ما هي كلمات الله التي لا تتبدل؟
ما هي كلمات الله التي لا تتبدل؟ إنها سنن الله في كونه. كلمات الله هي شرائعه وقوانينه وسننه. كلمات الله هي وعوده سبحانه لعباده الصالحين المجاهدين، بالدعم والتأييد ثم انتهاء بالنصر.
هكذا هي الأمور والسنن تجري. هكذا يخاطب الله تعالى نبيه الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وأن ما أصابه من التكذيب والإيذاء، قد أصاب إخوانه الأنبياء والرسل الذين سبقوه على طريق الدعوة، فيطلب منه ألا يبتئس ولا يحزن، فالنصر حليفه آخر المطاف { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين } (الأنعام : 34).
إنها تسلية للنبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – كما جاء في تفسير ابن كثير – وتعزية له فيمن كذبه من قومه، وفي الوقت ذاته أمرٌ له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ووعدٌ إلهي له بالنصر كما نُصروا، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة، بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم وأذى بليغ لا يوصف، ثم جاءهم نهاية الأمر والمطاف، النصر في الدنيا، كما لهم النصر في الآخرة؛ ولهذا قال سبحانه { ولا مبدل لكلمات الله } أي: التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين، كما قال { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون }.
إنما يستجيب الذين يسمعـون
بكلمات الله اطمأنت قلوب الأنبياء والمرسلين، ولابد أن تطمئن من بعدهم قلوب المصلحين في كل زمان ومكان، وأنهم منصورون لا محالة – بحسب كلمات الله – التي لا تتبدل ولا تتغير بتغير الزمان والمكان. المكذبون والمعترضون والتافهون الذين يقفون أمام أصحاب الدعوات العظيمة، هدفهم تعطيل تلك الدعوات والتشويش عليها لحين من الزمن لا يطول، ولذلك نجد في القرآن آيات كثيرة يُطَمْئنُ الله من خلالها رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم – بألا يحزن ولا يغتم لتكذيب كثيرين من الكفار له، أو لأنهم لا ينصتون ولا يسمعون لدعوته وهديه.
لا تحزن يا محمد، فإن كلامي وهديي لا يستجيب له إلا الذين لهم قلوب تتأمل وتتفكر وتتمعن. إنهم من يسمعونك ويستجيبون لك، على عكس الكفار، الذين هم والموتى سواء. لا يسمعون ولا يستجيبون.
لا يكبُرنّ عليك إعراض هؤلاء المعرضين عنك يا محمد – كما جاء في تفسير الطبري – وعن الاستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربّهم والإقرار بنبوّتك، فإنه لا يستجيب لدعائك إلى ما تدعوه إليه من ذلك، إلا الذين فتح الله أسماعهم للإصغاء إلى الحق، وسهَّل لهم اتباع الرُّشد، دون من ختم الله على سمعه، فلا يفقه من دعائك إياه إلى الله وإلى اتباع الحق إلا ما تفقه الأنعام من أصوات رُعاتها، فهم كما وصفهم به الله تعالى ذكره {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (البقرة : 171).
ويتابع الطبري بقوله (والموتى يبعثهم الله) يقول: والكفارُ يبعثهم الله مع الموتى، فجعلهم الله تعالى في عداد الموتى الذين لا يسمعون صوتاً، ولا يعقلون دعاء، ولا يفقهون قولاً إذ كانوا لا يتدبرون حُجج الله، ولا يعتبرون آياته، ولا يتذكرون فينـزجرون عما هم عليه من تكذيب رُسل الله وخلافهم.
إنّا لنراك في سفاهة
ما أسفه قوم يتهمون أحكمهم وأعقلهم وأكثرهم حباً وسعياً لعمل الخير وابتغاء الصلاح لهم.. ها هم أولاء قوم عاد، ما أتعسهم حين لم يجدوا ما يواجهون به نبي الله هود، عليه السلام، إلا أن يتهمونه بالسفاهة وقلة العلم والعقل. يدعوهم إلى الرشاد والصلاح لا يبتغي مصلحة مادية دنيوية، ويناديهم بما نادى به الأنبياء قبله { إنّي لكُم رسولٌ أَمينٌ * فاتقوا اللَّه وأَطيعُون * وما أَسأَلُكُم علَيه من أجر إِنْ أَجري إِلا على رب العَالمين} ( الشعراء: 107 – 109 ).
لكن رغم ذلك، ولأن البصيرة قد عميت عند علية القوم على وجه التحديد، قابلوا الإحسان وحب الخير، بالإساءة إلى خير الناس عندهم يومئذ. فاتهموه بالسفاهة وخفة العقل، شأن أي متكبر جبار لا يسمع غير نفسه، ولا يرى أحداً سواه. { قال الملَأُ الذينَ كَفروا من قوْمه إِنَّا لَنراكَ في سفاهةٍ وإِنَّا لَنَظُنّك من الكاذبينَ} (الأعراف : 66). هكذا دون حياء ودون خجل. يتهمونه بالكذب والسفاهة، وقد كانوا هم أنفسهم رموزاً للسفاهة والكذب والحمق، تمشي على الأرض.
هل هناك أسفه وأحمق من شخص يعطل عقله ويتقرب إلى وثن من حجر وشجر وغيرها من أوثان متنوعة؟ وهل هناك أكذب وأشر من لسان لا ينطق حقاً ولا كلمة هدى أو صلاح؟ فهكذا كانوا قديماً وما أكثرهم، وهكذا هم يزدادون إلى يوم الناس هذا، ولا أحسبُ أن هذا النوع المجحف والجاحد سينقرض قريباً.
سترى حولك أمثال الأنبياء، في دعواتهم للخير والصلاح. وسترى بالمقابل من يتربص بهم ويتعقبهم ويتهمهم بكل أنواع التهم، بل ربما يتجاوز الأمر إلى ما هو أشر وأنكى.. فهكذا الصراع بين الخير والباطل، مستمر إلى ساعة فناء وانتهاء هذا الحياة. فمن عمل مثقال ذرة من خير أو شر، فسيرى نتائجها غير منقوصة في الدار الآخرة، ولا يظلم ربك أحدا.
يمكن في ختام هذا الحديث الموجز أن نجمل القول في أن كلمات الله التي لا تتبدل ولا تتغير بتغير الزمان والمكان، هي بمثابة شحنات إيجابية دافعة للعمل، يعزز بها المصلحون والدعاة مهامهم، وتدفعهم للاستمرار على دروب الأنبياء والمرسلين، فإنهم منصورون لا محالة، كما انتصر الله لأنبيائه ورسله الكرام. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.