“تسعة آلاف دولار”.. مبلغ يضطر الفلسطينيون لدفعه لوسطاء لمغادرة قطاع غزة
منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، يحاول فلسطينيون يائسين مغادرة قطاع غزة عبر المعبر الحدودي البري في رفح مع مصر. ولكن تراخيص مغادرة الجيب الفلسطيني تبقى نادرة جدا ويجب على سكانه “دفع رشاوى” لوسطاء لديهم قنوات تواصل مع السلطات المصرية، وفق شهادات جمعها فريق تحرير مراقبون.
نشرت في:
6 دقائق
“يجب دفع تسعة آلاف دولار (نحو 8 آلاف يورو) عن كل شخص ليري اسمه في قائمة الأشخاص الذي يسمح لها مغادرة غزة” وفق شهادة أحد سكان القطاع الذي تواصل معه فريق تحرير مراسلون فرانس24 (عبر محادثات في تطبيق واتساب). وعلى غرار هذا الشخص، أطلق مئات الأشخاص حملات تبرع على الإنترنت أملا في جمع المبلغ المطلوب حتى يتمكنوا من الحصول على ترخيص المغادرة المنشود.
وتجدر الإشارة إلى أن معدلات الرواتب الشهرية في قطاع غزة تتراوح بين 500 و600 دولار (أي ما بين 460 و560 يورو).
لأي طرف يتم دفع هذا المبلغ؟ يتعلق الأمر بوسطاء، الذي يؤكد شهود، أنهم يطالبون بمبالغ أكبر شيئا فشئيا منذ بداية الحرب.
ويطلق على هذه الطريقة المعروفة لدى الفلسطينيين اسم “التنسيقات المصرية”.
“إذا ما تحدثت عن الموضوع، يتم وضع اسمك في قائمة سوداء”
محمد صبري صحافي مصري مختص في التحقيقات الاستقصائية الذي عمل على هذا الموضوع، يندد بـ”ممارسات فسادة على نطاق واسع” حيث يقول:
إنهم أناس يعيشون وضعا صعبا وجدوا أنفسهم مضطرين للتعامل مع وسطاء، إنهم يتاجرون في مآسي الناس. من جرحى وأشخاص مصابين بأمراض مستعصية على غرار السرطان، إنهم أشخاص يحاولون مغادرة قطاع غزة في أسرع وقت ممكن.
إذا ما دفعت المبلغ المطلوب، يتم نشر اسمك في القائمة الرسمية الموجودة في معبر رفح الحدودي بطريقة سريعة نسبيا.
تتداخل عدة أجهزة في هذه الممارسات: يتعلق الأمر بمصلحة جوزات السفر والهجرة والجيش ومصالح المخابرات إضافة إلى أجهزة أخرى.
هذه الممارسات معلومة من الجميع. وفي نفس الوقت، هناك صمت مطبق على الموضوع، وإذا ما تحدثت عنه، يتم وضع اسمك في قائمة سوداء للأشخاص اللذين يمنع عليهم مغادرة قطاع غزة.
منذ بداية الحرب في غزة، تمكن نحو 6 آلاف فلسطيني من مغادرة القطاع (فريق التحرير: لم يتمكن فريق تحرير مراقبون من التحقق من هذا الأرقام من مصدر مستقل).
وتنشر إدارة معبر رفح الحدودي بشكل مستمر عبر موقعها على الإنترنت قوائم الأشخاص الذي يسمح لهم مغادرة الجيب الفلسطيني.
ويتعلق الأمر بالخصوص بفلسطينيين يملكون جنسية أخرى يمكن أن تتم عملية إجلاءهم بفضل تدخل البلدان التي يملكون جنسيتها أو أصيبوا بجروح بالغة تتطلب علاجا عاجلا.
وفيما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين لا يملكون سوى الجنسية الفلسطينية، يتطلب الأمر منهم إذا دفع مبلغ لشبكات الوسطاء. يتم نشر أسماءهم فيما بعد بدورهم على موقع معبر رفح الحدودي على الإنترنت، وبالتحديد في قوائم إجلاء المواطنين الفلسطينيين وفق شهادات غزيين.
ولا تعد هذه الممارسة أمرا جديدا: بل يعود تاريخ رواجها إلى بداية الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ سنة 2007، وفق توضيح مواطن فلسطيني أصيل قطاع غزة يقيم اليوم في إحدى الدول الأوربية حيث يقول:
لدي صديق غادر قطاع غزة في سنة 2017، وذلك سبب حصوله على منحة للدراسة في الخارج. في تلك الفترة، إذا ما أردت الخروج من القطاع، يتوجب عليك تقديم طلب لوزارة الداخلية الفلسطينية. ولكن نهاية الإجراءات الإدارية قد تتطلب عدة أشهر. وبما أنه كان مستعجلا للخروج، تطلب الأمر التوجه إلى سوق السوداء التي يديرها الوسطاء.
يتم تداول هذه الطريقة بشكل شفاهي بين الناس. وتوجه للقاء وسيط يملكن قنوات تواصل مع مصالح المخابرات المصرية. وأخذ الوسيط صورة من جواز سفره وقام بإرساله للأشخاص الذين يعرفهم. وفي غضون بضعة أسابيع، ظهر اسمه في قائمة الأشخاص الذي يسمح لهم بمغادرة القطاع عبر معبر رفح الحدودي.
وفي سنة 2017، كانت كلفة “رخصة الخروج” هذه تصل إلى ما بين ألفين و3 آلاف دولار (أي ما بين 1800 و2700 يورو).
وفي سنة 2020، أصبحت هذه الممارسات رائجة بشكل كبير إلى درجة أن وكالة “سياحة” أصبحت تقترح التكفل بهذه الخدمة. يوجد عملاء انطلاقا من شوارع غزة وصولا إلى القاهرة يقترحون “تسهيل ” تنقل الفلسطينيين الذين يريدون مغادرة القطاع.
ولكن مع بداية الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر، اضطرت هذه الوكالات السياحية لإغلاق أبوابها.
بالموازاة مع ذلك، ارتفعت كلفة “التنسيقات” بشكل كبير جدا لتصل إلى 9 آلاف دولار (أي نحو 8 آلاف يورو) عن كل شخص.
وتواصل فريق تحرير مراقبون فرانس24 مع عدد كبير من سكان غزة وأقربائهم من الذين أطلقوا حملات تبرع للتمكن من مغادرة القطاع. ولكن هؤلاء لم يرغبوا في تقديم شهادتهم مؤكدين أنه في حال تم التحدث عن هذه الممارسات في وسائل الإعلام، فسيتم تعليقها وبالتالي تتبخر فرص أقربائهم في مغادرة الجيب الفلسطيني.
“يوجد وسطاء في أوروبا أيضا”
في اتصال مع فريق تحرير مراقبون فرانس24، يقول فلسطيني من قطاع غزة يعيش في فرنسا ويحاول إخلاء أمه العالقة في القطاع، أنه في حيرة من أمره:
من جهة، لدينا رغبة في التنديد بهذه الممارسات، من جهة أخرى، نتخوف من أن يغيب هؤلاء الوسطاء، لأن ذلك سيصعب من مهمتنا.
أنا نفسي دفعت مبلغا لوسيط في فرنسا لأنه يوجد أيضا وسطاء في القارة الأوروبية. ويجب دفع المبلغ نقدا لأن ذلك لن يترك أي أثر.
في المقابل، أشعر بقلق من توقفها. إذ يبدو لي أن عملية إجلاء الفلسطينيين من قطاع غزة توقفت منذ كشفت وسائل إعلام هذه الممارسات خصوصا صحيفة ذي غارديان البريطانية.
ولم تنشر صفحة الهيئة التي تدير معبر رفح الحدودي الذي يربط قطاع غزة بمصر على فيس بوك أي قائمة منذ 11 كانون الثاني/يناير الجاري الماضي، بعد أن كانت تنشر قائمة بشكل يومي تقريبا.
وحاول فريق تحرير مراقبون فرانس24 التواصل مع هيئة الاستعلامات العامة التابعة لرئاسة الجمهورية المصرية للحصول على رد منها بخصوص هذه الاتهامات، لكنها لم ترد على تساؤلاتنا.
وفي قطاع غزة، قتل أكثر من 24 شخص منذ بدء القصف والعمليات البرية العسكرية التي تشنها إسرائيل في الجيش الإسرائيلي، معظمهم من النساء والأطفال والمراهقين، حسب وزارة الصحة التابعة لحماس التي تحكم القطاع منذ عدة سنوات.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.