المظلوم .. من هو؟ ماذا يفعل؟ وكيف تكون نصرته؟
تعد قضية “المظلوم” من القضايا الإنسانية التي تمتد جذورها عبر تاريخ البشرية، وتبقى دائمًا موضوعًا حساسًا يعكس طبيعة العلاقات البشرية. المظلوم هو الشخص الذي تعرض للظلم والجور، وهو بحاجة إلى من ينصره ويرفع عنه الأذى. وقد اهتمت الأديان السماوية وفي مقدمتها الإسلام بنصرة المظلوم وتأكيد أهمية العدالة والإنصاف في المجتمع. في هذا المقال، سنتناول من هو المظلوم، وكيف يأخذ حقه من الظالم، وماذا قال الله عنه، وكيف يرد حقه، وكيف تكون نصرته في الإسلام، وماهو جزاء الظالم في الدنيا والآخرة؟ وما هي الأساليب المتاحة للمظلوم في مواجهة الظلم، مع الاستناد إلى النصوص الدينية والأدبية التي تحدثت عن هذا الموضوع.
في الحياة اليومية، يتعرض الإنسان لمواقف صعبة قد يشعر فيها بالظلم. الظلم هو أحد أعظم الجرائم التي تُرتكب ضد الأفراد والمجتمعات، حيث يتسبب في الألم النفسي والجسدي، ويترك أثراً عميقاً في القلوب. يُعدّ الشخص الذي يتعرض للظلم من الفئات التي أوصت جميع الأديان السماوية والمجتمعات الإنسانية بالدفاع عنها ونصرتها، وللإسلام موقف مميز وحازم في دعم المظلومين والتحذير من عواقب الظلم.
من هو المظلوم؟
المظلوم هو الشخص الذي يتعرض للظلم بأي شكل من الأشكال، سواء كان ظلمًا ماديًا أو معنويًا. يمكن أن يكون الظلم في مجالات مختلفة مثل الحقوق المالية، أو الاجتماعية، أو حتى الاعتبارية. إن الإنسان قد يُحرم من حقوقه أو يُنتقص من شأنه أو يُسلب أمواله أو كرامته بدون وجه حق. وقد يأتي الظلم من الأفراد، المؤسسات، أو حتى الأنظمة.
الشخص الذي يتعرض للظلم هو الشخص الذي سُلبت حقوقه أو تعرض لأذى من قِبل الظالم دون وجه حق. الشخص الذي يتعرض للظلم قد يكون ضحية للظلم في مختلف المجالات: الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، أو حتى الشخصية. فالظلم لا يقتصر على نوع معين من الفعل، بل يمكن أن يتجلى في القول أو العمل أو حتى المشاعر المكبوتة التي قد تنعكس سلبًا على الشخص. وما يميز الشخص الذي يتعرض للظلم أنه قد لا يكون له القدرة على الدفاع عن نفسه أو استرجاع حقه بالقوة، لذا يبقى ملتجئاً إلى الله والقانون للدفاع عنه ورد الظلم عنه.
والظلم هو تجاوز الحد المشروع والمساس بحقوق الآخرين. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: { إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } (آل عمران: 57)، وهذا تأكيد على أن الظلم مرفوض دينيًا وأخلاقيًا، وأن الشخص الذي يتعرض للظلم يستحق الدعم والمساندة لاسترداد حقه.
كيف يأخذ المظلوم حقه من الظالم؟
الحق حقٌ لا يضيع مهما طال الزمن. هناك عدة وسائل يمكن أن يستعيد بها المظلوم حقه من الظالم. أولاً، يسعى الشخص الذي يتعرض للظلم إلى العدالة القانونية التي تفرضها الدولة أو النظام القضائي، حيث تُعرض قضيته على المحاكم ليتمكن من الحصول على حكم ينصفه. ثانيًا، الدعاء إلى الله وهو الملاذ الأول والأخير للمظلومين. فعندما يعجز الإنسان عن تحقيق العدالة بنفسه، يلجأ إلى الله تعالى، الذي لا تخفى عليه مظلمة، ويستجيب لدعوات المظلومين.
في بعض الأحيان، قد لا يستطيع الإنسان استرداد حقه بشكل فوري من خلال القنوات القانونية، وهذا يدفعه إلى التمسك بالصبر والثقة بالله، الذي قد يجعل الظالم يندم على أفعاله أو يضع في طريق الشخص الذي يتعرض للظلم فرصًا لاسترداد حقه بطرق أخرى.
يعاني الإنسان من الألم والضيق نتيجة الظلم الذي تعرض له، إلا أن الإسلام يوجهه إلى السبل الشرعية لاسترداد حقه. في بعض الأحيان، يمكن للمظلوم أن يسترد حقه بالقانون أو القضاء، حيث ينظر في قضيته القضاة ليقرروا بشأنها. الإسلام يشدد على أهمية التحاكم إلى الشريعة أو القانون في مثل هذه الحالات لضمان العدالة.
في حالة عدم قدرة الإنسان على أخذ حقه من الظالم بطرق قانونية أو رسمية، فإن الله يعده بأن حقه سيُرد له في الدنيا أو في الآخرة. كما أن الدعاء يعتبر سلاحًا قويًا للمظلوم، حيث يدعو الله ليعاقب الظالم أو يرد له حقه. قال النبي محمد ﷺ: “اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تُحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين” (رواه البخاري).
ما هو دعاء المظلوم على الظالم؟
الدعاء يعتبر وسيلة قوية يلجأ إليها من يتعرض للظلم حينما يشعر بالعجز عن استرداد حقه بيده. الإسلام يُعلمنا أن دعاء المظلوم مستجاب ولا يُرد، حتى ولو كان المظلوم غير مسلم، فإن دعوته على الظالم تجد طريقها إلى السماء.
من الأدعية التي يمكن أن يدعو بها المظلوم: “اللهم إني مغلوب فانتصر”، “اللهم خذ لي حقي من فلان”، و”اللهم اجعل كيد الظالم في نحره”. الدعاء يُعبر عن الاستعانة بالله وحده في استرداد الحق، وهو شكل من أشكال التعبير عن الثقة في عدالة الله.
الدعاء هو سلاح المؤمن، ولا سيما المظلوم، الذي يستنجد بالله لينصفه من ظالمه. ويمكن أن يكون دعاء الشخص الذي يتعرض للظلم بسيطاً وعميقاً في نفس الوقت؛ حيث يكفي أن يرفع المظلوم يديه إلى السماء ويطلب من الله أن يرفع عنه الظلم ويعيد له حقه. ولقد ورد في الحديث الشريف: “اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرار”، وهذا يبيّن كيف أن دعاء المظلوم له وقع عظيم عند الله سبحانه وتعالى، إذ يُعتبر من الأدعية المستجابة بسرعة.
كيف يرد الله حق المظلوم في الدنيا؟
الله عز وجل وعد بنصرة المظلومين ورد حقوقهم، سواء في الدنيا أو في الآخرة. ومن أهم الوسائل التي يرد بها الله حق من يتعرض للظلم هي أن يجعل الظالم يعيش في حالة من عدم الاستقرار والقلق الدائم حتى يعترف بذنبه ويعيد الحق إلى صاحبه. كذلك، قد يمنح الله المظلوم الصبر والقوة لتحمل الظلم، وفي نفس الوقت يجعل الظروف مواتية لاسترداد حقه بطرق غير متوقعة. قد تتجلى نصرة الله للمظلوم في فتح أبواب الخير له وتعويضه بما هو أفضل مما فقده.
الله سبحانه وتعالى عادل ولا يترك حق المظلوم ضائعًا. قد يرد الله حق الشخص الذي يتعرض للظلم في الدنيا بطرق متعددة، سواء برفع الظلم عنه أو بمجازاة الظالم عاجلاً. قد يعاني الظالم من مصائب وصعوبات في حياته تكون بمثابة عقوبة إلهية على ظلمه، أو قد يتحقق العدل من خلال وسائل بشرية مثل القضاء أو الوساطة.
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ } (إبراهيم: 42). هذا يشير إلى أن الله قد يمهل الظالم لكنه لا يهمله، وفي النهاية ينال كل فرد جزاءه.
متى يأخذ الله حق المظلوم؟
يأخذ الله حق المظلوم في الوقت الذي يراه مناسبًا، فقد يحدث ذلك في الدنيا أو يؤجل إلى الآخرة، حيث العدالة الإلهية التي لا تخطئ. ففي بعض الأحيان، يتأخر العقاب الإلهي على الظالم ليمنحه فرصة للتوبة، ولكن إذا استمر الظالم في ظلمه، فإن العقوبة حتمية. وفي كل الأحوال، يظل الله مطلعاً على كل شيء، ولا يُضيع دعاء المظلومين أو حقوقهم.
قال الله تعالى في القرآن الكريم: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} (إبراهيم: 42)، وهذه الآية تؤكد أن الله يرى كل شيء، وأن حقوق المظلومين محفوظة لديه، وسيأتي اليوم الذي يأخذ فيه المظلوم حقه.
الحق الإلهي يأتي دائما في وقته المناسب، وقد يكون – كما قلنا – في الدنيا أو في الآخرة. الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، ويمد الظالم بالحياة ليختبره، لكنه يعاقبه عندما يحين وقت الحساب. يمكن أن يأخذ الله حق المظلوم في الدنيا عندما ينزل بالظالم عقوبة عاجلة، أو قد يتأخر الحساب إلى يوم القيامة حيث تكون العقوبة أبدية.
يُفهم من النصوص الدينية أن الشخص الذي يتعرض للظلم عليه أن يصبر ويثق بأن الله سيأخذ حقه في الوقت المناسب. النبي محمد ﷺ كان يدعو إلى الصبر على الظلم والتأكيد بأن الله سيجعل له مخرجًا: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 153).
ماذا يفعل المظلوم المقهور؟
الشخص المقهور الذي يتعرض للظلم والذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه أمام الظلم قد يشعر بالحزن واليأس، ولكنه مطالب بالصبر والاحتساب إلى الله، وعدم الرد بالظلم أو الانتقام بنفسه. يمكن للمظلوم المقهور أن يلجأ إلى الدعاء والابتهال إلى الله تعالى، طالبًا منه العون والتوفيق في استرجاع حقوقه.
المقهور يجد نفسه في وضع صعب، فقد لا يتمكن من استرداد حقه بيده. إلا أن الإسلام يدعوه إلى التحلي بالصبر والثقة في عدالة الله. الصبر هو أحد أعظم فضائل الإسلام التي يجب على من يتعرض للظلم التحلي بها. بالإضافة إلى الصبر، يمكن للمظلوم أن يلجأ إلى الله بالدعاء والتضرع، ويسعى للحصول على حقه بطرق قانونية إذا كان ذلك متاحًا.
على الشخص الذي يتعرض للظلم أيضًا أن يجتنب الظلم في رد فعله، فلا يجوز له أن يقابل الظلم بالظلم. يقول الله في القرآن الكريم: ر وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (فصلت: 34).
ماذا قال الله عن الشخص الذي يتعرض للظلم ؟
تحدث الله في العديد من آيات القرآن الكريم عن الذي يتعرض للظلم وحقه. أبرز ما جاء في القرآن هو التأكيد على أن الله ينصر المظلوم ويعاقب الظالم. يقول الله في سورة الشورى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَؤ (الشورى: 39)، وهذا يعكس حق المظلوم في الدفاع عن نفسه.
الله أيضًا يعزز من مكانة من يتعرض للظلم بالدعاء له بالنصر والعون، ويأمر المؤمنين بنصرة المظلوم في جميع الأحوال. الإسلام جاء لتحقيق العدالة وإنصاف الضعيف، وبالتالي، لا يمكن أن يُترك المظلوم بدون نصير.
ما جزاء الظالم في الدنيا والآخرة؟
الظالم في الدنيا قد ينجو لبعض الوقت من العقوبة، لكنه في نهاية المطاف ينال جزاءه في الدنيا أو الآخرة أو في كليهما. في الدنيا، قد يصيبه البلاء والمصائب جزاءً لظلمه، أو قد يُفضح أمام الناس، فيفقد سمعته ومكانته. أما في الآخرة، فإن العقوبة ستكون أعظم وأشد، حيث يُحاسب الظالم على كل ظلمه ويتحمل تبعات أفعاله.
الله تعالى يقول في القرآن: { إِنَّ الْظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الشورى: 45). في الآخرة، لن يستطيع الظالم الهروب من الحساب، وسيكون عذابه مضاعفًا لأنه لم يكتف بظلم نفسه بل ظلم الآخرين.
كيف تكون نصرة المظلوم في الإسلام؟
نصرة المظلوم في الإسلام واجب ديني وأخلاقي. النبي ﷺ قال: “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا”، قيل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، فكيف أنصره إذا كان ظالمًا؟ قال: “تأخذ فوق يده” (رواه البخاري). هذا الحديث يوضح أن النصرة لا تعني بالضرورة القوة الجسدية، بل العمل على إيقاف الظالم عن ظلمه وإرجاع الحق إلى الشخص الذي يتعرض للظلم .
كما أن نصرة من يتعرض للظلم تشمل تقديم العون المادي والمعنوي، والتحدث باسمه في المحافل المختلفة، والعمل على تطبيق العدالة.
3 من أجمل ما قيل في نصرة المظلوم
من أروع ما قيل في نصرة الشخص الذي يتعرض للظلم:
- قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟” هذه العبارة تعبر عن أن العدل هو الأساس في التعامل مع الآخرين، وأن الظلم لا يمكن أن يُقبل تحت أي ظرف.
- قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “كن للظالم خصمًا وللمظلوم عونًا.
- انصر أخاك ظالما أو مظلوما. ورد في “صحيح البخاري” في باب المظالم عن أنس رضي الله عنه بالنص التالي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
خلاصة
إن المظلوم، وإن شعر بالعجز والألم، فإن له ملجأ في الله الذي لا يضيع حقه أبدًا. من يتعرض للظلم له مكانة عظيمة في الدين الإسلامي، وقد وعد الله بالقصاص من الظالمين ونصرة المظلومين. على المظلوم أن يتحلى بالصبر، وأن يدعو الله بالفرج والنصر، وعلى المجتمع أن يكون منصفًا ويقف بجانب المظلوم لتحقيق العدالة.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.