسرين إنما حكاها الله تعالى لمحمد، ، كما يقول الفخر الرازي، كي يخفف على قلبه ما كان يصل إليه من أذى المشركين، وليعلم أن الجهّال منذ كانوا على هذه السيرة المذمومة.

أراغب أنت عن آلهتي

إن كانت آلهة الأمس مجموعة أوثان أو أشجار أو كواكب أو ما شابه، ولقى بسببها الكثير من المؤمنين البلاء وأشد العذاب، فقط لأنهم لم يرضخوا لما كانت عليه أقوامهم من جهالة وفساد اعتقاد، وكانت قصص الأنبياء أبرز الأمثلة التي تحكي تلك المشاهد الغارقة في الجاهلية، فإن ما يحدث اليوم في عصر العلم والتنوير، أو عصر الاتصالات والتقنيات والمعلومات، لا يختلف البتة عما كانت عليه الأقوام السابقة.

لقد تعددت آلهة اليوم وتغيرت، ولم تعد أوثاناً أو أشجاراً، بل صارت على شكل توجهات فكرية أو أحزاب سياسية أو أصحاب قرار وصلاحيات، وعموم الناس في هذا المشهد الجاهلي الفوضوي، حيارى بين تلكم الآلهة المتعددة، ولمن يجب تقديم الولاءات والطاعات، على رغم وضوح الرؤى والرسالات، بعد خاتم الأنبياء والمرسلين.

كل بطانة آلهة صارت تهدد الأتباع في وقت من الأوقات بصورة من الصور، إن رأت تململاً أو تحركاً نحو العصيان، وتعيد ترديد عبارات آزر لإبراهيم عليه السلام { أراغب أنت عن آلهتي } كأنما التاريخ يعيد نفسه، وإنْ بصور وأشكال وهيئات مختلفة، لكن المضمون واحد.

ماهو الدرس المستفاد من مدرسة إبراهيم الخليل؟

من يجد نفسه في موقف شبيه بموقف الخليل إبراهيم عليه السلام، يواجه بطانة آلهة ما، أو حتى الآلهة نفسها أو الوثن نفسه، فليعلم أنه إن استمر على موقفه، وثبت وصمد، فهو على الصراط المستقيم والحق المبين، وإنْ خسر نفسه وماله وولده والكثير الكثير.

إن نبي الله الكريم إبراهيم عليه السلام، اختار أن يخسر كل ما يملك، بل ويخرج من بلده مهاجراً إلى ربه، على أن يتراجع عن صراط الله المستقيم. فلم تفتنه المغريات ولم ترعبه التهديدات. وبالمثل كان الحال مع سيد ولد آدم، عليه الصلاة والسلام، حين ترك ماله وأهله وبلده، وخرج مهاجراً إلى حيث يأمن على نفسه ودينه.

هكذا هو الصراع الأبدي بين الحق والباطل. لا يختلف هذا الصراع اليوم عما كان عليه الوضع منذ الأمم الغابرة قبل آلاف السنين. العقلية المتجبرة الفاسدة هي هي، لا تتغير ولا تتبدل تركيبتها، أو إعداداتها الداخلية، وإن تبدّلت الأجسام وتركيباتها، أو إعداداتها الخارجية.

وفي قصص الأنبياء الكرام، الكثير الكثير من هذه الدروس والعبر. نعم، { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } (يوسف: 111).


اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading