مشهد “اضرب من ضربك” .. الصواب والخطأ
ما أكثر أن يتكرر مشهد “اضرب من ضربك” في حياة كل طفل ووالديه، حيث يقف الأب أو الأم مكتوفة أيديهما.. ماذا يفعلان؟ هل يشجعان الطفل على الثأر ويطلبان منه أن يضرب من يضربه أم يكتفيان بأن يطلبا منه أن يسامح من ضربه؟ وهنا تزداد الحيرة في نتائج هذا الموقف.. هل الابن بذلك سيصبح عدوانيا أم أنه بذلك سيصبح سلبيا ويظل الآباء في حيرتهم؟
التعامل مع الأطفال من أصعب درجات التربية، خاصة في بداية العمر بين 2-5 سنوات، فكيف تتعامل أم مثلا مع ولد صغير عمره ثلاث سنوات يتعرض للضرب في الحضانة أو في الاجتماعات العائلية والأصدقاء وفي كل مرة يقوم أحد بضربه أو إيذائه يبكي ولا يرد ويأتي إلي أمه، التي في أغلب الأوقات لا تستطيع معاقبة الطفل الآخر الذي اعتدى عليه بالضرب، كما أن والدة هذا الطفل (المعتدي) أكثر ما تفعله أنه تكتفي بتأنيبه شفويا. وفي الحضانة المعلمة قد تقوم بمعاقبة الطفل بشكل ما، لكن السؤال الذي يبقى بدون إجابة لدى الأم هو: هل تقول لابنها: “اضرب من ضربك”، وأيضا ما هو شعورها كون معلمتها تسطيع أخذ حق ابنها وهي لا؟
ماذا تفعلين عندما يُضرب ابنك؟
إذا دققنا النظر فسنجد أن هذه المسألة برمتها موكولة لقرار الطفل نفسه، والمتأثر بشكل كبير بطريقة تنشئته وتعامل المحيطين به، فالطفل في مراحل عمره المبكرة يكون مفهوما عن ذاته منبعه بشكل كبير مفهوم الآخرين عنه وعن قدراته، فهو يتمثل شيئا فشيئا هذه المفاهيم.
والابن الذي في عامه الثالث يظهر فيها بوضوح مدى ثقته على نفسه أو درجة استقلاليته واعتماده على ذاته بشكل مختلف عن المراحل الأخرى ومدى ثقته بذاته وقدراته.
ومن المهم أن نتفق على أن أي طفل -بل أي إنسان- يمتلك قدرة على الدفاع عن نفسه، حتى هذا الابن ذي الثلاث سنوات، فهو يمتلك هذه الوسيلة، وإن كانت وسيلة سلبية لا نحبذها، وهي البكاء، وهنا يأتي دور الوالدين في تنمية الثقة بالنفس، ما على الأم هنا هو أن تضع البذرة وتتركها تنمو فقط، وستجد من خلال بذرتها هذه ابنها قادر على التعامل مع المواقف المحبطة له.
ولكن حتى يحدث ذلك لنقف قليلا على بعض الأسباب التي تجعل الطفل يتخذ من البكاء والاختباء خلف الكبار دفاعا له:
- الحماية الزائدة والتدليل، فالطفل يشعر من خلال حماية الأهل له بعدم الكفاءة؛ لأن ذلك يحرمه من خوض التجارب وتكوين مفهوم مهم جدا (إني قادر على…) الذي يتحول مع الأيام لمفهوم (لا أستطيع)، وبذلك تضعف شخصية الطفل وتقل لديه مهارات توكيد الذات.
- التهديد المستمر والتوبيخ يشعر الطفل دائما بعدم الأمان والخوف من خوض أي تجارب بنفسه، كما أن التوبيخ يكوّن مفهوما سلبيا لدى الطفل عن ذاته، الأمر الذي يجعله إذا تعرض لأي إحباط خارجي يفشل في التعامل معه، ويلجأ للبكاء أو إلى الأهل.
- إطلاق مسميات سلبية على الطفل أو إهانته وتوبيخه، خاصة أمام الآخرين، كأن يطلق عليه (صفة الجبن) أو نهره لأنه لم يستطع أن يأخذ حقه بنفسه كما يفعل الأطفال الآخرون.
وللتعامل مع هذه المشكلة:
لا بد أن نتفق في البداية أنه إذا كان من المهم في مراحل سابقة أن تشبع الأم احتياجات ابنها من التعلق بها، فمن أهم ما يجب فى هذه المرحلة تدريبه على الاعتماد على ذاته وتركه يخوض التجارب ليكتشف قدراته وتكوين مفهوم إيجابي عن ذاته.
إن كلمة السر للتعامل مع هذه المشكلة هي أن تدعم الأم ثقة ابنها في نفسه، وتترك له بابا يحقق فيه شخصية مستقلة قادرة على اتخاذ القرار وتحمل النتائج وذلك من خلال:
– أن لا تحاول الأم القيام بأي أعمال يستطيع هو القيام بها بنفسه، وذلك بشكل متدرج.
– أن تضعه في مواقف يكتشف فيها ذاته من جديد وقدراته، كأن تطلب منه القيام ببعض الأعمال في المنزل مثلا، أو القيام ببعض المسئوليات الخاصة بها هي (كارتداء ملابسها).
– التقليل من الأوامر المقدمة إليه، ولنستبدل بها اقتراحات متفق عليها (ما رأيك في…، هل نعمل كذا أم كذا…).
– متابعته من بعيد وهو بين الأصدقاء والاجتماعات العائلية وتقويم ما نراه بعد ذلك بشكل تربوي وغير مباشر، على أن لا تكثر الأم من توجيهه خاصة أمام المحيطين بها.
– تتركي لهافرصا لتتحمل نتائج أخطائه، فغير معقول أن نظل وراء أبنائنا حتى لا يقعوا فى أخطاء.
– تدربه على التعامل في المواقف المحبطة المختلفة، ومنها ضرب الأطفال له، وممكن أن يحدث ذلك من خلال قصة أبطالها حيوانات يحبها أو من خلال تدريبه باللعب مع الأم (لعبا تمثيليا) ونتركيه يتعامل مع من ضربه من خلال اللعبة، ولتحاول الأم بقدر الإمكان في فترة دعم ثقته بنفسه وتدريبه إبعاده بعض الشيء عن المواقف أو الأطفال الذين يتعرض من خلالهم للضرب.
على الأم أن تدعم ابنها وتكون له قدوة في التعامل مع الموقف، فإذا تعرض للضرب من أحد الأطفال لا تسرع الأم وتشتكي لوالدته، ولكن تقف بين الأطفال بهدوء وتتحدث معهم بهدوء لتعرف ماذا حدث في الموقف نفسه وتتعامل معه، وليكن حكمها عادلا في النهاية، وهذا سيكون بالنسبة لابنها قمة الدعم بعد ذلك.
– على الأم أن لا تسرع في التدخل بين شئون الأطفال إلا إذا لجئوا إليها، ويكفي إذا شعرت أن أحدهم قد يتعرض للإيذاء أن تقف بينهم وتنظر بحزم، فكثير من مشكلات الأطفال يستطيعون بدرجة ما التعامل معها، بل تكسبهم قدرة على حل مشكلاتهم بأنفسهم فيما بعد.
مشاعر الابن و رد فعل الأم
عندما تسلك الأم رد الفعل المناسب المدعم لابنها بدرجة كافية لن يشعر أن والدته قد خذلته، خاصة أن تصرف المعلمة قد يفتقد هذا الدعم بشكل ما، فليس معنى اضرب من ضربك بأننا أخذنا حق الطفل، بل مهم أن يقدم الدعم المتوازن الذى يحقق تنمية الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، وفي نفس الوقت إرضاء الطفل وعدم وصوله للشعور أنه طفل مقهور أو مظلوم أو مثل هذه المفاهيم السلبية.
إذا تدخل الأم بشكل مناسب وفيه الكثير من العقل لا العاطفة والعدل لا الظلم، فإن الطفل سيشعر بأنه حصم الدعم الكافي له و أنه انتزع حقه كما يريد.
هل من الخطأ القول اضرب من ضربك؟
إذا كان من المهم أن نحب أبناءنا فالأهم أن نعبر عن هذا الحب بشكل إيجابي بعيدا عن القلق والخوف الزائد، لأنه سيأتي بنتائج عكسية.
فلتتأمل الأم ابنها في موقف البكاء، فلا أحد يحب هذا المشهد ويرضاه لابنه، ولكن مثلما تفكر الأم بولدها، فعليها أن تفكر أيضا بأولاد الآخرين، فعبارة اضرب من ضربك سيكون تأثيرها على الطرفين الطفل الضارب والمضروب، المعتدي والمعتدى عليه.
لذلك مهم جدا أن تتعامل الأم مع حبها لابنها بشكل متوازن، بشكل يعطيه فرصة للتعبير عن نفسه وذاته، ويتحمل بعض مسئوليته الصغيرة حتى يستطيع التعامل مع المواقف المحبطة له بشكل مناسب، وهنا سيظل حب الأم له وسيظل هو يحب أمه، ولكن دون التعلق المفرط الذى يعيق نموه.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.