الانقلاب العسكري على علي بونغو يضع الدبلوماسية الفرنسية على “المحك”
طالما حافظ الغابون، الذي يعتبر مهد الفرنكوفونية في أفريقيا، على علاقات قوية مع فرنسا المستعمرة السابقة. لكن مع مر السنين وظهور العولمة، تراجعت قوة العلاقات التي كانت تربط البلدين. وفي الوقت الحالي، وجدت فرنسا نفسها في مكان المتفرج أمام الانقلاب العسكري الذي أزاح علي بونغو من الحكم. وبعدما تأثرت كثيرا بالمشاعر المعادية لها في أفريقيا، تكتفي اليوم بدور المراقب.
نشرت في:
6 دقائق
تعاملت الحكومة الفرنسية بحذر مع الانقلاب العسكري الذي وقع في الغابون والذي يعتبر أحد أهم مستعمراتها السابقة. وفي أول رد فعل إزاء الانقلاب، قال أولفييه فيران، الناطق الرسمي باسم الحكومة في 30 أب/أغسطس الماضي: “فرنسا تدين الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم علي بونغو، مضيفا خلال ندوة صحفية “الدبلوماسية الفرنسية تؤكد مرة أخرى رغبتها أن يتم احترام نتائج الانتخابات عندما يعلن عنها”.
هذا الموقف المتوازن يدخل في إطار السياسة الجديدة التي تسعى فرنسا إلى اتباعها إزاء مستعمراتها القديمة في أفريقيا. موقف سبق وأن أعلن عنه الرئيس ماكرون خلال الزيارة التي قام بها إلى الغابون في 2023 حيث تحدث عن نهاية عهد فرنسا أفريقيا”، تقول كارولين روسي، رئيسة الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس.
وتابعت: “نشهد تغير في العصر. فقبل بضعة أشهر فقط، لم تدين فرنسا انتخاب إدريس دبي في تشاد في 2021 ولا الحسن وتارا في كوت ديفوار الذي فاز بعهدة ثالثة مثيرة للجدل في 2020”.
اقرأ أيضاالغابون: الجنرال “أوليغي نغيما تابع، وخلفه تقف عائلة بونغو التي تسيطر على السلطة”
وأردفت نفس الباحثة ” أمام كل هذه المتغيرات الجيوسياسية، أصبحت فرنسا من باب المبدأ تندد بجميع الانقلابات، لكنها ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان”. كما أنها تعتقد أن “الدبلوماسية الجديدة المتبعة من قبل فرنسا والمتمثلة في عدم التدخل في شؤون النيجر مثلا هي الأفضل في وقت تعقدت فيه الأوضاع”. دون أن تستثني “استخدام باريس لدبلوماسية موازية وخفية تمر بشكل أساسي عبر سفيرها الذي قد يمكن أن يلعب دور الوسيط بين المعارضة والانقلابيين”.
من المراقب إلى الوسيط؟
من جهته، أضاف فرانسوا غولم، الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية وصاحب كتاب “الغابون وظله”، “فرنسا لا تريد أن تأخذ أي موقف إزاء ما يجري في بعض الدول الأفريقية، على غرار النيجر لكيلا تستفز مشاعر السكان المعادية لها. فهي تقف كمراقبة لا سيما أن ما حدث في الغابون ما هو إلا ثورة قصر. لكن في حال طالب سكان الغابون المساعدة، فمن الممكن أن تضع تحت تصرفهم معرفتها الجيدة للبلاد وتلعب دور الوسيط لأن علاقاتها مع ليبرفيل جيدة”.
أما في منظور كارول روسي، فالعلاقات بين البلدين (فرنسا والغابون) تغيرت وتطورت مع الوقت ولم تعد كما كانت في السابق. فبعدما كانت حميمية في زمن عمر بونغو، تغيرت اليوم ولم تعد كذلك. فرنسا فقدت تأثيرها بشكل كبير”.
نفس الاستنتاج توصل إليه أيضا فرانسوا غولم الذي أكد أن “منذ عهد الرئيس فرانسوا هولاند، العلاقات بين فرنسا والغابون ليست سيئة، لكنها تتميز بالحد الأدنى من الاحترام والتقارب. لكن القرابة التي كانت تميز مثلا العلاقات بين فرانسوا ميتران وجاك شيراك مع عمر بونغو تغيرت ولم تعد كالسابق. وصول نجله علي بونغو إلى سدة الحكم أبعد العاصمتين وخلق مسافة فيما بينها”.
فقدان كبير للنفوذ
ابتعاد الغابون من فرنسا بدأ مع إدخال علي بونغو بلاده في مجموعة الكومنولث. فحسب فرانسوا غولم، هدف هذه الخطوة الاستفزازية هو وضع مسافة بين بلاده والقوة الاستعمارية السابقة“. لكن بالنسبة لكارول روسي المراد من ذلك هو “تنويع الشراكات الخارجية في ظل العولمة”. والدليل على ذلك هو النداء باللغة الإنكليزية الذي أطلقه بونغو للأسرة الدولية لكي تتدخل لإنقاذه بالرغم من أن اللغة الفرنسية لا تزال قائمة في هذا البلد.
أما على الصعيد الاقتصادي، ” سعى علي بونغو إلى التقرب من الصين وسنغافورة على حساب الشركات الفرنسية”، حسب فرانسوا غولم الذي تابع: “طبعا لا تزال فرنسا تستثمر في النفط ومادة المنغنيز والحطب، لكن بعض الموارد مثل اليورانيوم نفذت. أكثر من ذلك فعلى مرور الزمن، فقدت فرنسا الكثير من العقود في مجال الصناعات الغذائية”.
مصالح مستمرة
ورغم كل هذه التغييرات، إلا أن فرنسا ما زالت تحافظ على بعض من مصالحها في الغابون. ففي هذا البلد الغني بالنفط، تواصل 80 شركة فرنسية نشاطاتها الاقتصادية حيث بلغت عائداتها المالية حوالي 3 مليار يورو. فعلى سبيل المثال توظف كل من شركة توتال للنفط و”إير ليكيد” وشركة الملياردير بلوريه وهفاس وأيضا “إيرمي” حوالي 350 عامل فرنسي في هذا البلد.
اقرأ أيضاالغابون.. ماهي ممتلكات عائلة بونغو؟
كما تدير فرنسا منذ استقلال الغابون في 1960 قاعدة عسكرية دائمة تضم 350 إلى 400 عسكري مهمتهم “تدريب وتكوين عسكريين من دول المجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الوسطى للمشاركة في عمليات عسكرية خارجية”، وفق وزارة الدفاع الفرنسية.
الدبلوماسية الفرنسية “على المحك”
ويرى فرانسوا غولم أن الغابون “لا زال بلدا فرانكو فونيا والدليل أن عدد الفرنسيين الذين يعيشون في العاصمة ليبروفيل بلغ حوالي 1400 شخص. كما توجد أيضا في فرنسا جالية غابونية كبيرة”. وأضافت كارول روسي: “لا يوجد مشاعر عدائية للفرنسيين في الغابون”. أما فرانسوا غولم فقال “طبعا المعارضون السياسيون يعاتبون باريس بسبب دعمها لعشيرة بونغو لكن في نفس الوقت لا يشتكون منها كما هو الحال في النيجر أو في مالي”.
وأنهت كارول روسي: “من الممكن جدا أن موقف الحكومة الفرنسية منذ بداية الأزمة لم يولد مشاعر معادية لباريس، لكن في حال تأزم الوضع ستجد الدبلوماسية الفرنسية نفسها أمام تحد كبير وعلى المحك”.
أود مازوي