لماذا رفضت الجمعية الوطنية مشروع قانون الهجرة وما الخيار الذي اعتمدته الحكومة بشأنه؟
قدم “أنصار حماية البيئة” الاثنين مقترح رفض لنص مشروع قانون مثير للجدل أمام البرلمان الفرنسي حول الهجرة، وتمت الموافقة على المقترح بفارق خمسة أصوات حتى قبل دراسته في الجمعية الوطنية. وكانت الحكومة قد سعت للحصول على أغلبية لتمرير مشروع القانون علما أنه مثير للخلاف ويعارضه اليمين واليسار على حد سواء. وكرد على الرفض، اعتمدت الحكومة إحالة النص إلى اللجنة المشتركة (CMP) “بأسرع وقت”. ويعد هذا الملف الثاني من حيث الأهمية بعد قانون التقاعد الذي استخدمت المادة 49.3 لتمريره.
نشرت في:
7 دقائق
مني وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان بهزيمة قاسية بشأن مشروع قانون الهجرة المثير للجدل، إذ تمت الموافقة على مقترح لرفضه، تقدم به نواب من “أنصار حماية البيئة” الاثنين 11 ديسمبر/كانون الأول بأغلبية 270 صوتا مقابل 265 صوتًا، ما أوقف تمريره رغم أنه تم تبنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني في مجلس الشيوخ.
وإثر ذلك، قدم دارمانان استقالته إلى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي “رفضها”، حسب الإليزيه، متوقعا مقترحات من الحكومة لرفع “العوائق” و”التوصل إلى نص قانوني فعال”. ودعت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن الوزراء المعنيين ورؤساء المجموعات البرلمانية للأغلبية مساء الاثنين لاجتماع أزمة. ودارمانان، الذي كان واثقا من النجاح في العثور على أغلبية برلمانية حول هذا النص، على الرغم من التحذيرات المتعددة من أحزاب اليسار، لم ينجح في نهاية المطاف في رهانه.
ويعد ملف الهجرة الملف الثاني من حيث الأهمية في البلاد بعد تعديل نظام التقاعد الذي فُرض بتطبيق المادة 49.3 من الدستور وأحدث موجة مظاهرات عارمة.
ما الخيارات المطروحة أمام الحكومة بعد هذه الانتكاسة الجديدة؟
وتم دعم اقتراح الرفض، بالإضافة إلى النواب اليساريين، من النواب الجمهوريين وكذلك التجمع الوطني. وكان أمام الحكومة ثلاثة خيارات لتجاوز هذه المرحلة: السحب الكامل للنص، أو إحالته للقراءة الثانية إلى مجلس الشيوخ، أو انعقاد لجنة مشتركة. وقال دارمانان على قناة TF1 “من الواضح أنه فشل، لأنني أريد أن أعطي الشرطة والدرك والمحافظين والقضاة الوسائل لمكافحة الهجرة غير الشرعية”.
وفي نهاية الأمر، اعتمدت الحكومة الخيار الثالث وهو إحالة النص إلى اللجنة المشتركة (CMP) “بأسرع وقت”. وعادة ما تتكون هذه اللجنة من سبعة نواب وسبعة أعضاء من مجلس الشيوخ.
على ماذا ينص هذا المشروع؟
هو القانون التاسع والعشرون الذي يخص الهجرة في البلاد منذ عام 1980، وبعض مواده تقلق المنظمات الحقوقية التي ترى أن فيه إجراءات “تقوض أكثر حقوق الأجانب”. وهذه المواد الرئيسية هي التالية: اشتراط حيازة إقامة متعددة السنوات بالحصول على مستوى أدنى من التحدث باللغة الفرنسية. منح إقامة خاصة للعاملين في “مهن شاقة” كالعمل في المطاعم والبناء وقيادة وسائل النقل العامة وخدمة كبار السن وغيرها بشرط مضي ثمانية أشهر على العمل فيها والتواجد في البلاد لمدة ثلاث سنوات دون انقطاع، وتكون مدة الإقامة سنة مع عدم منح حق لم شمل عائلات العاملين. زيادة الغرامات بحق المشغلين لعمال لا يملكون أوراق إقامة. سحب الإقامة من الذين “لا يحترمون مبادئ الجمهورية” ويشكلون خطرا على النظام العام. إلغاء الاستفادة من المساعدة الصحية التي تقدمها الدولة للمهاجرين غير النظاميين وتحويلها إلى “مساعدة صحية طارئة”. إلزام البلدان الأصلية للمهاجرين على استقبال رعاياها المطرودين من فرنسا. السماح لبعض العاملين القادمين من “بلدان تحت الخطر” بالعمل فور دراسة ملفاتهم، لكن لم يُكشف عن قوائم هذه الدول.
اقرأ أيضاريبورتاج – فرنسا: “لا يمكننا العلاج بدونها”..مهاجرون يتخوفون من حرمانهم من المساعدات الطبية
ما الاعتراضات بشأنه؟
أرادت الحكومة إرضاء 72% من الفرنسيين الذين يرون أن تحسين إجراءات ضبط الهجرة أمر ضروري، وفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة “أودوكسا” مؤخرا لصالح مجلس الشيوخ العام والصحافة الإقليمية. وحظي مقترح المشروع بتأييد اليمين أكثر من اليسار، لكنه لم يكن كافيا لإرضاء اليمين عموما واليمين المتطرف، الذين يريدان إلغاء المساعدات الطبية المقدمة من الدولة ولا يريدان مطلقا تسوية أوضاع العمال الذين لا يملكون أوراقا. في حين أن اليسار لا يمكنه تجاهل القيود المفروضة على الحصول على تصاريح الإقامة من أجل الرعاية الصحية أو تشديد لم شمل الأسر وكذلك النقاشات السنوية بشأن أعداد المهاجرين السنوية المقرر تسوية أوضاعهم.
والشيء المهم الآخر هو أن الماكرونيين منقسمون بشأن نص القانون، فالجناح اليساري من حزب النهضة الحكومي الذي ينتمي إليه الرئيس ماكرون وعلى رأسه النائب ساشا هوليه، رئيس لجنة القوانين، لم يتقبل كثيرا فكرة التنازلات التي قدمها دارمانان لمجلس الشيوخ ولا سيما فيما يتعلق بالمساعدة الطبية وتسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين وجرم الإقامة غير الشرعية الذي حذفته اللجنة.
وكان هوليه قد أعلن الأحد في صحيفة Les Échos أنه “لدينا خطوط حمراء”، و”من غير المسؤول تجاوز حمضنا النووي السياسي (…). واعتماد النص لا يمكن أن يتم على حساب انقسام الأغلبية”.
أين يكمن الخلل حتى تم رفض مقترح القانون؟
الخلل بداية يكمن في الاختلاف بين النص الذي صوت عليه مجلس الشيوخ والذي تم التوافق على رفضه الاثنين. وهذا يعود إلى الاختلاف في موازين القوى بين مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية. في هذه الأخيرة، الجناح اليساري للغالبية الرئاسية والنواب اليساريين (من الحزب الاشتراكي والخضر والشيوعي وفرنسا الأبية) ألغوا في الفترة من 27 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 2 ديسمبر/كانون الأول مجمل الإجراءات التي كان مجلس الشيوخ قد أدخلها. وهذا ما يفسر التباين في النصوص.
وكان أوليفييه مارليكس، رئيس كتلة الجمهوريين، قد قال بعد الرفض “نطلب من رئيس الجمهورية مراجعة النسخة التي تسلمها (…) والحكومة ملزمة بالعودة إلى نص مجلس الشيوخ المشدد”.
هذا الرفض يهز صورة دارمانان و”يقوض رأسماله السياسي”
يعزو برونو كوتريس، المختص في السياسة في مركز (CEVIPOF) المختص في الأبحاث والعلوم السياسية، الأمر إلى إنه “من الصعب للغاية التوصل إلى توافق بالآراء بشأن الهجرة، فهي نقطة خلاف رئيسية بين اليمين واليسار”، ويكشف هذا النوع من المواضيع “التناقضات في حزب الرئيس ماكرون”. أما بالنسبة لدارمانان، الذي كان يأمل في تحقيق انتصار بتمرير القانون كما فعل قدوته الرئيس السابق ساركوزي في عهده، فإن رفض تمرير المشروع يعد فشلا سياسيا. وبما أن رئيسة الوزراء إليزابيت بورن هي التي طلبت منه الحصول على الأغلبية، فإنه يعلم أن رفض المشروع يكاد يكون أكثر ضرراً من اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور -التي تم اعتمادها سابقا في ملف تعديل قوانين التقاعد لاعتماد النص.
لكن هذا الرفض لقانون الهجرة في الجمعية الوطنية محرج قبل كل شيء للسلطة التنفيذية ككل، وخاصة لإليزابيت بورن، التي تخاطر، إذا كانت تنوي اعتماد هذا النص على الرغم من كل شيء، بالاضطرار إلى استخدام المادة 49.3 مرة أخرى خلال عام ونصف. وهذا كاف لإثارة مشاكل سياسية خطيرة، وخاصة بعد استخدامه المثير للجدال في الربيع بشأن تعديل نظام التقاعد.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.