ماذا عن الشرق الأوسط ومنطقة الخليج لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض؟
يتفق خبراء ومحللون على أنه في حال عودة ترامب إلى سدة الحكم في 2024، فسيكون لذلك تأثير كبير على الشرق الأوسط وبالخصوص على دول منطقة الخليج. فكيف تنظر هذه الدول، وفي مقدمتها السعودية إلى هذا السيناريو المحتمل؟ وما هي المتغيرات الجديدة التي ستطرأ على الإدارة الأمريكية الجديدة المحتملة في سياستها الشرق أوسطية؟ أم هل طوت الدول العربية نهائيا صفحة ترامب واستثمرت في علاقات أخرى مع لاعبين عالمين جدد على غرار الصين والهند وروسيا؟ … تحليل.
نشرت في:
8 دقائق
تتابع الدول العربية بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص الانتخابات التمهيدية التي بدأت الأحزاب السياسية الأمريكية تنظيمها لاختيار مرشحها الذي سيخوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
التجمع الأول نظمه الحزب الجمهوري الإثنين في ولاية أيوا وسط الولايات المتحدة حيث دعا أنصاره في هذه المنطقة الزراعية إلى اختيار من سيمثلها في الانتخابات من بين الشخصيات الثلاثة الأبرز المرشحة. وهي الرئيس السابق دونالد ترامب وحاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس وسفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي.
وبعد يوم من التصويت، أظهرت النتائج غير النهائية فوز الرئيس السابق دونالد ترامب. هذا الأخير ألقى خطابا “قويا” دعا فيه ” إلى الاتحاد”. وقال ترامب “أعتقد أن الوقت حان للجميع لأن تتحد بلادنا (…). سواء أكانوا جمهوريين، أو ديمقراطيين، ليبراليين أو محافظين”.
ولا تنحصر أهمية الانتخابات التمهيدية على الأمريكيين فقط، بل تمتد إلى الدول العربية، خاصة الخليجية منها، فهي تتابع وعن كثب جميع المراحل المؤدية إلى تحديد مرشحي الحزب الجمهوري والديمقراطي اللذين سيتنافسان في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، واضعة في الحسبان والميزان حظوظ وإمكانية عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى سدة الحكم في حال تجاوز العقبات القانونية والقضائية التي تعترض ترشحه.
“إعادة انتخاب ترامب لن تكون مفاجأة بالنسبة للدول الخليجية”
وعلى ضوء الانتخابات التمهيدية الأمريكية في ولاية أيوا، هناك عدة تساؤلات تطرح نفسها. أولها هل تفضل الدول الخليجية، وفي مقدمتها السعودية عودة ترامب إلى البيت الأبيض أم تريد أن يستمر الحكم الديمقراطي في الولايات المتحدة؟
ماذا تنتظر هذه الدول من ترامب في حال عاد إلى الحكم وهل هو الرئيس الأصلح بالنسبة لها؟ أم هل طوت صفحة الملياردير الأمريكي بعدما بنت في غيابه علاقات جديدة واستراتيجية مع الصين وروسيا في إطار ما يسمى بسياسة تعدد الأقطاب؟
الجواب ليس بالسهل بالنسبة لحسني عبيدي، مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط بجامعة جنيف الذي اعترف على الأقل أن “إعادة انتخاب ترامب لن تكون بمثابة مفاجأة لدول منطقة الخليج والسعودية بشكل خاص باعتبار أن هذه الدول تعرفه جيدا وتفاعلت معه واشتغلت مع إدارته خلال عهدته الأولى”. أكثر من ذلك، يرى عبيدي أن “عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم تصب في مصلحة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج”.
وقال في حوار هاتفي مع فرانس24: “الرياض لم تنس بأن الزيارة الأولى التي قام بها ترامب بعد انتخابه كانت للسعودية وليس لدولة أخرى. كما تدرك جيدا أنه لا يهتم كثيرا بقضايا حقوق الإنسان عكس جو بايدن والديمقراطيين، بل يركز بالأساس على التجارة ويضع دائما صوب أعينه المصلحة الاقتصادية”.
اقرأ أيضاترامب يصف بايدن بأنه “أسوأ” رئيس للولايات المتحدة ويعد بـ”إنقاذ أمريكا”
وتابع عبيدي: “السعودية لم تنس تصريحات جو بايدن التي وصف فيها النظام السعودي بالنظام المارق. ما جعلها في الحقيقة تبتعد كثيرا منه وتعزز علاقاتها مع روسيا والصين، فضلا عن فتح صفحة جديدة مع إيران المجاورة”.
“عودة ترامب ستؤجج التنافس الأمريكي الصيني بشأن الشرق الأوسط”
وفي سؤال هل ستعيد الرياض النظر في علاقاتها مع الصين في حال وصل ترامب إلى السلطة مرة ثانية؟ أجاب عبيدي بأن ذلك “ممكن”. وفسر أن “العلاقة التي بنتها الرياض مع بكين كان هدفها في الحقيقة إظهار فقط مدى وجود نقاط خلاف مع إدارة جو بايدن ومدى انزعاجها. هذه العلاقة كانت منعرجا صغيرا في سياسة الرياض الخارجية وليس تحولا استراتيجيا عميقا في سياستها الخارجية. لذا نتوقع في حال فوز ترامب أن تعيد السعودية ومعظم دول الخليج علاقاتها مع الولايات المتحدة كما كانت في السابق”.
من جهته، يرى معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وهي مؤسسة خيرية غير ربحية تسلط الضوء على العلاقات الأمريكية الخليجية أن هناك الكثير مما تأمله وتقلق بشأنه الدول العربية إذا نجح ترامب في إعادة انتخابه.
ووفق التحليل الذي نشره هذا المعهد للمفكر السياسي التركي هاشم تفينش نقلا عن مجلة “ناشيونال أنترست” الأمريكية، ففي حال عاد ترامب إلى السلطة هناك توقعات بأن يزداد “تأثيره على العلاقات الدبلوماسية تعقيدا بسبب التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين” في العديد من مناطق العالم وفي مقدمتها منطقة الشرق الأوسط.
صعوبة التنبؤ بما قد يقوم به ترامب في حال عاد إلى البيت الأبيض
وتوقع هاشم تفينش أن “لهجة ترامب المباشرة والمستفزة ستدفع دول الشرق الأوسط والخليج للانحياز إلى الجانب الصيني. وهو ما يهدد بتأجيج الصراع بين بكين وواشنطن واتساع نطاقه”.
وواصل: “في الولاية الثانية المحتملة لترامب، سيكون الفاعلون الإقليميون أكثر اعتيادا على أسلوبه. لذلك يمكن للقادة الشرق أوسطيين التعامل بحكمة أكبر خلال هذه الولاية الثانية المحتملة. فهم أولا يدركون أن ترامب قد لا يترجم أقواله إلى أفعال، بالإضافة إلى أنهم اكتسبوا خبرة أكبر في الدبلوماسية الإقليمية والتفاوض منذ أن غادر الرئيس الأمريكي السابق منصبه في 2021″.
وفي هذا السياق بالذات، أضاف وسيم الأحمر، محرر الشؤون الدولية في فرانس24 أن حلفاء ترامب في المنطقة، وهو يقصد الشرق الأوسط ودول منطقة الخليج “غيروا من رؤيتهم وطبيعة علاقاتهم إزاء الولايات المتحدة وأن الأمور لم يعد ينظر إليها باللون الأبيض أو الأسود فقط وأصبحوا يعتمدون على ميزان قوى لم يكن بالضرورة قائما في الولاية الأولى لترامب”. وأوضح أن أحد أسباب المخاوف التي تعبر عنها هذه الدول إزاء ترامب هي “عدم قدرتها التنبؤ بما قد سيقوم به في حال عاد إلى البيت الأبيض”.
“عودة ترامب قد تدفع السعودية ودول أخرى إلى التطبيع مع إسرائيل“
أما في الملف الإسرائيلي الفلسطيني، فاليمين المتطرف في إسرائيل يعول حسب وسيم الأحمر على عودة ترامب إلى السلطة “للاستمرار في سياسات الحرب والاستيطان أو على الأقل ضمان عدم وجود ازعاج أمريكي”، مضيفا أن “مع ترامب ربما سيكون هناك تعويل لضم أراض جديدة”.
وفي نفس الملف، أضاف حسني عبيدي أن “في حال عاد ترامب إلى الحكم فإنه سيساند أكثر تل أبيب في مخططاتها. وأكثر من ذلك هناك إمكانية أن تطبع السعودية علاقاتها مع الدولة العبرية، الأمر الذي قد يفتح المجال أمام دول أخرى لغاية الآن متحفظة إزاء التطبيع، مثل الكويت وعمان ودول أخرى لحذو حذو الرياض”. وأنهى هذا المحلل بالقول إن “عودة ترامب المحتملة إلى السلطة ستخدم أيضا مصالح قطر الجيوسياسية”.
اقرأ أيضاترامب يدعي بأن بقاء العاهل السعودي في السلطة مرهون بدعم الولايات المتحدة
وأخير، ما يمكن قوله حسب المحللين السياسيين هو أنه إذا سارت ولاية ترامب الثانية والمحتملة على نمط الأولى، فحتما ستقع تغيرات في الشرق الأوسط. بداية من إيران التي من المتوقع أن يعمل الرئيس الأمريكي الجديد على عزلها وفك العلاقة التي نسجتها السعودية مع الجمهورية الإسلامية. كما من المرجح أنه سيواصل دعمه لإسرائيل وللسيسي عبر تخفيض الضغوط على ملف حقوق الإنسان في هذا البلد.
أما في منطقة الخليج، فبعدما ساند ترامب في عهدته الأولى السعودية والمحور الذي شكلته لمقاطعة قطر في 2017، فمن المتوقع جدا حسب التحليلات ألا يكرر الرئيس الأمريكي الجديد المحتمل “نفس الغلطة” بحكم أن قطر استعادت مكانتها من بين المفضلين من قبل البيت الأبيض، إضافة إلى المصالح الاقتصادية والعسكرية المتشعبة التي تربط واشنطن بالدوحة.
عودة دونالد ترامب المحتملة إلى سدة الحكم ستقلب بدون شك السياسية الخارجية الأمريكية رأسا على عقب من جديد حسب التوقعات. فيما سيبقى السؤال الوحيد المطروح ما هي الحدود التي سيلتزم بها ترامب؟
طاهر هاني
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.