“أمطار الصيف، الرصاص المصبوب، الجرف الصامد”.. عمليات برية شنتها إسرائيل على غزة
توحي الأوامر الإسرائيلية الصادرة منذ الجمعة لأكثر من مليون شخص بإجلاء شمال غزة والنزوح إلى جنوبها، وحثّها السبت سكانه على “عدم الإبطاء” في المغادرة، على اقتراب ساعة الصفر لشن قواتها عملية برية جديدة، ستكون في حال تنفيذها رابع توغل عسكري واسع النطاق للدولة العبرية في القطاع الفلسطيني المحاصر.
نشرت في:
8 دقائق
يعدّ الهجوم الذي شنّته حماس السبت الماضي تحت مسمى عملية “طوفان الأقصى” الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل على الإطلاق.
فمنذ العملية المباغتة للحركة على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والتي واكبها إطلاق آلاف الصواريخ، أبدى نتانياهو وخلفه إسرائيل رغبة واضحة ومعلنة صراحة في “الانتقام المروع”. مذاك، يتم التحضير لشن عملية برية جديدة في القطاع بهدف القضاء على الجماعة الفلسطينية المسلّحة بشكل نهائي.
في هذا السياق، أعلنت الدولة العبرية استدعاء 300 ألف جندي احتياط للمشاركة في عملية “السيوف الحديدية”، وحشدت عشرات آلاف الجنود والدبابات والمدفعية في محيط القطاع الذي يأوي 2,4 مليون شخص وتسيطر عليه حماس منذ 2007.
الهجوم البري على غزة.. اقتراب ساعة الصفر؟
كما توحي أوامر الإجلاء التي أصدرتها تل أبيب لسكان غزة وحثها لهم السبت بـ”عدم الإبطاء” في المغادرة، باقتراب موعد الهجوم البري، علما بأن قوات من المشاة والدبابات الإسرائيلية قد نفّذت فعلا أولى التوغلات داخل القطاع الجمعة، بحسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال دانيال هاغاري، الذي أشار إلى شنّ غارات على أطقم الصواريخ الفلسطينية، وعن عمليات لجمع المعلومات عن مكان تواجد الرهائن الذين تحتجزهم حماس، وهو أول تقرير رسمي عن توغل قوات برية في غزة منذ تفجر النزاع.
في المقابل، تعهّدت حماس بـ”القتال حتى آخر قطرة دم”. فيما تبثّ مساجد القطاع رسالة تحث الناس على البقاء في منازلهم والتشبث بأرضهم. كما طلب إياد البزم المتحدث باسم وزارة الداخلية التابعة للحركة من سكان شمال غزة البقاء في منازلهم، وقال إن أهل غزة “متمسكون بأرضهم ولن يغادروها رغم تهديدات الاحتلال”.
اقرأ أيضاقطاع غزة: شريط فلسطيني ضيق مزقته الحروب وأنهكه الحصار
تأتي هذه التطورات بعد أيام من بدء القصف المدفعي والغارات الجوية التي تشنّها إسرائيل بكثافة على القطاع باستخدام أربعة آلاف طن من المتفجرات وستة آلاف قنبلة، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 2215 فلسطيني بينهم 724 طفلا وجرح حوالي 2215 آخرين، وأيضا مقتل 54 وإصابة 1100 آخرين في الضفة الغربية. فيما بلغ عدد القتلى من الجانب الإسرائيلي 1300، حسب آخر حصيلة السبت.
كما أعلنت حماس السبت عن مقتل تسعة رهائن لديها خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية في القصف الإسرائيلي على غزة، ما يرفع عدد الرهائن القتلى جراء القصف إلى 22 منذ السبت، وفق الحركة.
لكن، حتى ومع كون الهجوم البري المرتقب للجيش الإسرائيلي على غزة سيكون بلا شك غير مسبوق من حيث العتاد وعديد القوات التي يتم حشدها، فهو لن يكون الأول.
تستعرض لكم فرانس 24 في هذه الورقة، العمليات العسكرية البرية الثلاث الكبرى التي نفّذها الجيش الإسرائيلي في القطاع خلال العقدين الماضيين.
2006: عملية “أمطار الصيف” لتحرير جلعاد شاليط
وقع العريف الإسرائيلي-الفرنسي جلعاد شاليط في الأسر على يد كوماندوز فلسطيني خلال هجوم استهدف دبابة قرب غزة في 25 يونيو/حزيران 2006، وكان يبلغ حينها 19 عاما. بعد يومين، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية ضد القطاع تحت مسمى “أمطار الصيف” بدأها بعمليات قصف واسعة أعقبها توغل بري. جاء هذا الهجوم عشرة أشهر فقط بعد خطة فك الارتباط الأحادية الجانب التي أعلنتها إسرائيل في غزة، والتي تم على إثرها سحب المستوطنين والقوات العسكرية من القطاع، تحت رعاية رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك آرييل شارون.
وبالنسبة لخليفته إيهود أولمرت، كانت العملية العسكرية في غزة تهدف إلى إطلاق سراح الجندي المحتجز، لكن أيضا إلى وضع حد لإطلاق الصواريخ باتجاه جنوب إسرائيل وكشف وتحديد شبكة الأنفاق التي تستخدمها الجماعات الفلسطينية المسلحة في هجماتها، مثل تلك التي سمحت بأسر الجندي شاليط.
توصل الجانبان في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 إلى وقف لإطلاق النار. لكن ورغم تمكن الجيش الإسرائيلي من اعتقال عدد من أعضاء حركة حماس، إحدى المجموعات الثلاث التي أعلنت مسؤوليتها عن عملية الأسر، إلا أنه بقي عاجزا عن تحديد مكان احتجاز شاليط. في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011، تم إطلاق سراحه أخيرا بعد أكثر من خمس سنوات من المفاوضات الصعبة التي أفضت إلى إطلاق سراح 1027 فلسطينيا محتجزين في إسرائيل.
2008: عملية “الرصاص المصبوب” لوقف إطلاق الصواريخ
بدأت إسرائيل هذه العملية البرية في قطاع غزة بتاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول 2008، ردا على الصواريخ التي تطلقها حركة حماس على الدولة العبرية. استبق الجيش الإسرائيلي خلال هذا الهجوم أيضا عمليته البرية التي انطلقت في 3 يناير/كانون الثاني 2009، بحملة قصف. كان الهدف المعلن من وراء هذه العملية وضع حد لإطلاق الصواريخ من غزة وأيضا تدمير أنفاق التهريب في منطقة رفح الحدودية بين غزة ومصر، والتي تسمح بتهريب الأسلحة ولكن أيضا السلع الاستهلاكية التي يفتقر إليها الفلسطينيون المحاصرون في القطاع.
انتهت هذه الحرب في 18 يناير/كانون الثاني 2009 بإعلان إسرائيل وقفا لإطلاق النار، أعقبه إعلان مماثل من حركة حماس بعد اثنتي عشرة ساعة. على إثرها، أكد إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها أن “عملية الرصاص المصبوب حققت أهدافها بل تجاوزتها”. في هذا الإطار، قدّر الإسرائيليون أنهم دمروا ما بين 60 إلى 70 بالمئة من حوالي 500 نفق تم إحصاؤها في هذه المنطقة.
خلال الأسابيع الثلاثة من المعارك، قُتل نحو 1400 فلسطيني، وثلاثة مدنيين و10 جنود من الجانب الإسرائيلي.
2014: عملية “الجرف الصامد” لتدمير الأنفاق
بدأت هذه العملية في 8 يوليو/تموز 2014 بقصف إسرائيلي استهدف غزة وخلّف مقتل نحو 240 فلسطينيا، فيما أطلقت حماس عدة آلاف من الصواريخ على الدولة العبرية ما أدى لمقتل إسرائيلي. بادرت مصر بالوساطة بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار تقبله الجانب الإسرائيلي لكن رفضته حماس. على إثر ذلك، قرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في 17 يوليو/تموز شن هجوم بري جديد على القطاع.
على غرار عمليتها البرية السابقة “الرصاص المصبوب”، كانت إسرائيل تسعى من خلال الهجوم البري الجديد “الجرف الصامد” إلى وضع حد لإطلاق الصواريخ من غزة باتجاه مستوطناتها الجنوبية، لكنها استهدفت في هذه المرة بشكل خاص شبكة الأنفاق التي تربط بين القطاع والدولة العبرية.
اقرأ أيضا“فكرة اشتراكية”…كيبوتس “البيت” المشترك للآلاف من الإسرائيليين
وضعت الحرب أوزارها في غزة بتاريخ 26 أغسطس/آب 2014 مع الإعلان عن وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية برعاية مصرية. وإلى جانب وقف الأعمال العدائية، نصّت بنود الاتفاق على تخفيف الحصار المفروض على غزة، إعادة فتح المعابر بين إسرائيل والقطاع، السماح بإيصال المساعدات الإنسانية، وأيضا توسيع منطقة الصيد البحري في غزة.
يبقى أن تلك العملية التي استمرت خمسين يوما كانت بالنسبة للفلسطينيين الأكثر دموية حتى الآن (وفق آخر حصيلة السبت 14 أكتوبر/تشرين الأول)، مع مقتل أكثر من 2250 شخصا معظمهم من المدنيين. فيما قُتل في الجانب الإسرائيلي 73 شخصا بينهم 67 جنديا. أكد الجيش الإسرائيلي أنه دمّر خلال عمليته البرية “الجرف الصامد” 32 نفقا كانت 14 منها توصل إلى الداخل الإسرائيلي.
هذا، وأدت الضربات الإسرائيلية في تلك العملية إلى تضرر زهاء 55 ألف منزل في غزة وتدمير ما لا يقل عن 17 ألف و200 منزل بشكل كلي أو شبه كامل، حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (الأوتشا).