تحذيرات بشأن المخاطر الصحية الكبيرة الناجمة عن تأخر وصول المساعدات إلى “المدن المنكوبة”
بعد مرور أسبوع من تعرض درنة الليبية لفيضانات قاتلة، حذرت الأمم المتحدة الاثنين من انتشار الأمراض في المدينة بينما لا تزال أعمال الإنقاذ متواصلة وكذلك البحث عن جثث الآلاف من القتلى المحتملين. على أرض الميدان، تعطي المنظمات غير الحكومية الأولوية لتوفير المياه والغذاء والمساعدة الطبية والنفسية للتخفيف من آثار الصدمات النفسية على السكان بسبب الكارثة. ويوم أمس الاثنين 18 سبتمبر/أيلول، تظاهر المئات من سكان المدينة مطالبين بمساءلة السلطات في شرق البلاد.
نشرت في:
7 دقائق
لا تزال الفوضى تعم المدن المنكوبة في الشرق الليبي. فبعد مرور أسبوع واحد على الفيضانات المدمرة الناجمة عن انهيار سدين تحت ضغط الأمطار الغزيرة للعاصفة “دانيال”، تستمر عمليات الإنقاذ في حين تظل حصيلة القتلى، التي لا تزال مؤقتة، ثقيلة للغاية. ووفقا لآخر إحصاء رسمي صادر عن وزارة الصحة، نشر الاثنين 18 سبتمبر/أيلول، لاقى نحو 3338 شخصا حتفهم في هذه الكارثة غير المسبوقة. من جانبها، تقدر الأمم المتحدة عدد المفقودين بما يقرب من 10 آلاف شخص.
بينما على الأرض، لا يزال البحر تقذف مياهه جثث المنكوبين علاوة على أنه لا يزال يتعين استخراج العديد من الجثث من تحت الأنقاض. وحذرت الأمم المتحدة الاثنين من أن وكالاتها تعمل على منع تفشي الأمراض في الأماكن المنكوبة وبخاصة في درنة.
وقالت الأمم المتحدة، التي تشعر وكالاتها بالقلق إزاء خطر انتشار الأمراض: “يواصل فريق منظمة الصحة العالمية العمل على منع تفشي الأمراض وتجنب حدوث أزمة مدمرة ثانية في المنطقة لا سيما بسبب المياه الملوثة ونقص النظافة”.
“جميع مصادر الحصول على المياه باتت تالفة”
تنتشر رائحة الموت في كل مكان، ولا تزال مياه البحر تقذف بالجثث، كما لا يزال يتعين إخراج الجثث القابعة تحت أنقاض المباني المدمرة في كل أرجاء المكان. يؤكد أوليفييه روتو، مدير العمليات في منظمة “الإغاثة الأولية الدولية”، التي تعمل فرقها من مدينة البيضاء، على بعد 75 كيلومترا غرب درنة، أن “الوضع كارثي وغير عادي”.
إضافة إلى ذلك تتعلق جميع المخاطر التي ذكرتها وكالات الأمم المتحدة تحديدا بمياه الشرب. ودعت منظمة الصحة العالمية، على وجه الخصوص، إلى وضع حد لاستخدام المقابر الجماعية، التي تمثل خطرا صحيا خطيرا على الحياة عند إقامتها بالقرب من نقاط استخراج المياه.
“هذه البادرة لا تهدف فقط إلى إدارة ضائقة السكان، ولكنها أيضا مدفوعة بالخوف من أن تلك البقايا البشرية قد تشكل خطرا على الصحة”، تشرح منظمة الصحة العالمية في بيان لها، مضيفة أن هذا النهج قد يكون ذا أثر ضار بحياة السكان.
ويوضح أوليفييه روتو بالقول “نظرا لعدد الوفيات الكبير والبنية التحتية المدمرة، تعد هذه مشكلة قصوى”. “ولا تزال مدن عدة محاصرة ولا تعمل بها إلا أطقم الإغاثة المحلية لأن المساعدات لم تصلها بعد، لذا ينظم السكان أنفسهم دون أن يكون لديهم بالضرورة جميع المهارات المتعلقة بإدارة المخاطر وترقب وقوعها”.
فيما أصدر المركز الليبي لمكافحة الأمراض تحذيرا صحيا “بحظر استخدام أو شرب المياه من الشبكة المحلية، لأنها ملوثة بمياه الفيضانات”.
في درنة، وردت أنباء عن أن 150 شخصا أصيبوا بالتسمم جراء استخدام المياه الملوثة، كما توفي 55 طفلا متسممين بعد استهلاك هذه المياه، وذلك وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. ويتابع أوليفييه روتو: “لقد تضررت جميع مصادر مياه الشرب، وهو ما يشكل خطرا عظيما”.
لقد أصبح الحصول على الماء والغذاء والأدوية الآن أولوية للمنظمات غير الحكومية في الموقع، ولا سيما منظمة الإغاثة الأولية الدولية، التي تقول إنها تقوم بمجهودات كبيرة لاستعادة الوصول إلى الخدمات، وليس أعمال الأمن المدني التي يتمثل تحديها الأكبر اليوم في “إنقاذ الأحياء”.
توفير المساعدة النفسية… الجانب المنسي من أوليات الاستجابة للطوارئ
وأكد فلوران ديل بينتو، رئيس مركز عمليات الطوارئ في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر على قناة فرانس24 الناطقة باللغة الإنكليزية، على أهمية تقديم الدعم النفسي للسكان المنكوبين ولا سيما “العائلات التي تواجه صدمات مروعة”.
أما بالنسبة لمنظمة الإغاثة الأولية الدولية، الموجودة في مدينة بنغازي منذ عام 2017، فإن الرعاية النفسية الطارئة ضرورية أيضا. “في بعض الأحيان يكون هذا النوع من الرعاية الجانب المنسي من الاستجابة للطوارئ”، يأسف أوليفييه روتو. لذلك، يقول: “يجب أن نكون قادرين على مرافقة هؤلاء الأشخاص ومساعدتهم نفسيا على النجاة من هذه الصدمة”.
ففي بلد تسود فيه الفوضى السياسية منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في عام 2011، لا يزال تنظيم الإغاثة وعمل المنظمات غير الحكومية معقدا. فالبلاد واقعة تحت حكم إدارتين متنافستين على السلطة: أولاها في طرابلس (غرب)، بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة ومعترف بها من قبل الأمم المتحدة، والأخرى شرق البلاد، ممثلة في برلمان طبرق وتنتمي إلى معسكر المشير القوي خليفة حفتر.
يوضح فلوران ديل بينتو أن هذا الوضع ليس له أي تأثير على الصليب الأحمر، مشيرا إلى “حياد” المنظمة. ويقول موضحا “نحن ننسق مع الكيان الحاكم على الأرض حيث نعمل”.
وبالنظر إلى حجم الكارثة، يبدو أن المعسكرين المتنافسين قد أوقفا مشاجراتهما على أية حال. وتم إرسال فرق مساعدات كبيرة وأطقم إنقاذ مهمة من طرابلس إلى مناطق الكوارث.
كما أعلنت حكومة طرابلس الاثنين عن بدء العمل على بناء “جسر مؤقت” فوق الوادي الذي يعبر درنة ، حيث يتم قطع ضفتي المدينة منذ أن جرفت الأمواج المباني الأربعة التي تربطهما.
ومع ذلك، بالنسبة للسكان، فإن المسؤولين عن هذه الفوضى معروفون جيدا. فقد تظاهر الاثنين المئات من سكان درنة أمام المسجد الجامع في المدينة، وهم يرددون شعارات معادية للسلطات في الشرق ويطالبون بمحاسبة البرلمان ولا سيما رئيسه عقيلة صالح.
ورددت الجموع “الشعب يريد إسقاط البرلمان”، و”عقيلة [صالح] عدو الله”، و”دماء الشهداء لن تذهب هدرا”، أو حتى “أولئك الذين سرقوا وخانوا يجب أن يشنقوا”. وفي بيان تمت قراءته خلال المظاهرة دعا “سكان درنة” إلى “إجراء تحقيق سريع واتخاذ إجراءات قانونية ضد المسؤولين عن الكارثة”.
وبحسب الخبراء، فإن الوضع السياسي المتردي في ليبيا قد طغى على مسألة الحفاظ على البنية التحتية الحيوية، مثل سدود درنة التي يعود انهيارها إلى أصل المأساة التي يعيشها السكان المنكوبين الآن.
النص الفرنسي: بولين روكيت | النص العربي: حسين عمارة
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.