800 مشارك من النخب الفكرية والأكاديمية في مؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار

هل يمكن أن تكون المناظرة مفتاح التفاهم العالمي؟ بينما تتصاعد التوترات الدولية وتتعقد الخلافات الفكرية، ينبثق من قلب الدوحة حدثٌ فكري فريد يسلّط الضوء على قوة الكلمة وأهمية الحوار: المؤتمر الدولي الثاني للمناظرة والحوار، بتنظيم من مركز مناظرات قطر، جامعًا أكثر من 800 مفكّر وأكاديمي وشاب من أكثر من 36 دولة.
في زمن يعاني فيه العالم من تصدّع جسور التواصل، يقدم المؤتمر نموذجًا حيًا لإحياء ثقافة المناظرة كأداة للحكمة والدبلوماسية. بمشاركة رفيعة من شخصيات سياسية وعلمية، وجلسات غنية تمتد من فقه الخطاب إلى الذكاء الاصطناعي، يثبت المؤتمر أن الحوار ليس ترفًا، بل ضرورة.
الرسالة واضحة: الكلمة تسبق السلاح، والمناظرة تعيد للعقل دوره الريادي. هذا الحدث لا يكتفي بتداول الأفكار، بل يُنتج معرفةً تُنشر في دوريات عالمية، ويطلق زمالات بحثية ومشاريع تطبيقية تغيّر نظرتنا إلى التعليم، والتعددية، والتأثير الثقافي.
انطلقت أعمال “المؤتمر الدولي الثاني للمناظرة والحوار“، الذي ينظمه مركز مناظرات قطر، من إنشاء مؤسسة قطر، في مركز قطر الوطني للمؤتمرات اليوم، بمشاركة أكثر من 800 مشارك من النخب الفكرية والأكاديمية، إلى جانب كوكبة من الشباب الواعد، يمثلون مؤسسات علمية وبحثية وثقافية من أكثر من 36 دولة حول العالم.
شهد حفل افتتاح مؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار حضور سعادة الدكتور محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي، وزير الدولة بوزارة الخارجية، والدكتورة حياة عبد الله معرفي، المديرة التنفيذية لمركز مناظرات قطر، إلى جانب عدد من الشخصيات الدبلوماسية والأكاديمية المرموقة.
يأتي مؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار في نسخته الثانية استمرارًا للمبادرة البحثية الرائدة التي أطلقها المركز عام 2023، انسجامًا مع استراتيجيته الشاملة لتعزيز البحث العلمي المتعدد التخصصات في مجالات الحوار، المناظرة، والتفكير النقدي. ويهدف من خلال هذه المنصة الفكرية إلى تمكين الشباب من صياغة خطاب حواري معاصر، متجذر في القيم الإنسانية، ومنفتح على تحديات الفكر المعاصر.
في كلمته الافتتاحية، بمؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار أكد سعادة الدكتور محمد الخليفي: “أن المؤتمر يمثّل فرصة ثمينة للغوص في الأبعاد العملية للحوار والمناظرة، واستكشاف أدواتهما وأساليبهما، بما يسهم في ترسيخ ثقافة بناء الرأي وتعزيز قيم الاحترام والتفاهم داخل المجتمعات”.

وتناول سعادته العلاقة المتجذّرة بين المناظرة والدبلوماسية، مشيرًا إلى أن المناظرة لا تقتصر على عرض الأفكار، بل تمتد لتكون وسيلة فعّالة لمعالجة الخلافات الفكرية بالحكمة والنقاش البنّاء. وأضاف: “من هنا تتجلّى العلاقة العميقة بين المناظرة والدبلوماسية؛ فكلاهما يرتكز على جوهر الحوار، ويتطلب براعة في الإصغاء، وحنكة في الرد، وقدرة على طرح الرأي بحجج رصينة ومنطق سليم. فالمناظرة، كالدبلوماسية، هي ميدان تلاقٍ للأفكار، تُصقل فيه العقول، ويُنمّى فيه احترام الرأي الآخر.”
ونوّه إلى أن الدبلوماسية القطرية “باتت اليوم فاعلًا مؤثرًا وصوتًا حاضرًا في قلب التحولات الدولية، تبادر إلى رسم مسارات للحلول وتشييد جسور للحوار في زمن تهدمت فيه القنوات وتباعدت فيه المواقف”. وأوضح قائلًا: “لقد جعلت دولة قطر من الحوار سلوكًا سياسيًا ومبدأً استراتيجيًا، ينبع من دستورها ويعكس رؤيتها الراسخة التي ترى في السلام غاية لا تُنال إلا بحضور العدالة وصون الكرامة الإنسانية.”
وختم سعادته كلمته بمؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار بالتأكيد على أن هذا النهج عزّز من مكانة قطر كوسيط موثوق، يتمتع برصيد سياسي وثقة دولية تؤهله لأداء أدوار محورية في ملفات تتطلب الحكمة والحياد والقدرة على التأثير. وقال: “إنها دبلوماسية تعلي من شأن الكلمة حين تعلو أصوات السلاح، وتؤمن بأن الحوار، لا الصدام، هو السبيل الأمثل لبناء عالم أكثر استقرارًا وأمناً.”
معرفي: نحو فضاء أكاديمي يحتفي بالحوار
من جانبها، في كلمتها بمؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار رحّبت الدكتورة حياة معرفي بالحضور، مؤكدة أن هذا الملتقى يشكّل فضاءً فكريًا وأكاديميًا وإنسانيًا يحتفي بالحوار ويصوغ مسارات جديدة لفهم الحجاج وتطوير أدواته. مشددة على التزام المركز بأعلى المعايير العلمية، موضحة أن الأوراق البحثية المقدمة خضعت لتحكيم مستقل ودقيق، بما يعزز القيمة الأكاديمية لمؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار في نسخته الثانية، ويكرّس مكانته كمنصة بحثية رائدة في مجالات الحجاج والحوار انطلاقًا من العالم العربي نحو آفاق دولية رحبة.

وأعلنت الدكتورة معرفي عن شراكة استراتيجية مع الدورية الكندية المرموقة Informal Logic، لنشر عدد خاص من الأبحاث المقدمة خلال المؤتمر، في خطوة تعكس ثقة المجتمع الأكاديمي العالمي بمخرجات المؤتمر.
كما أعلنت عن انطلاق الدورة الثانية من زمالة مناظرات قطر البحثية، التي تشمل 12 مشروعًا جديدًا، موزعة على ستة مشاريع نظرية في موضوعات مثل الحوار المدني، الحجاج القانوني، والدراسات المقارنة، إلى جانب ستة مشاريع تطبيقية في مجالات التعليم والذكاء الاصطناعي، من ضمنها تأسيس وحدة بحثية متخصصة لقياس أثر المناظرة في البيئة التعليمية.
تانديل: الحِجاج العابر للثقافات
تلا ذلك عرض مرئي إبداعي من إنتاج مركز مناظرات قطر، أعقبه خطاب رئيسي قدّمه البروفيسور كريستوفر تانديل، مدير مركز الأبحاث في الاستدلال والحجاج والبلاغة، وأستاذ متميّز في جامعة وندسور الكندية، تحت عنوان: “كيف يحاجج الآخرون: الحجاج العابر للثقافات كأداة للفهم”.
في خطابه، بمؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار، أكد تانديل على أهمية إدراك تباين أنماط الحجاج وفقاً للسياقات الثقافية المختلفة، مشدداً على أن “الطريقة التي يحاجج بها الآخرون، وما يعتبرونه دليلاً، توسع مداركنا لأبعاد الحجاج، وينبغي أن تنعكس على منهجية تعاملنا معه وتقييمنا له.”
وعقب عرض فيلم وثائقي قصير من إنتاج مركز مناظرات قطر، جرى تكريم منتسبي زمالة مناظرات قطر البحثية، إذ أنهى منتسبو الدورة الأولى من الزمالة تنفيذ ستة مشاريع بحثية رائدة، تناولت قضايا متقدمة مثل تحليل الحجاج العربي، وتطوير نماذج للذكاء الاصطناعي قادرة على تصنيف الحجج باللغة العربية، وفهرسة مخطوطات المناظرة التراثية، ودراسات مقارنة بين التصور العربي الإسلامي للحجاج والنماذج الغربية الحديثة.
واختُتمت فعاليات الافتتاح بجلسة حوارية معمقة قدمها ضيف الله الصبحي ومحمد كومات، طالب الدراسات العليا من جامعة أبن خلدون التركية، أدارها سفير المناظرات فهد السبيعي، ناقشوا خلالها قدرة الحوار على إحداث تغيير.
مذكرة تفاهم وشراكات
شهد اليوم الأول من فعاليات مؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار توقيع مذكرة تفاهم بين مركز مناظرات قطر وجامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في تركيا، وذلك في إطار سعي الطرفين إلى توسيع مجالات التعاون الأكاديمي والثقافي. وتمتد المذكرة لثلاث سنوات، وتهدف إلى تعزيز نشر فن المناظرة، إلى جانب دعم تعليم وممارسة اللغات العربية والإنجليزية والتركية.
وتنص المذكرة على تنفيذ سلسلة من الأنشطة والبرامج المشتركة، تشمل تنظيم بطولات ومنتديات وورش عمل في مجالات الحوار والمناظرة وتعلم اللغات، إلى جانب تخصيص مقر دائم داخل الجامعة لدعم أنشطة مركز مناظرات قطر بالتنسيق مع الجهات المعنية.
كما تشمل بنود التعاون طرح مقرر جامعي اختياري في فن المناظرة باللغات الثلاث، يتم تدريسه بالتعاون بين المركز والجامعة، بالإضافة إلى تبادل الخبرات والكفاءات في مجالات التدريب والتحكيم، بما يضمن جودة تنفيذ البرامج والفعاليات.

وفي المجال البحثي، تنص الاتفاقية على تقديم زمالات للطلبة والباحثين في مجالات الدراسات الإسلامية وتعليم اللغة العربية، تتضمن إعداد ونشر بحوث أكاديمية، فضلًا عن التعاون في تحرير مخطوطات متخصصة في فن المناظرة ونشرها في دوريات علمية مرموقة.
كما يعتزم الطرفان تنظيم بطولات مناظرات إقليمية ودولية، مثل البطولة الأوروبية للمناظرات، من خلال تخطيط مشترك وتنسيق متكامل، مع العمل على توسيع نطاق التعاون مع الدول العربية المجاورة عبر مبادرات نوعية تعزز مكانة الحوار والمناظرة في السياقات الأكاديمية والثقافية.
ويفخر مؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار بشراكات أكاديمية مرموقة تشمل جامعة وندسور الكندية، وجامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية التركية، وجامعة ابن خلدون التركية، وجامعة الزيتونة التونسية العريقة.
يواصل مؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار هذا العام مسيرة النجاح التي حققها في نسخته الأولى عام 2023، التي استقطبت أكثر من 800 مشارك من داخل قطر وخارجها، ما عكس قوة انطلاقته وأكد المكانة المرموقة التي حققها كمنصة فكرية عالمية رائدة.
جلسات نوعية
شهد اليوم الأول من مؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار سلسلة من الجلسات المتزامنة التي تناولت طيفًا واسعًا من القضايا الفكرية والبحثية، منها جلسة “المناظرة في المخطوطات الإسلامية” المنعقدة بالتعاون مع جامعة السلطان الفاتح، وجلسة “أفضل الممارسات في تدريب المناظرات” لمدربي ومحكمي المناظرة، إضافة إلى جلسات متخصصة حول “الحجاج: منظورات نظرية ونماذج”، و”صيغ المناظرة: التنوعات الثقافية والمخرجات التعليمية”، و”الخطاب والحجاج في الصراعات السياسية”، و”الجدل والمناظرة: تطبيقات في الفقه والفكر الإسلامي”.
أما الفترة المسائية، من مؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار فقد حفلت بجلسات فكرية معمقة، تنوعت بين “الدورية المحكمة- المنطق غير الصوري”، و”تطوير تحكيم المناظرات: الممارسات، النماذج والأثر”، و”تمكين ثقافة المناظرة وتعليمها بالذكاء الاصطناعي”، و”أثر المناظرة على تطوير المعرفة والمهارات الأكاديمية”، و”الحجاج السياسي في السياق العربي: دراسات حالة”، وأخيراً “الجدل الفقهي: أبعاد تاريخية وتشريعية”.

ويحتضن مؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار هذا العام معرضاً تفاعلياً استثنائياً، يعرض مجموعة نادرة من المخطوطات التاريخية التي توثق فن المناظرة في الحضارة الإسلامية، بالشراكة مع مؤسسة ولي العهد الأردنية، ووزارة الثقافة التركية، وجامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية، وبتعاون فني متميز مع متاحف قطر التي أبدعت في تصميم المعرض.
وتثري مؤتمر الدوحة للمناظرة والحوار[ مشاركة نخبة من المتناظرين وقادة الحوار الشبابي وأعضاء أكاديمية النخبة، الذين يقدمون مجلساً حوارياً مفعماً بالأفكار الجديدة حول القضايا الدولية الملحة.
للتذكير، مركز مناظرات قطر – من إنشاء مؤسسة قطر– هو المنظمة الوطنية الوحيدة للمناظرات في دولة قطر، وقد تأسس في عام 2008 بهدف نشر ثقافة المناظرة في دولة قطر والوطن العربي وعلى مستوى العالم، إضافة لتطوير ودعم معايير الحوار والمناقشات المفتوحة والمناظرات في دولة قطر والعالم والارتقاء بها، من خلال تحقيق رؤية منسجمة مع شعار المركز: “إثراء الحوار، تمكين العقول”.
جهود مركز مناظرات قطر في نشر ثقافة المناظرة والحوار المفتوح تشهد توسعاً وانتشاراً من خلال بناء جسور التعاون مع مؤسسات عديدة لدعم ونشر فن المناظرات والحوار في عدة دول مثل الكويت وسلطنة عمان والسودان والأردن ودول المغرب العربي وشرق آسيا وأوروبا والولايات المتحدّة الأمريكية، وفي هذا الإطار أطلق المركز برامج فريدة تهدف بشكل رئيسي إلى نشر رسالة المركز في جميع أنحاء العالم مثل برنامج السفراء وبرنامج أكاديمية النخبة والتي تضم نخبة من الشباب حول العالم يحملون رسالة المركز.
ويقوم المركز محليّاً أيضاً بتدريب ورعاية الفريق الوطني للمناظرات باللغة العربية واللغة الإنجليزية – الفريق الممثل لدولة قطر في المحافل الدولية للمناظرات – بمشاركات في بطولات دولية منذ 2008، إضافة إلى تنظيم ورعاية العديد من الفعاليات والبطولات التي تشارك فيها غالبية المدارس والجامعات في دولة قطر، وأنجز المركز تطوير منهج دراسي للمناظرة باللغة العربية يتم تدريسه في عدد من الجامعات.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.