تونس تنفذ حملة أمنية ضد المهاجرين في صفاقس وتنقلهم إلى غابات العامرة وجبنيانة
نفّذت السلطات التونسية الأحد حملة أمنية استهدفت المهاجرين غير النظاميين المتواجدين في وسط مدينة صفاقس شرق البلاد، تم على إثرها نقل المئات منهم إلى مناطق غابية في بلدات مجاورة، حسبما قالت لفرانس24 مصادر محلية، أشارت أيضا إلى أن هذه الحملة جاءت في سياق أحداث جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي شهدت مؤخرا توافد الآلاف من المهاجرين.
نشرت في:
8 دقائق
قامت السلطات التونسية الأحد بإخلاء ساحة عامة وسط مدينة صفاقس شرق البلاد، كان قد اتخذها مئات المهاجرين غير النظاميين مكانا للإقامة، بعد طردهم من منازلهم قبل أكثر من شهرين ردا على مقتل مواطن تونسي بيد مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء.
وفي مطلع يوليو/تموز، طُرد مئات المهاجرين من صفاقس بعد اشتباكات مع السكان، ما تسبب في وفاة تونسي. وفي الأيام التالية، نقلت الشرطة نحو ألفي مهاجر على الأقل وفقا لمنظمات، إلى الحدود مع ليبيا والجزائر وتركوا في الصحراء والمناطق المعزولة.
“لضرب الوسطاء الذين يتاجرون بالأرواح”
وعن الحملة الأمنية الأخيرة، قال المتحدث الرسمي باسم “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” رمضان بن عمر لوكالة الأنباء الفرنسية: “أخلت قوات الأمن صباح اليوم (الأحد) ساحة كبيرة كان يتواجد بها نحو 500 مهاجر وسط مدينة صفاقس”. مضيفا: “تم دفعهم للتفرق على شكل مجموعات صغيرة تنقلت في اتجاه مناطق ريفية وفي اتجاه مدن أخرى”.
وكان المهاجرون وغالبيتهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء قد استقروا في ساحة “باب الجبلي” وسط مدينة صفاقس إثر حملة اعتقالات وطرد من قبل قوات الأمن والأهالي.
كما شنّت السلطات الأمنية في محافظة صفاقس حملة واسعة على المهاجرين والمهربين السبت والأحد أسفرت عن “ضبط ما يقارب عن 200 مهاجر من جنسيات أفريقيا جنوب الصحراء يستعدون لتنظيم عملية اجتياز، كما تم حجز 6 قوارب” حسبما قال الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبابلي، مؤكدا بأن “الهدف هو ضرب الوسطاء الذين يتاجرون بأرواح الناس”.
وتعد صفاقس نقطة الانطلاق الأولى للمهاجرين بشكل عام بمن فيهم التونسيين، في عمليات هجرة غير قانونية نحو سواحل أوروبا.
اقرأ أيضاتونس – ليبيا.. أي استراتيجية لمكافحة الهجرة غير النظامية؟
واللافت، هو أن الحملة الأمنية في تونس قد أعقبت التدفق الهائل لآلاف المهاجرين على جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، التي قال عمدتها فيليبو مانينو الخميس: “في الساعات الثماني والأربعين الماضية، وصل حوالي سبعة آلاف إلى لامبيدوزا، التي ترحب بهم دائما بأذرع مفتوحة”.
أتبع ذلك إصدار الحكومة الإيطالية الإثنين تدابير جديدة للحد من تدفق المهاجرين، عبر إنشاء المزيد من مراكز الاحتجاز وزيادة فترة اعتقال المهاجرين غير النظاميين.
يوضح نور الدين مباركي مراسل فرانس24 في تونس، بأن “حملة أمنية واسعة شاركت فيها مختلف الوحدات استهدفت تواجد المهاجرين غير النظاميين من جنسيات أفريقية وسط مدينة صفاقس من جهة، وأيضا منظمي عمليات الهجرة والوسطاء. تم على إثرها إجلاء المئات من المهاجرين ونقلهم إلى مدن قريبة من صفاقس، وهي العامرة وجبنيانة، إلى جانب توقيف عدد من منظمي عمليات الهجرة”.
من صفاقس إلى غابات العامرة وجبنيانة
وقال مراسلنا أيضا: “في العامرة، تم وضعهم في غابات الزيتون، ما أثار انتقادات المنظمات الحقوقية التي دانت هذا التعاطي مع المهاجرين، معتبرة بأنه كان من المفروض أن يتم توفير مراكز إيواء تضمن الحد الأدنى من الحقوق. كما شهدت العامرة الأحد حالة احتقان بسبب رفض الأهالي حل أزمة صفاقس على حسابهم. لكن الوضع هادئ حاليا حيث هناك نوع من المفاوضات بين ممثلين من المجتمع المدني والسلطات للتوصل إلى حل ما. يؤكد الأهالي بأن هناك المئات من المهاجرين أصلا ويضاف إليهم المهاجرون الذين نقلوا من صفاقس، ما يهدد الأمن السلمي للمدينة حسب قولهم. وفي جبنيانة الوضع هادئ حيث تم وضع المهاجرين أيضا في الغابات والمناطق الفلاحية”.
وتابع مباركي: “تحدثت بعض التقارير الإعلامية المحلية عما سمّته عودة الخطاب العنصري ضد المهاجرين، لكن من خلال تواصلي مع مكونات المجتمع المدني فإن السكان يرون أن الإشكال ليس مع المهاجرين بل مع السلطات. وتعتبر العامرة مهمة للتوجه إلى إيطاليا حيث إنها النقطة الأخيرة في عمليات الهجرة غير النظامية نحو إيطاليا”.
“المهاجرون خارج باب الجبلي لا زالوا في مساكنهم”
من جانبه، يرى فتحي بوجناح مراسل إذاعة “موزاييك” في صفاقس، بأن “الحملة الأمنية الأخيرة استهدفت إخلاء فضاء رباط المدينة وفضاء الأم والطفل بمنطقة باب الجبلي التي تعد القلب النابض لصفاقس من الوجود المكثف للمهاجرين من دول جنوب الصحراء الذين اتخذوا من الفضاءين المذكورين مقرا للإقامة، تبعا لذلك تم إخراج هؤلاء من المنطقة. وبالنسبة للسودانيين الذين تنطبق عليهم حالة اللجوء فقد تم نقل بعضهم بحافلات إلى خارج ولاية صفاقس ونقل البعض الآخر منهم إلى معتمدية العامرة، علما بأن السودانيين هم الذين كانوا يتواجدون بفضاء الأم والطفل بباب الجبلي ويشغلونه إلى حين اتخاذ قرار الإخلاء منها”.
أضاف مراسل “موزاييك”: “احتج عدد من أهالي معتمدية العامرة على وصول هؤلاء المهاجرين بحافلات إلى منطقتهم واعترضوا سبيلها رافضين استقبالهم. تدخلت السلطات المحلية والجهوية لإقناعهم بإعادة فتح الطريق. لم نتبلغ بخصوص حدوث اعتداءات طالت هؤلاء المهاجرين والقرار كان فقط إخلاء منطقة باب الجبلي بصفاقس، علما بأن المهاجرين غير النظاميين الذين يوجدون خارج باب الجبلي لم يتم استهدافهم بالترحيل وهم موجودون حاليا بالأحياء والمساكن التي يقطنون بها”.
“ضغط دولي في سياق أحداث لامبيدوزا الإيطالية”
في سياق متصل، أوضحت زهور الحبيب صحافية بالإذاعة الجهوية في صفاقس: “لا زلنا لا نعرف مصير المهاجرين الذين تم نقلهم من صفاقس إلى منطقة العامرة التي تبعد عنها حوالي 30 كلم ولا وجهتهم المقبلة. اليوم، وفي ظل غياب المنظمات الدولية لا توجد إعانات عدا ما يقدمه المواطنون بصفة فردية والهلال الأحمر. وضعية الأفارقة من دول جنوب الصحراء سيئة أيضا لانعدام مساعدات الدولة. بالنسبة للحملات الأمنية المكثفة في جهة صفاقس وآخرها كانت قبل يومين، فهي تمت تحت قيادة المدير العام للأمن الوطني وآمر الحرس الوطني اللذين كانا موجودين. ينوي أغلبية الأفارقة حسب تصريحاتهم الهجرة إلى إيطاليا ودول أوروبا. وقد تم وضعهم في العامرة رغم رفض أغلبية السكان لوجودهم. يتساءل الأهالي لماذا لم يتم إنشاء مخيم أو فضاء يراعي الظروف الاجتماعية وحقوق الإنسان ويتوفر على المرافق الأساسية التي تلبي حاجياتهم”.
كما قالت زهور الحبيب إن “هناك اتفاقية تمنع ترحيل هؤلاء المهاجرين إلا من طالبوا بالعودة إلى بلدانهم الأصلية. لكن اليوم تم إخراجهم من منازلهم رغم أن لديهم مدة من الزمن على تواجدهم فيها خصوصا بأحياء مثل ساحة باب الجبلي، وساحة رباط المدينة بصفاقس. نشير إلى أن الحملة الأمنية الأخيرة جاءت استجابة لمطالب سكان المدينة وبدعوة من بعض نواب الشعب لإبعاد الأفارقة من مركز مدينة صفاقس إلى جهة أخرى”.
اقرأ أيضاالأمين العام للأمم المتحدة يندد بـ”طرد” مهاجرين أفارقة من تونس إلى ليبيا
وعن السياق الدولي للحملة الأمنية التونسية ضد المهاجرين غير النظاميين، قالت الصحافية بالإذاعة الجهوية في صفاقس: “يبدو أن الضغط الدولي وأحداث لامبيدوزا وارتفاع نسبة تدفق المهاجرين غير النظاميين على إيطاليا، قد يكون كل ذلك أثّر بشكل أو بآخر على قرار إطلاق الحملة الأمنية في تونس لحل أزمة الهجرة ولو ظاهريا فقط. لكن ينبغي التنويه إلى أن مشكلة الهجرة يجب حلها ووقف هذا التدفق البشري الهائل خصوصا مع ما نراه من نقل هؤلاء الأشخاص بحرا على متن قوارب غير آمنة مثل التي يتم صنعها بالحديد دون مراعاة المواصفات حيث تغرق فورا في حال توقف المحرك. أعتقد أن الحل الأمني حاليا هو ضروري لكن الإشكال هو كيفية منع دخولهم إلى الأراضي التونسية بالأساس”.
من جانبه، يرى نور الدين مباركي بأن “تونس من خلال الخطاب الرسمي أي خطاب الرئيس والحكومة ووزارة الداخلية، لا يمكن لها أن تكون بلدا لتوطين المهاجرين، وهي ترفض أن تتحول إلى حرس حدود للبلدان الأوروبية. ومن ثمة فإن الحملة تأتي في هذا السياق وهي تتزامن مع رفض تونس دخول الوفد البرلماني الأوروبي وأيضا الحراك الموجود في لامبيدوزا الإيطالية. إذا فهناك قلق كبير في تونس من تدفقات كبرى للمهاجرين وهو ما ترجم في شكل حراك وحملة لإبعادهم. رسالة تونس اليوم هي أنها تقاوم الهجرة غير النظامية”.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.