محاولات يائسة لتفادي التعبئة العسكرية
لا يحق للرجال الذين يتراوح سنهم بين 19 و60 عاما في أوكرانيا مغادرة البلاد في ظل تواصل سريان القوانين العرفية التي تم إعلانها بعد الغزو الروسي قبل أكثر من عامين. وأمام توقعات بتعبئة عسكرية، يحاول بعض الرجال إجراء محاولات جريئة لتفادي الاستدعاء العسكري، ومنها عبور الحدود خلسة وزواج مزيف وطلاق غير حقيقي.
رجال أخرجوا بعنف من داخل شاحنة وتم تكديسهم على الأرض: في 8 آذار/ مارس على الحدود بين أوكرانيا ورومانيا بالقرب من معبر بروروبنه الحدودي، تم إيقاف 34 رجلا أوكرانيا في سن الخدمة العسكرية عندما كانوا يحاولون عبور الحدود الأوكرانية بطريقة غير قانونية.
تم إيقاف 34 رجلا أوكرانيا يحاولون عبور الحدود مع رومانيا من أجل الهرب من التعبئة العسكرية في 8 مارس آذار على يد حرس الحدود.
حقوق الصورة فيتالي غلاغولا
حرس ضباط جهاز “أس بي يو” وهو وكالة الاستخبارات الأوكرانية، ودفع كل واحد من هؤلاء الرجال 10 آلاف يورو لسائق الشاحنة من أجل أن يعبروا الجانب الآخر من الحدود.
عبور الحدود
منذ بداية الحرب في أوكرانيا يوم 24 شباط/ فبراير 2022، تم رصد 9 آلاف مواطن أوكراني من قبل حرس الحدود الروماني بعد أن عبروا حدود بلادهم مع رومانيا بطريقة غير قانونية وفق تصريح لوليا ستان لفريق تحرير مراقبون فرانس24، وهو الناطق الرسمي باسم وحدة التفقد الترابي في شرطة الحدود الرومانية.
وتتزايد الضغوط على الرجال الموجودين في سن الخدمة العسكرية في الوقت الذي يتوجب فيه على السلطات الأوكرانية استدعاء جدد لتعويض أولئك الذين قتلوا أو جرحوا أو الذين أنهكوا من القتال طيلة أكثر من عامين على الجبهة. ولكن الأكثر حماسا للفكرة قد بدأوا الخدمة العسكرية في وقت سابق فيما تكابد السلطات للعثور على متطوعين جدد. وأمام إمكانية التعبئة الشاملة، يحاول عدد كبير من الأوكرانيين اتخاذ طرق هجرة خطيرة سرية عبر الحدود.
ودائما ما يتم نشر صور على وسائل التواصل الاجتماعي لرجال أثناء محاولتهم عبور الحدود وكثيرا ما تنشرها الإدارة الوطنية للحدود الأوكرانية بنفسها.
تم اعتقال 17 رجلا على الحدود الأوكرانية مع هنغاريا على يد حرس الحدود الأوكراني في 15 آذار/ مارس 2024
حقوق الفيديو الإدارة الوطنية للحدود الأوكرانية
ومنذ بداية الحرب في 22 شباط/ فبراير 2022 إلى غاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، غادر 19740 رجلا أوكرانيا بطريقة غير قانونية وفق حسابات هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي التي اعتمدت معطيات العبور غير القانوني التي مكنتها منها الدول المجاورة لأوكرانيا. فيما تم تسجيل أكثر من 21 ألف آخرين على أنهم حاولوا المغادرة لكنهم تعرضوا للإيقاف، وفق الحكومة الأوكرانية في حوار مع بي بي سي.
وفي بعض الأحيان، تكون نهاية هذه المحاولات مأساوية، “الناس – وهو يأملون في النجاح- يحاولون عبور نهر جبل مليء بالثلوج، لكنهم يلقون مصرعهم في النهاية. على سبيل المثال، وعلى طول نهر تيزا الذي يعد جزءا من الحدود، تم تسجيل 22 حالة وفاة من مجمل ثلاثين حالة وفاة” وفق توضيح أندري ديمشنكو المتحدث الرسمي باسم حرس الحدود الأوكراني
ومنذ بداية الحرب، وجهت اتهامات لـ410 مجموعة بتنظيم عمليات عبور غير قانونية للحدود تم إيقاف مرتكبيها.
ولتحاشي أخذ المخاطرة، يحاول عدد منهم استعطاف حرس الحدود لكن أعوانها يحظون بمراقبة من فرقة مختصة. حتى أن الإدارة الوطنية للحدود الأوكرانية قررت أن تتخذ شفافية مطلقة عندما كشفت في 5 أذار/ مارس الجاري بأنها سجلت نحو ألف محاولة ارتشاء لحرس الحدود منذ بداية سريان القوانين العرفية.
“إذا ما أجرينا مقارنة بين فترتي 2022 و2023، عندما كانت هناك في العموم فترة تقلص في محاولات (عبور الحدود) وذلك بما أن العدد الكبير من محاولات عبور الحدود بطريقة غير قانونية سجلت خلال الأشهر الأولى من تطبيق القانون العرفي” وفق توضيح أندري ديمشنكو.
“أحاول ألا أرتدي ملابس مثيرة للاهتمام حتى لا أجلب الأنظار لي”
وعوض المخاطرة بالتعرض للاعتقال على الحدود، خير رجال أوكرانيون آخرون ببساطة الاختباء عن السلطات.
في كل أنحاء أوكرانيا، ينظم ضباط في إدارة البحث عن جنود للجيش الأوكراني عمليات مراقبة في الشوارع لمطالبة الرجال في سن الخدمة العسكرية بتحيين وثائقهم العسكرية.
وتنشر قنوات على تطبيق تلغرام التي تحظى بمتابعة آلاف الأشخاص معلومات بشأن أماكن تواجد هؤلاء الضباط على الرغم من الجهود المتكررة من جهاز المخابرات الأوكراني “إس بي يو” لإغلاق هذه القنوات.
ماكسيم ( اسم مستعار)، رجل يبلغ من العمر 47 سنة تمكن فريق تحرير مراقبون من العثور عليه والتواصل معه عبر إحدى قنواته على تطبيق تلغرام، يوضح بأن طرقه للاختباء عن أنظار سلطات التجنيد العسكري حيث يقول:
أتابع باستمرار هذه القنوات على تلغرام لفهم التوجهات ومعرفة الأماكن الخطيرة المحتملة. أعلم هذه القنوات بنفسي بالأماكن الهادئة وتلك التي يمكن أن تشكل خطرا.
ليس خطأي إذا ما كنت غير قادر على أداء الخدمة العسكرية أو حتى القتال. لم أكن ولو ليوم واحد ضمن الجيش ولم أر في نفسي أبدا أهلا للالتحاق بصفوف العسكريين.
الناس لا يريدون الذهاب إلى الحرب لأسباب رئيسية كثيرة من بينها الخوف من الموت أو التعرض لإصابات شديدة الخطورة وأن يتركوا لمصيرهم المحتوم دون أي تعويض أو دعم من الدولة. رفض أداء الخدمة العسكرية طيلة ثلاثة أعوام وأخيرا الخوف من أن لا يمكن الشخص من المهمة المحددة التي يريد العمل بها، يخاف الشخص أن يتم إرساله على خط الجبهة.
بطبيعة الحال أشعر بالقلق. قللت كثيرا من تحركاتي في المدينة وأحاول دائما عدم ارتياد الأماكن المكتظة. وعندما يكون الطقس دافئا، أتنقل عبر دراجة هوائية في المدينة ما يتيح لي التنقل بطريقة أسرع وتفادي عمليات مراقبة الوثائق. أحاول ألا أرتدي ملابس مثيرة للاهتمام حتى لا أجلب لي الأنظار. وقبل الخروج من البيت، أقوم بتفحص كل الأماكن الموجودة في الطريق الذي أنوي سلكه، وفي حال ما رأيت أشخاصا يرتدون زيا نظاميا أو رجال شرطة في مكان ما، أسلك طريقا آخر.
فكرت عدة مرات في مغادرة أوكرانيا. نظريا، يمكن لنا أن نحاول العبور بطريقة سرية، لكن الأمر مكلف للغاية وخطير. الذهاب إلى مكان مجهول لم يكن أبدا خيار بالنسبة لي. لكن في المقابل، إذا ما تم استئناف الهجوم الروسي واقترب من مدينتنا، حينها سيتوجب علي التفكير من جديد.
النداءات الوطنية لم تعد تثير حماس الناس، وذلك لأن كل أولئك الذين استجابوا لهذه النداءات ذهبوا أصلا للقتال. والضغط يولد رد فعل عكسي وهو الاختفاء والهروب.
ومنذ بداية الحرب، دائما ما يتم نشر مقاطع فيديو تظهر عمليات إيقاف عنيفة وقوية على وسائل التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال – في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي- أثار مقطع فيديو لعملية إيقاف عنيفة لرجل صدمة بين مستخدمي الإنترنت ما أجبر مكتب الدولة الأوكرانية على فتح تحقيق. كما أن هذه المقاطع المصورة، سواء تم التحقق منها أم لا، تنشر باستمرار على حسابات موالية لروسيا في محاولة لزعزعة الداخل الأوكراني عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
مقطع فيديو التقطه هواة لعملية إيقاف في أدويسا في جنوب أوكرانيا في تشرين الثاني نوفمبر 2023
حقوق الفيديو: فيسبوك
في المقابل، تنجح بعض الوحدات أو وكالات التجنيد الخاصة التي تعرض وظائف عمل في الجيش إلى حد الآن في انتداب جنود، وذلك بفضل حملات إعلانية ووعود بتلقي تدريبات ذات جودة.
السوق السوداء للوثائق المزورة
للحصول على حظوظ أكبر في تفادي الاستدعاء العسكري، يشتري مواطنون يائسون وثائق مزورة تثبت عدم قدرتهم على أداء الخدمة العسكرية. في بداية الحرب، أعطت بعض مكاتب التجنيد أو أطباء أنفسهم وثائق طبية مزورة مقابل المال. ولكن الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأوكرانية وتدخل مصالح الأمن قللت من هذه الممارسات. وأصبح هذا الأمر ممكنا من خلال التعامل مع منحرفين يعرضون خدماتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي يلجأ إليها البعض.
في سنة 2023، تم تزوير أكثر من 3300 وثيقة وفق ما رصدته نقاط المراقبة الإدارية وفق أندري ديمشنكو.
أرتيم بوندار هومحام يعيش في أوديسا ومتخصص في الشؤون العسكرية يقول: “تعاملت بنفسي مع 10 أشخاص كانوا يملكون وثائق مزورة” وحكم على كل واحد منهم بدفع غرامات مالية.
زواج مزيف أو طلاق غير حقيقي: طرق أخرى لتفادي التجنيد
في بعض المناطق، من الممكن الحصول على إعفاء من التعبئة العسكرية لأسباب عائلية. مثل رجل يتولى حضانة طفل لوحده أو حضانة ثلاثة أطفال في العائلة أو حتى تولي رعاية زوجة أو طفل معوق، وبالتالي عدم الذهاب إلى القتال.
يوضح أرتيم بوندار بأن الأشخاص الذين لا يرغبون في القتال يستغلون هذه الشروط لصالحهم. حيث يوضح قائلا:
“يقوم بعض الأشخاص على سبيل المثال بالزواج من امرأة تحمل إعاقة. ويكون الزواج قانونيا ومن ثمة يحاول الشخص عبور الحدود أو الحصول على تأجيل الخدمة العسكرية. أصبح أكثر صعوبة الآن لهؤلاء الأشخاص الحصول على وثائق وذلك لأن قوات الأمن تزيد الضغط على أشخاص يقدمون مثل هذه الخدمات. في بداية الغزو الروسي واسع النطاق، وصل السعر إلى نحو ألف دولار. أمام اليوم، يمكن أن يكلف ذلك أكثر من 10 آلاف دولار (أي ما يعادل نحو 9200 يورو).”
ولا توجد أرقام رسمية دقيقة لهذه الزيجات المزيفة. ولكن وسائل إعلام أوكرانية تحدثت عن عشرات القرارات القضائية المتعلقة بوثائق زواج مع أمرأة تحمل إعاقة الهدف منه مغادرة البلاد، كما صدرت بعض الأحكام القضائية في هذا الصدد. في بعض الأحيان، ينشر حرس الحدود صورا مشوشة لأشخاص يشبته في أنهم لجأوا لمثل هذه الحيل وتم إيقافهم على الحدود.
“يحاول أشخاص آخرون الطلاق (بطريقة شكلية)، ويمضون على اتفاق يسمح من خلاله للأب بحضانة الأطفال. ووفقا لهذا الاتفاق، من الممكن أن يكون الرجل مسؤولا لوحده عن حضانة طفل وهو ما يجعله يحصل على إعفاء من الخدمة العسكرية”، وفق تأكيد أرتيم بوندار.
ووفق ما نقله صحيفة التحقيقات الاستقصائية في أوكرانيا إن جي إل ميديا NGL.media، فإن عدد الآباء الذين سحبوا حضانة أطفالهم من أمهاتهم عبر أحكام قضائية ارتفع بشكل لافت منذ بداية الحرب: وتم تسجيل 589 قرارا قضائيا من هذا النوع في سنة 2019 قبل أن يرتفع إلى 2708 قرارا في سنة 2023. كما يشتبه مكتب مكافحة الفساد في أوكرانيا في أن قضاة تلقوا رشاوى تصل إلى 3500 دولار (نحو 3200 يورو) عن كل قرار منح الحضانة للأب.
وينص القانون الأوكراني أيضا على الإعفاء من الخدمة العسكرية بالنسبة إلى الطلاب، فيما لم تتأخر وسائل إعلام أوكرانية في ملاحظة ظاهرة ارتفاع كبير في التسجيل في الجامعات من قبل الرجال. وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة أن جي إل ميديا بأن عدد الطلاب الذكور الجدد الذين يتجاوز سنهم 30 عاما وأكثر تضاعف 23 مرة بين عامي 2021 و2023.
مشروع قانون تعبئة عسكرية مثير للجدل
وفي الوقت الحاضر، يتم الاكتفاء باستدعاء الرجال الذين يتجاوز عمرهم 27 سنة فيما يبلغ متوسط أعمار الجنود الأوكرانيين أكثر من 40 عاما. وتعمل الحكومة في الوقت الحاضر على مشروع قانون يهدف إلى خفض سنة التعبئة العسكرية إلى 25 عاما، ولكن مشروع القانون لا يحظى بشعبية كبيرة. وفي 7 شباط/ فبراير الماضي، تمت المصادقة على نص القانون في قراءة أولى، ولكن بعد اقتراح أكثر من 4 آلاف تعديل التي يجب النظر فيها قبل القراءة الثانية.
وفي شباط/ فبراير 2024، أعلن فولوديمير زيلينسكي عن مقتل 31 ألف جندي أوكراني منذ بداية الحرب. ويعد هذا الرقم أول حصيلة رسمية تكشف عنها كييف. وحسب تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشر في شهر آب/ أغسطس 2023، فإن ما لا يقل عن 70 ألف جندي أوكراني قتلوا فيما أصيب ما بين 100 و120 آخرون بجروح.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2023، أحصى تقرير استخباري أمريكي سقوط 350 ألف جندي روسي بين قتيل وجريح.
تم إعداد هذا المقال بالتعاون مع فريق تحرير راديو فرانس إنترناسيونال RFI باللغة الأوكرانية.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.