Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ما يهم المسلم

ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع


ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع : يُعرِّف معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية علم الاجتماع بأنه: “دراسة وصفية تفسيرية مقارنة للمجتمعات الإنسانية، كما تبدو في الزمان والمكان، للتوصل إلى قوانين التطور التي تخضع لها المجتمعات الإنسانية في تقدمها وتغيرها”([1]).

وعلى الرغم من أن التفكير الاجتماعي قديم قدم الإنسان نفسه، إلا أن الاجتماع الإنساني لم يصبح موضوعاً لعلم إلا في فترة لاحقة. وكان أول من نبَّه إلى وجود هذا العلم واستقلال موضوعه عن غيره، ووضع أسسه ومقدماته هو العلاَّمة المسلم عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المتوفي في سنة 808هـ.

وفي هذا السياق يقول ابن خلدون : “وكأن هذا علم مستقل بنفسه، فإنه ذو موضوع، وهو العمران البشري والاجتماعي الإنساني…” ([2]).

وجدير بالذكر أن مقدمته شملت على أقل تقدير سبعة من فروع علم الاجتماع ناقشها في وضوح تام([3]).

وبذلك يكون هو أول من أخضع الظواهر الاجتماعية لمنهج دراسي علمي انتهى به إلى كثير من الحقائق الثابتة التي تشبه القوانين في العمران البشري الذي يقابل علم الاجتماع العام، وفي الدولة والخلافة والملك الذي يقابل علم الاجتماع السياسي، وفي العمران الحضري الذي يقابل علم الاجتماع الحضري، وفي الصنائع والمعاش والكسب الذي يقابل علم الاجتماع الاقتصادي، وفي العلوم وطرق تحصيلها، وهو ما يقابل علم الاجتماع التربوي.

وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصَّل إليه لاحقاً في القرن التاسع عشر الميلادي عدد من مشاهير علماء أوربا في علم الاجتماع مثل: أوجست كونت وجان جاك روسو وسبنسر وماكس فيبر وغيرهم.

وقد كان لنشأة ابن خلدون في بيئة إسلامية ديناميكية متنوعة زاخرة بالأحداث، وشغله عدة وظائف في الدولة منها: كتابة الرسائل، وخِطَّة المظالم، ومنصب الوزارة، والحجابة، والسفارة، والخطابة، والقضاء، والتدريس، أثر كبير في تكوينه الفكري واكتسابه خبرة واسعة، ومعرفة عميقة بالدولة والمجتمع.

كما أن تواصله مع عدد من العلماء من مختلف التخصصات في العالم الإسلامي، ومطالعته العديد من الكتب المتوفرة في المكتبات العامة التي كانت متاحة في معظم المدن التي زارها، بالإضافة إلى تفرُّغه للعلم في قلعة ابن سلامة، كل ذلك أدَّى إلى المزيد من الصفاء في ذهنه، ودقة آرائه. فظهر تفوقه في مصنفه “المقدمة” الذي أبان فيه عن عمقه في البحث، وقوته في التفكير، إذ كشف بالدراسة الموضوعية عن مجموعة من الظواهر الاجتماعية، وحلَّلها تحليلاً علمياً صحيحاً.

وكان المنهج العلمي الذي اتبعه ابن خلدون في “مقدمته” من المناهج التي ترتكز على معرفة الظواهر الاجتماعية المترابطة والمتسلسلة؛ فلكل ظاهرة سبب، وفي نفس الوقت هي مرتبطة بالظاهرة التي تليها. فاعتمد في تحليله لهذه الظواهر الاجتماعية على معرفة العلاقة بين الأسباب والمسببات، وبين المقدمات والنتائج، حيث يقوم منهجه على الاستقراء ثم الملاحظة ثم النتيجة. ولهذا تميزت كتابته بدقة النقد، والقدرة على تحليل الظواهر الاجتماعية بطريقة موضوعية وعلمية.

على أن مفهوم العمران البشري عنده يشمل كل الظواهر سواءً كانت سكانية (ديمغرافية) أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية.

ويعبر عن ذلك بقوله: “اعلم أنه لما كانت حقيقة التاريخ الإنساني أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة هذا العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس، والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم، وسائر ما يحدث من ذلك العمران بطبيعته من الأحوال”([4]).

وقد أوضح حقيقة مهمة مفادها أن الإنسان اجتماعي بطبعه، لا يستطيع العيش بمعزل عن أبناء جنسه، حيث قال: “… أن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبِّر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع”([5]).    

كما ناقش العمران البشري بشكل عام مبيِّناً أثر البيئة في أخلاق البشر وسلوكهم([6])، وهو ما له علاقة حاليا بعلم الإثنولوجيا، وهو فرع من علوم الاجتماع. وتطرق لجانب آخر من هذا العمران تبعاً لنمط حياة البشر وأساليبهم في الإنتاج، مبيِّناً اختلاف أحوال العمران في الخصب والجوع، وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم([7]).    

وقد خصص فصلا في مقدمته للدول والملك والخلافة، ومراتبها وأسباب وكيفية نشوئها وسقوطها، مؤكداً أن الدعامة الأساسية للحكم تكمن في العصبية، إلى درجة أنه ربط كل الأحداث الهامة والتغيرات الجذرية التي تطرأ على العمران البدوي أو العمران الحضري بوجود أو فقدان العصبية. فهي في رأيه الركيزة الأساسية في حياة الدول والمماليك([8]).

وفي هذا الحقل المعرفي بالذات كان له معرفة وعمق في سبر الأطوار التي تمر بها الدول، في نشأتها ونموها، في قوتها وازدهارها، في اضمحلالها وسقوطها.

خلاصة القول

تعتبر “مقدمة ابن خلدون” عملاً ريادياً تأصيلياً، وبحثاً علمياً تحليلياً. كما تعد موسوعة علمية غير مسبوقة في علم الاجتماع البشري، إذ كشف عن الكيفية التي تتطور بها المجتمعات البشرية، وشرح كيفية التعامل مع المتغيرات التي تساهم في الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري، والعوامل التي تؤدي إلى نشأة الدول وقوتها وازدهارها، والعوامل التي تؤدي إلى انحطاطها وتلاشيها.

وغني عن البيان، أن أحداً قبل ابن خلدون لم يعرض لدراسة الظواهر الاجتماعية دراسة علمية منهجية، أدت إلى نتائج ومقررات مثل تلك التي توصَّل إليها هذا العالم الفذ في مصنَّفه هذا.

وعليه، فإنَّ ما ورد في “المقدمة” من آراء وأفكار ونظريات يُعَدُّ عملاً علمياً رائداً غير مسبوق في تاريخ الفكر الاجتماعي الإنساني. 

[1] أحمد زكي بدوي: معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، ص 402.

[2] ابن خلدون: المقدمة، ص 38.

[3] راغب السرجاني: ابن خلدون وابتكار علم الاجتماع. موقع قصة الإسلام (نقلا عن حسن الساعاتي: علم الاجتماع الخلدوني، ص 28).

[4] ابن خلدون: المقدمة، ص 35.

[5] المصدر السابق، ص 41.

[6] المصدر السابق، ص 86.

[7] المصدر السابق، ص 87.

[8] المصدر السابق، ص 154، 159.


اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading