أعمال ليلة القدر


أعمال ليلة القدر: تطل على البشرية ليلة تزينها الملائكة بالنور، وتعانق فيها السماء الأرض برحمة لا تقاس. إنها ليلة القدر، الليلة التي اختصها الله عز وجل لتكون منعطفا إلهيا في تاريخ الكون، فأنزل فيها أعظم كتاب، وجعلها منحة ربانية تضيء دروب العابدين، وتحول اليأس إلى أمل، والذنوب إلى مغفرة. ليلة تتفجر فيها أبواب السماء بالخير، ويقدر فيها مصير العام كله، فما أعظمها من ليلة! ليلة القدر هي ليلة عظيمة في الإسلام، تُعَدُّ أفضل ليالي السنة، حيث أنزل الله تعالى فيها القرآن الكريم، وجعلها خيرًا من ألف شهر.
في هذا المقال، نغوص في تفسير سورة القدر التي كشفت لنا أسرار هذه الليلة الفريدة، مستنيرين بتفسير العلامة السعدي الذي يربط بين نزول القرآن وتقدير الأرزاق في لوح محفوظ. كما نستعرض أعمالا صالحة تحيي القلب والروح، وتجعل من هذه الليلة فرصة ذهبية للتجديد والعتق من النيران. فهل أنت مستعد لاستقبال ليلة القدر وفتح صفحة جديدة في سجل الحسنات؟
تفسير سورة القدر
قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ” (سورة القدر: 1-3).
جاء في تفسير السعدي :
- يقول تعالى مبيناً لفضل القرآن وعلوِّ قدره: {إنَّا أنزَلْناهُ في ليلةِ القَدْرِ}:[كما قال تعالى: {إنّا أنزلناه في ليلةٍ مباركة}] وذلك أنَّ الله تعالى ابتدأ بإنزال القرآن في رمضان في ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمةً عامّةً لا يقدر العباد لها شكراً، وسميت ليلة القدر لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنَّه يقدِّر فيها ما يكون في العام من الآجال والأرزاق والمقادير القدريَّة.
- ثم فخَّم شأنها وعظَّم مقدارها، فقال: {وما أدراكَ ما ليلةُ القَدْرِ}؛ أي: فإنَّ شأنها جليلٌ، وخطرها عظيمٌ.
- {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }أي: تعادل من فضلها ألف شهرٍ، فالعمل الذي يقع فيها خيرٌ من العمل في ألف شهرٍ خاليةٍ منها، وهذا مما تتحيَّر فيه الألباب، وتندهش له العقول؛ حيث منَّ تبارك وتعالى على هذه الأمَّة الضعيفة، القوَّة والقوى بليلةٍ يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمَّرٍ عمراً طويلاً نيفاً وثمانين سنةً.
- {تَنَزَّلُ الملائكةُ والرُّوحُ فيها}؛ أي: يكثر نزولهم فيها، {من كلِّ أمرٍ}.
- {سلامٌ هي}؛ أي: سالمةٌ من كل آفةٍ وشرٍّ، وذلك لكثرة خيرها، {حتَّى مطلعِ الفجرِ}؛ أي: مبتداها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر. وقد تواترت الأحاديث في فضلها ، وأنَّها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، خصوصاً في أوتاره، وهي باقيةٌ في كلِّ سنةٍ إلى قيام الساعة، ولهذا كان النبيُّ – ﷺ – يعتكف ويكثرُ من التعبُّد في العشر الأواخر من رمضان رجاء ليلة القدر.
ماهي أعمال ليلة القدر ؟
لأهمية هذه الليلة، يحرص المسلمون على اغتنامها بالعبادات والأعمال الصالحة. فيما يلي بعض أعمال ليلة القدر:
- قيام الليل (التهجد): حثَّ النبي ﷺ على إحياء ليلة القدر بقيام الليل، فقال: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه. ويتحقق ذلك بالصلاة والتهجد بخشوع وتدبر.
- الدعاء والاستغفار: يُستحب الإكثار من الدعاء في هذه الليلة المباركة، ومن أفضل الأدعية ما أوصى به النبي ﷺ عائشة رضي الله عنها عندما سألته: “أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني.
- قراءة القرآن الكريم: تلاوة القرآن وتدبر معانيه من أفضل القربات في هذه الليلة، حيث أنزل الله تعالى القرآن فيها، مما يزيد من فضل هذه العبادة.
- الذكر والتسبيح: الإكثار من ذكر الله تعالى بأنواع الأذكار، مثل التسبيح والتهليل والتحميد، يُعَدُّ من الأعمال المستحبة في هذه الليلة، لما فيه من تقرب إلى الله وزيادة في الحسنات.
- الصدقة والإحسان: القيام بأعمال الخير والصدقة في هذه الليلة له أجر عظيم، حيث تتضاعف الحسنات، ويُستحب تفقد المحتاجين والفقراء ومساعدتهم.
- الاعتكاف: كان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، تحريًا لليلة القدر، فيُستحب للمسلم الاعتكاف في هذه الليالي للتفرغ للعبادة والذكر.
- إيقاظ الأهل للصلاة والعبادة: كان النبي ﷺ يوقظ أهله في ليالي العشر الأواخر ليشاركوه العبادة والقيام، مما يدل على أهمية تشجيع الأهل والأبناء على اغتنام هذه الليلة بالطاعات.
- الاغتسال والتطيب: كان السلف الصالح يهتمون بالاغتسال والتطيب في ليالي العشر الأواخر، مما يدل على أهمية الاستعداد النفسي والبدني للعبادة.
- التفرغ للعبادة والابتعاد عن المشاغل الدنيوية: على المسلم في هذه الليلة التفرغ للعبادة والذكر، والابتعاد عن المشاغل الدنيوية التي قد تشغله عن استغلال هذه الفرصة العظيمة.
- تحري ليلة القدر في الليالي الوترية من العشر الأواخر: حثَّ النبي ﷺ على تحري ليلة القدر في الليالي الوترية من العشر الأواخر من رمضان، فقال: “التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يُغلبن على السبع البواقي”. (أخرجه مسلم)
إن اغتنام ليلة القدر بالعبادات والأعمال الصالحة فرصة عظيمة للمسلم لنيل مغفرة الله ورضوانه، لذا يجب على المسلم الاجتهاد في هذه الليلة المباركة والتقرب إلى الله بكل ما يستطيع من الطاعات.
هل انتفعت بهذا المحتوى؟
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.