5 خطوات لـ تسوية الصفوف في الصلاة
تسوية الصفوف في الصلاة تعد من الأمور التي شدد عليها النبي ﷺ في صلواته الجماعية. فقد نقل عنه أصحابه أنه لم يبدأ الصلاة دون التأكد من استقامة الصفوف، حيث قال: “صلوا كما رأيتموني أصلي”[1]. كان النبي ﷺ يسوي الصفوف بدقة كما يسوى القداح، يتخلل الصفوف ليطمئن من انتظامها واستقامتها قبل بدء الصلاة.
أهمية تسوية الصفوف في الصلاة
فيما يلي نوضح أهمية تسوية الصفوف وأثرها على روح الجماعة والخشوع في الصلاة:
الترغيب في تسوية الصفوف
1- محاكاة صفوف الملائكة: تشبيه صفوف المصلين بصفوف الملائكة هو من أكبر دواعي تسوية الصفوف. قال الله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات: 166]. وقال النبي ﷺ: “فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة…” [2].
قال جابر بن سمرة رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله ﷺ فقال: ” ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف[3].
ومن هذا الحديث نفهم أن تسوية الصفوف في الصلاة تعتبر من فضائل الأمة الإسلامية التي تتشبه بالملائكة في استقامتهم وتنظيمهم.
2- نيل الدرجات العالية عند الله: تسوية الصفوف وسد الفرج بين المصلين تمنح المؤمن رفعة في درجاته عند الله تعالى. قال النبي ﷺ: “من سد فرجة رفعه الله بها درجة”[4]، مما يعني أن الله يمنح المؤمنين الأجر على هذا الفعل البسيط والذي يحمل ثوابًا عظيمًا لا يعلمه إلا الله.
3- التواصل مع الله تعالى: من يحرص على وصل الصفوف، فإن الله تعالى يكافئه بالقرب منه. في الحديث الصحيح، قال النبي ﷺ: “من وصل صفًا وصله الله”[5]. يُفهم من هذا الحديث أن وصل الصفوف يجعل المصلين موصولين بالله في الدنيا والآخرة، وهذه منزلة عظيمة يتوق إليها كل مؤمن وصلة الله تعالى بالعبد تعنى الفلاح في الدنيا والآخرة، عمل يسير وأجر كبير،ويا له من تكريم وشرف يفوق كل شرف وكرم.
الترهيب من ترك تسوية الصفوف
1- قطع الصف يؤدي إلى عقوبة من الله
في الحديث: “ومن قطع صفًا قطعه الله”. من يترك فراغًا في الصف أو يقطع الصف، فإنه يعرض نفسه لعقوبة من الله، وقد يترتب على ذلك فصله عن رحمة الله وفضله.
2- التسبب في اختلاف القلوب
عدم تسوية الصفوف قد يؤدي إلى تباعد القلوب واختلاف وجهات النظر بين المسلمين. النبي ﷺ حذر من ذلك في حديثه عندما قال: “لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم”. وهذا الاختلاف القلبي يمكن أن يضعف وحدة الأمة الإسلامية ويزيد من التنافر بين أفرادها.
3- فتح المجال للشيطان للتسلل بين المصلين
ترك الفرج بين الصفوف هو فرصة للشيطان ليدخل ويشوش على المصلين. النبي ﷺ قال: “إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف”. لذا يجب سد الفرج لضمان الطمأنينة والسكينة في الصلاة.
ولذا كان حال الصحابة الكرام من بعده عليه الصلاة والسلام أنهم قد عنوا بإقامة الصفوف عناية شديدة، حتى كان لعمر وعثمان رجالا وكلاء في تدقيق النظر لصفوف الناس وتسويتها، ولا يكبران حتى يخبرا بإقامة الصفوف على النحو المطلوب، وكان علي يقول قبيل تكبيرة الاحرام: “استووا تستو قلوبكم وتراصوا تراحموا”[6] وأخبارهم في هذا كثيرة ومشهورة في كتب الآثار.
قال ابن عبد البر: وأما تسوية الصفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترة من طرق شتّى، صحاح كلّها ثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسوية الصفوف، وعمل الخلفاء الراشدين بذلك بعده، وهذا ما لا خلاف فيما بين العلماء فيه.”[7] ونقل عن أمراء مكة قديما إلزام الناس بها.
ومن هنا يحق لابن حزم أن يقول: تسوية الصف إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض؛ لأن إقامة الصلاة فرض؛ وما كان من الفرض فهو فرض[8] وكان الإمام البخاري يؤثم من لم يتم الصف وإن كان الجمهور على خلاف ذلك.
وقال الشيخ ابن عثيمين معلقا على حديث:” لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم” أي: بين وجهات نظركم حتى تختلف القلوب، وهذا بلا شك وعيد على من ترك التسوية، ولذا ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب تسوية الصف. واستدلوا لذلك: بأمر النبي ﷺ به، وتوعده على مخالفته، وشيء يأتي الأمر به، ويتوعد على مخالفته لا يمكن أن يقال: إنه سنة فقط.
ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة: وجوب تسوية الصف، وأن الجماعة إذا لم يسووا الصف فهم آثمون، وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.[9]
ما هي خطوات تسوية الصفوف في الصلاة ؟
بعد استعراض الأحاديث النبوية التي تناولت أهمية تسوية الصفوف، إليكم خمس خطوات عملية لضمان استقامة الصفوف في الصلاة.
انتظام الصفوف على خط مستقيم
من الضروري أن تكون الصفوف مستقيمة بحيث تكون الأكتاف والأقدام متساوية على خط واحد. قال النبي ﷺ: “أقيموا صفوفكم”. وهذا يعني عدم وجود أي تباين أو اعوجاج في الصف.
قال النعمان:” فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه.”[10] امتثالا لأمر النبي عليه الصلاة والسلام. وعن أبي عثمان قال: ما رأيت أحدا كان أشد تعاهدا للصف من عمر أن كان يستقبل القبلة حتى إذا قلنا: قد كبر التفت فنظر إلى المناكب والأقدام.[11] وعن وكيع عن سفيان عن ابن الأصبهاني عن عبد الله بن شداد أن عمر رأى في الصف شيئا فقال: بيده هكذا يعني وكيعا فعدله.[12]
وهذا كعب بن مرة، يقول: إن كنت لأدع الصف المقدم من شدة قول عمر: استووا.[13]
وعن عثمان بن عفان أنه كان يقول:” اعدلوا الصفوف وصفوا الأقدام وحاذوا بالمناكب[14]
وقيل لأنس رضي الله عنه لما قدم المدينة: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله ﷺ؟ قال أنس ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف.[15]
ورسم الخطوط لتقويم الصفوف كما في بعض مساجد الناس اليوم، إن هو إلا وسيلة من الوسائل الحديثة المساعدة لتحقيق تسوية الصفوف على الصحيح، إلا إذا ترتب عليه مفسدة فيمنع.
التراص بين المصلين
التراص: هوَ التضام والتداني والتلاصق. ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4][16]
والتراص في الصلاة: هو سد الفرج وعدم ترك الخلل بين الصفوف، وقد جاء الأمر النبوي به في مواضع كثيرة، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ” أقيموا صفوفكم وتراصوا”[17] “فإذا قمتم فاعدلوا صفوفكم، وسدوا الفرج”[18] ” رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف”[19]
وقال الخَطَّابي:” رُصُّوا صفوفكم” معناها:” ضمُّوا بعضها إلى بعض”[20]
وقال عمرو بن ميمون: كان عمر إذا أقيمت الصلاة أقام الصف، حتى إذا لم ير فيهِ خللاً كبّر.[21]
يتبين مما تقدم أن الهدف والمقصد من التراص هو طرد وساوس الشيطان، وأن سبيل تحقيق ذلك هو تجنب تشقيق الصف أو ترك فتح الفجوة دون الإضرار بالغير كي يحصل تمام الخشوع.
ولهذا يقول أنس في تأويل الصحابة لقوله عليه الصلاة والسلام” أقيموا صفوفكم”: “وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه” كناية عن المبالغة في تعديل الصف وسد خلله… وبهذا يتم الاحتجاج على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته.[22] على حد قول الحافظ.
وقد فرق الشيخ ابن العثيمين بين التراص والتزاحم، وقال بأن:” المراد بالتراص أن لا يدعو فرجا للشياطين، وليس المراد بالتراص التزاحم”[23]
ومن صورة التزاحم ما ذكره الشيخ بكر أبو زيد في كتابه “لا جديد في أحكام الصلاة” قائلا:” ومن الهيآت المضافة مجددا إلى المصافة بلا مستند: ما نراه من بعض المصلين: من ملاحقته من على يمينه إن كان في يمين الصف، ومن على يساره إن كان في ميسرة الصف، ولي العقبين ليلصق كعبيه بكعبي جاره، وهذه هيئة زائدة على الوارد، فيها إيغال في تطبيق السنة.”[24]
ثم ذكر الدليل على نقض هذه الهيئة الجديدة، لا سيما أنها تجر بالمصلى الاشتغال بهذا التكلف في جميع ركعات الصلاة عن تحقيق الخشوع، وإنما المقصود بالتراص سد الخلل في الصف دون التزاحم والتكلف الزائد.
قال التهانوي:” أخذت طائفة في زماننا بظاهر هذا الحديث فتراهم يلزقون أقدامهم بأقدام من يليهم في الصف، ولا يزالون يتكلفون ذلك إلى أخر الصلاة، ولا يخفى أن في إلزاق الأقدام بالأقدام مع إلزاق المناكب بالمناكب والركب بالركب مشقة عظيمة، لاسيما مع إبقائها كذلك إلى آخر الصلاة كما هو مشاهد، والحرج مدفوع بالنص، على أن إلزاق تلك الأعضاء بأجمعها حقيقة غير ممكن إذا كان المصلون مختلفي القامة، فالمراد منه جعل بعضها في محاذاة بعض، قال الحافظ في الفتح تحت قول البخاري: باب إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم في الصف: المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله اهـ.[25] من غير الإيذاء أو المضايقة.
وهذا التراص يساعد في طرد الشيطان ويعزز الخشوع في الصلاة.
التقارب بين الصفوف
حد القرب بين كل صف والذي يليه -بدءا من صف الإمام-: “أن يكون بينهما مقدار ما يسع للسجود وزيادة يسيرة”[26] وأما جعل المسافة الطويلة بين الصفوف أو فوق الحاجة فليس بجيد، ولا يشمله مسمى تسوية الصف، لأن فيه مخالفة صريحة لأمر النبي عليه الصلاة والسلام: “رصوا صفوفكم وقاربوا بينها”[27] والتراص غير التقارب بين الصفوف، ويجب الإتيان بهما وتحقيقهما معا، ولا تتم إقامة الصف وتسويته إلا بهما لمنطوق الحديث.
تكميل الصفوف الأول فالأول
من تمام استقامة الصفوف سد فرجات الصف الأول ثم الذي يليه وهكذا، حيث لا يبتدأ بالصف الآخر إلا بعد إتمام الصف الذي قبله.
وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام المصلين به في صلاتهم الجماعة فقال: ” أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر”[28]
وهذا الحديث واضح الدلالة على وجوب إتمام الصف الأول فالأول، لا سيما وأن هذا هو دأب الملائكة الذين أمرنا الاقتداء بهم كما تقدم. وتقرر أن الأصل في الأمر المجرد يحمل على الوجوب.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب إثم من لا يتم الصفوف).
وعن أبي سعيد الخدري:” أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى في أصحابه تأخرًا فقال لهم: تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من ورائكم لايزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم اللَّه عز وجل.[29]
فهذه النصوص تؤكد على وجوب الاهتمام بوصل الصفوف، وأن لا يشرع في صف إلا بعد تكميل وملء فراغ الصف الذي قبله.
توسيط الإمام في الصف
جرت السنة العملية المتوارثة من لدن القرون الأولى أن يكون الإمام وسط الصف، دون شرط التساوي بين الميمنة والميسرة ولكن مع تفضيل الميمنة لقول البراء:” كان يعجبنا عن يمين رسول الله ﷺ لأنه كان يبدأ بمن عن يمينه فيسلم عليه” وفي لفظ:” كنا إذا صلينا خلف رسول الله ﷺ أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه” [30]
وبوب ابن خزيمة – وغيره من الأئمة المصنفين- في صحيحه (باب استحباب قيام المأموم في ميمنة الصف) إلا أنه يبدأ كل الصف الجديد من خلف الإمام لا من يمينه، بدءا من اثنين وصاعدا كما هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه، بل شاع على ألسنة الصحابة قولهم “وصففنا خلفه” ﷺ، لا عن يمينه، كما في قصة صلاة الغائب على النجاشي، واتخاذ عتبان بيته مسجدا، وزيارته عليه الصلاة والسلام لبيت أم أنس وغير ذلك من الوقائع، فالمقصود أن من تمام اعتدال الصفوف وإقامته توسيط الإمام قبالة المأمومين لجريان العمل عليه من عهد النبي عليه الصلاة والسلام حتى يوم الناس هذا.
أهمية تسوية الصفوف في توحيد القلوب
تسوية الصفوف ليست مجرد فعل ظاهري؛ بل هي عمل يعزز وحدة المسلمين ويعمق الإحساس بالجماعة. فعندما تكون الصفوف مستقيمة والمصلون متراصون، تنتظم القلوب وتتحد، ما يعزز الألفة بين المسلمين ويقوي روابط الأخوة. النبي ﷺ كان يحرص على أن تكون الصفوف مستقيمة ليعزز الوحدة والانسجام بين المصلين، مما يسهم في تحقيق السكينة والخشوع.
الخلاصة
تسوية الصفوف في الصلاة ليست مسألة شكلية فحسب، بل هي سنة مؤكدة عن النبي ﷺ تحمل في طياتها معاني عظيمة تتعلق بوحدة المسلمين وتماسكهم. من خلال الالتزام بهذه السنة، يمكن للمصلين أن يحققوا التكافل والترابط فيما بينهم، ويستجلبوا الرحمة والبركة في صلاتهم وحياتهم. لذا، يجب على المسلمين الحرص على تطبيق هذه السنة في كل صلاة جماعية، لما لها من أثر كبير في تعزيز الخشوع وتحقيق الألفة بين القلوب.
[1] رواه البخاري (631)
[2] رواه مسلم (4)
[3] رواه مسلم (430)
[4] رواه ابن ماجه (995) وصححه الألباني
[5] رواه أبو داود (666) وصححه الألباني
[6] مصنف ابن أبى شيبة (3533)
[7] الاستذكار 2/288
[8] المحلى بالآثار 2/375
[9] الشرح الممتع 3/6
[10] رواه أبو داود (622)
[11] مصنف ابن أبى شيبة (3537)
[12] المصدر السابق (3531)
[13] فتح الباري لابن رجب 6/271
[14] مصنف عبد الرزاق (2443)
[15] رواه البخاري (724)
[16] المصدر السابق 6/270
[17] رواه أحمد (12884)
[18] رواه ابن خزيمة (1548)
[19] رواه أبو داود (667)
[20] معالم السنن 1/184
[21] فتح الباري لابن رجب 6/271
[22] فتح الباري لابن حجر 2/ 211
[23] الشرح الممتع 3/6
[24] كتاب “لا جديد في أحكام الصلاة” ص:12
[25] إعلاء السنن 3/ 336
[26] الشرح الممتع 3/ 7-13
[27] رواه أبو داود (667)
[28] رواه أبو داود (671)
[29] متفق عليه
[30] رواه مسلم (709)