رحاب العدل النبوي


تجسدت أبهى صور قيمة العدل وأكمل تجلياتها في رحاب العدل النبوي، فالمصطفى ﷺ هو الذي أرسى دعائم الحق، وقاد أمة بالإنصاف، ولم يحد عن ميزان القسط قيد أنملة، سواء مع القريب أو البعيد، الصديق أو الخصم، المؤمن أو المخالف.
لم يكن عدله ﷺ مجرد تشريع يُطبق، بل كان سلوكًا حيًا، ومنهج حياة، ونورًا يفيض من شخصيته العظيمة ليضيء جوانب الحياة كافة.
نسعى للاقتراب من هذا النور المحمدي، لنقتبس منه “قبسات” مشرقة من أنوار عدله ﷺ. وهي ليست مجرد قصص تُروى، بل هي أحاديث صحيحة ثابتة في دواوين السنة النبوية المطهرة، تشكل كل واحدة منها شاهدًا ناطقًا وموقفًا عمليًا خالدًا.
هذه الأحاديث الصحيحة لا تقف بنا عند حدود الإعجاب والإكبار بشخص النبي الكريم فحسب، بل هي منارات نهتدي بها في دروب الحياة، ونماذج عملية نستلهم منها كيف يكون العدل في أدق تفاصيل التعامل الإنساني.
من عدله في القسمة، إلى إنصافه بين أزواجه، مرورًا بتطبيقه القصاص على نفسه الشريفة قبل غيره، وصولًا إلى حكمته في فض الخصومات، تتجلى لنا من خلال هذه الروايات الموثوقة عظمة هذا النبي الذي لم تأخذه في الحق لومة لائم.
فلنغترف معًا من هذا المعين الصافي، ولنتأمل كيف أسس النبي ﷺ، بمواقف وثّقتها سنته الصحيحة، قواعد حضارة إنسانية راقية، قوامها العدل والرحمة.
قبسات من أنوار عدله ﷺ
- وعن أبي سعيد قال: بينا النبي ﷺ يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل، قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه، قال: دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)؛ رواه البخاري.
- وعن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: ( كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها)؛ (رواه البخاري ومسلم).
- وعن أنس قال: ( أهدت بعض أزواج النبي ﷺ إلى النبي ﷺ طعامًا في قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها، فألقت ما فيها، فقال النبي ﷺ: طعام بطعام، وإناء بإناء)؛ (رواه الترمذي وحسنه، والحديث في البخاري بلفظ آخر).
- وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يقسم فيعدل فيقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)؛ (رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه).
- وعن أبي ليلى رضي الله عنه قال: كان أسيد بن حضير رضي الله عنه رجلًا صالحًا ضاحكًا مليحًا، فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدث القوم ويضحكهم، فطعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خاصرته، فقال: أوجعتني قال: “اقتص”، قال: يا رسول الله إن عليك قميصًا، ولم يكن علي قميص، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قميصه، فاحتضنه، ثم جعل يقبل كشحه، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أردت هذا”، (رواه أبو داود والحاكم وصححه).
- وعن البراء بن عازب قال: صالح النبي ﷺ يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: على أن من أتاه من المشركين رده إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه، وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام، فلما دخلها ومضى الأجل خرج فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، قال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي، وقال جعفر: بنت عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: بنت أخي، فقضى بها النبي ﷺ لخالتها وقال: (الخالة بمنزلة الأم)، وقال لعلي: (أنت مني وأنا منك)، وقال لجعفر: (أشبهت خلقي وخلقي)، وقال لزيد: (أنت أخونا ومولانا)؛ (متفق عليه).
هل انتفعت بهذا المحتوى؟
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.