ما يهم المسلم

اختيار الولاة في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه


يتجاوز عدد الولاة الذين عينهم الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه خلال فترة خلافته كلها على مختلف الأمصار والأقاليم الخمسين، ولا يوجد من بين هؤلاء الولاة الخمسين غير خمسة ولاة هم من أقاربه، وهم:

١- معاوية بن أبي سفيان.

٢- سعيد بن العاص.

٣- الوليد بن عقبة.

٤- عبد الله بن سعد بن أبي سرح.

٥- عبد الله بن عامر بن كريز.

 وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد عين معاوية واليا في خلافته، ومن المعروف أن بني أمية من أشهر فروع قريش وأكثرهم توليا للمناصب منذ عهد النبي محمد ، وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قد استعمل: خالد بن سعيد بن العاص، وأبان بن سعيد بن العاص، وعتاب بن أسيد، وأبا سفيان بن حرب، ويزيد بن أبي سفيان، وكل هؤلاء من بني أمية. ولا نعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمال لرسول الله أكثر من بني عبد شمس؛ لأنهم كانوا كثيرين، وكان فيهم شرف وسؤدد، فاستعمل النبي في عز الإسلام على أفضل الأرض مكة عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية، واستعمل على نجران أبا سفيان بن حرب بن أمية، واستعمل أيضا خالد بن سعيد بن العاص على صدقات بني مذحج (1).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” وقد ثبت أن عمر بن الخطاب ولى معاوية الشام، كما ثبت أن عليا ولى أقاربه من قبل أبيه وأمه كعبد الله وعبيد الله ابني العباس، فولى عبيد الله بن عباس على اليمن، وولى على مكة والطائف قثم بن العباس، وأما المدينة فولى عليها سهل بن حنيف، وقيل: ثمامة بن العباس، وأما البصرة فولى عليها عبد الله بن عباس، وولى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الذي رباه في حجره” (2).

اقرأ أيضا

من هم العشرة المبشرون بالجنة وما هي صفاتهم ؟
الرقابة المالية ومؤسساتها في العصور الإسلامية

فإن موضوع تعيين الأقارب الصالحين والجديرين بالولاية ليس عيبا أو مطعنا في الخليفة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ذلك: “إن نصر ولي الأمر والذب عنه متعين، وأقاربه ينصرونه ويذبون عنه ما لا يفعله غيرهم، وبالجملة فلا بد لكل ذي أمر من أقوام يأتمنهم على نفسه ويدفعون عنه من يريد ضرره، فإن لم يكن الناس مع إمامهم كما كانوا مع أبي بكر وعمر احتاج الأمر إلى بطانة يطمئن إليهم، وهم لا بد لهم من كفاية” (3). وعثمان رضي الله عنه لم يعين من أقاربه أو غيرهم إلا من يرى فيه الخير والصلاح للأمة الإسلامية، ولقد طلب محمد بن أبي حذيفة – الذي تربى في حجر عثمان منذ صغره – الولاية، فرفض الخليفة عثمان طلبه، واعتبره صغيرا وليس أهلا للإمارة، مما جعل محمد بن أبي حذيفة يحقد على الخليفة عثمان، فاستأذنه في الخروج من المدينة والتحق بمصر، ثم انقلب على الخليفة عثمان وأصبح من أكبر المتألبين المحرضين عليه، ونسي فضل عثمان عليه في تربيته بعد موت أبيه (4).

كان الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه يطلب من ولاته على الأمصار الحضور إليه في كل موسم حج، فيطلع منهم على شؤون ولاياتهم بشكل مباشر، وكان عندما يستدعي الأمر يطلبهم للحضور فورا، فعندما شهد بعض الناس على والي الكوفة الوليد بن عقبة بشرب الخمر – وهو أخوه لأمه – طلبه فورا، وأقام عليه الحد وعزله عن الكوفة، وكان قد تولاها أربع سنين (5).

ونفصل القول في أقارب الخليفة عثمان بن عفان الذين تولوا بعض الولايات في عهده.

1- سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي

أموي، ولاه عثمان إمارة الكوفة سنة 29 للهجرة، واستمر واليا عليها حتى سنة 34 للهجرة، حيث ذهب للحج، فلما رجع إلى الكوفة منعه جيش من الكوفة من دخولها وذلك قبيل فتنة مقتل الخليفة عثمان، حيث أرسل أهل الكوفة يطلبون الموافقة على تعيين أبي موسى الأشعري عليهم، فوافق الخليفة عثمان على ذلك. وقد كان سعيد بن العاص أحد أشراف قريش ممن جمع السخاء والفصاحة، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، وغزا بالناس طبرستان فافتتحها. ولقد استمرت ولاية سعيد بن العاص خمس سنوات، وسار بالناس بالعدل والعطاء، لكن الذين منعوه من دخول الكوفة وانقلبوا عليه هم من دعاة الفتنة ومن كان مثلهم. ويؤكد ذلك قول حذيفة بن اليمان وأبي مسعود البدري لمن جاء إليهما يطلب الموافقة على منع دخول سعيد الكوفة: “كيف تكونون على السنة وقد طردتم إمامكم؟ والله لا تكونون على السنة حتى يشفق الراعي وتنصح الرعية”. وكان سعيد بن العاص محسنا إلى بني هاشم، حليما وقورا كريم الأخلاق، وسعيد بن العاص من قادة الجهاد وفتح أذربيجان وطبرستان، وكان معه أعيان الصحابة كحذيفة بن اليمان (6).

2- الوليد بن عقبة بن أبي معيط

هو أخو الخليفة عثمان لأمه، ولاه عثمان إمارة الكوفة سنة 25 للهجرة، واستمر واليا عليها حتى سنة 29 للهجرة. وفي فتنة مقتل الخليفة عثمان أنكر أهل الفتنة تولية عثمان للوليد بحجة أنه فاسق، مع أن عثمان كان قد عزله قبل أحداث الفتنة بست سنوات. وقال عثمان في تولية الوليد: “ما وليته لأنه أخي، وإنما وليته؛ لأنه ابن أم حكيم البيضاء عمة رسول الله وتوأمة أبيه” (7). قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [سورة الحجرات: 6]. وهذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط. حيث أرسل النبي الوليد إلى بني المصطلق، فلما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم، فرجع إلى النبي ، فأخبره أنهم قد ارتدوا عن الإسلام (8).

بداية: الآية نزلت في الوليد بن عقبة، فهذا صحيح، لكن الرجل تاب إلى الله عز وجل، وباب التوبة مفتوح لمن تاب توبة صادقة وأصلح، والدليل على ذلك أن أبا بكر الصديق قد استعمله على صدقات قضاعة، وكذلك استعمل الخليفة عمر بن الخطاب الوليد بن عقبة على صدقات بني تغلب (9).

ولا يلام الخليفة عثمان بن عفان في توليته وقد استعمله الشيخان من قبله، ولقد ثبت أن الوليد بن عقبة شرب الخمر أثناء ولايته ووصل الأمر إلى الخليفة عثمان، فأقام عليه الحد وعزله عن إمارة الكوفة. وقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن حصين بن المنذر قال: “شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان: أحدهما حمران (مولى عثمان) أنه شرب الخمر، وشهد عليه آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها. فقال الخليفة عثمان: يا علي قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ول حارها من تولى قارها (أي ول شدتها من تولى نعيمها)، فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال: أمسك، ثم قال: جلد النبي أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي” (10). إن ما قام به الوليد من شرب الخمر معصية وذنب، ولم يتساهل معه الخليفة عثمان، فقد أقام عليه الحد الشرعي وعزله عن إمارة الكوفة.

3- عبد الله بن سعد بن أبي سرح

هو أخو الخليفة عثمان من الرضاعة، ولاه عثمان إمارة مصر سنة 27 للهجرة، واستمر واليا عليها حتى مقتل الخليفة عثمان بن عفان. وقد أسلم عبد الله بن سعد قبل فتح مكة، ثم ارتد والتحق بالمشركين، فأهدر النبي دمه، ولما فتحت مكة استجار بأخيه عثمان بن عفان، فشفع له وتاب وبايع النبي .

وبين ابن إسحاق سبب أمر رسول الله بقتل عبد الله بن سعد وشفاعة عثمان فيه، بقوله: “وإنما أمر رسول الله بقتله؛ لأنه كان قد أسلم، وكان يكتب لرسول الله الوحي، فارتد مشركا راجعا إلى قريش، ففر إلى عثمان بن عفان وكان أخاه للرضاعة، فغيبه حتى أتى به رسول الله بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة، فاستأمن له. قال ابن هشام: ثم أسلم بعد، فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله، ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر، فحسن إسلامه” (11).

وقال الذهبي: “وقد ولاه الخليفة عمر بن الخطاب صعيد مصر…، وإن عبد الله أسلم يوم الفتح ولم يتعد ولم يفعل ما ينقم عليه بعدها، وكان أحد عقلاء الرجال، ثم ولاه عثمان على مصر، وكان حسن السيرة فيها. ولما حدثت فتنة مقتل الخليفة عثمان جاء دعاة الفتنة من مصر إلى الخليفة يريدون عزل عبد الله بن سعد وتولية محمد بن أبي بكر، وبعد موافقة الخليفة، عاد هؤلاء يزعمون أنهم وجدوا كتابا مع غلام الخليفة فيه أمر لعبد الله بن سعد بقتلهم”. مع العلم أنه في مدة ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح لمصر تم فتح بلاد النوبة والسودان وإفريقية (12).

4- معاوية بن أبي سفيان

عن محمد بن عبد الله بن أبي سيف قال: نظر أبو سفيان يوما إلى معاوية وهو غلام، فقال لهند: “إن ابني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه”، فقالت هند: “قومه فقط؟! ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة”. وكانت هند تحمله وهو صغير، وتقول:

إن بني معرق كريم محبب في أهله حليم ليس بفحاش ولا لئيم ولا بطخرور ولا سئوم صخر بني فهر به زعيم لا يخلف الظن ولا يخيم

صحب معاوية رسول الله ، وكتب الوحي بين يديه مع الكتاب، وروى عن رسول الله أحاديث كثيرة في “الصحيحين” وغيرهما من “السنن والمسانيد”، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين. وكان حليما وقورا رئيسا سيدا في الناس، كريما عادلا شهما (13).

وقد دعا النبي لمعاوية بإسناد صحيح، فعن عبد الرحمن بن أبي عميرة الأزدي، عن النبي أنه ذكر معاوية، وقال: ((اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به)) (14).

تولى معاوية ولاية الأردن في الشام في عهد الخليفة عمر سنة 21 للهجرة بعد موت أخيه يزيد بن معاوية من طاعون عمواس، ثم ولاه الخليفة عمر بن الخطاب ولاية دمشق وما يتبع لها من البلاد، واستمر واليا عليها إلى خلافة الخليفة عثمان الذي جمع له ولاية الشام كلها (15). وكان معاوية حكيما متواضعا محبوبا مطاعا عند أهل الشام، ولم تذكر أي من الروايات أن أهل الشام ثاروا عليه أو نقموا، وهو من كتاب الوحي، وقاتل المرتدين في معركة اليمامة، وقاد جيش أخيه يزيد وشارك بتحرير الشام. ولقد زاد عثمان في ولاية معاوية، حتى جمع له الشام، وكانت الشام في خلافة عمر أربعة أرباع: فلسطين ودمشق وحمص والأردن، ثم بعد ذلك فصلت قنسرين والعواصم من ربع حمص، ثم بعد هذا عمرت حلب وخربت قنسرين وصارت العواصم دولا بين المسلمين وأهل الكتاب، وأقام معاوية نائبا عن عمر وعثمان عشرين سنة، ثم تولى عشرين سنة ورعيته شاكرون لسيرته وإحسانه راضون به (16).

5- عبد الله بن عامر بن كريز

عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب العبشمي بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، الأمير، أبو عبد الرحمن القرشي العبشمي، الذي افتتح إقليم خراسان، وهو ابن خال عثمان، وأبوه عامر: هو ابن عمة رسول الله البيضاء بنت عبد المطلب. ولي البصرة لعثمان سنة 29 للهجرة، واستمر واليا عليها حتى استشهاد عثمان (17).

كان عبد الله بن عامر محمود السيرة كريم النقيبة، قال أبو موسى الأشعري فيه: “قد أتاكم فتى من قريش كريم الأمهات والعمات، يقول بالمال فيكم هكذا وهكذا…” (18). يروى أنه اشترى دارا من خالد بن عقبة بثمانين ألف درهم، فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد، فقال لأهله: “ما سبب بكاء هؤلاء؟” فقيل له: “يبكون دارهم”، فقال: “يا غلام أعلمهم إن الدار والمال لهم جميعا” (19).

إن عبد الله بن عامر بن كريز له جهاد وغزو ومناقب عظيمة، فقد فتح خراسان وسجستان وأردشير وأصطخر وغيرها. ولما كان عبد الله بن عامر طفلا صغيرا أخذ إلى النبي فقال: ((هذا شبهنا))، ثم تفل عليه وعوذه، فجعل عبد الله يتسوق ريق النبي ، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إنه لمسقى))، فكان عبد الله لا يعالج أرضا إلا ظهر له فيها الماء (20).

وبالنتيجة فلا يصح القول بأن الخليفة عثمان رضي الله عنه خص أقاربه بالولايات دون غيرهم من الناس، وتولية عثمان رضي الله عنه خمسة من أقاربه طوال سنوات خلافته التي امتدت لأكثر من اثنتي عشرة سنة لم تمنعه من إقامة الحدود عليهم أو عزلهم إن ارتكبوا خطأ، فقد أقام حد الخمر على الوليد بن عقبة وعزله عن الكوفة.

وأتمنى أن يكون بحثي هذا سبيلا لتعريف الإنسان المسلم بمكانة الصحابة رضي الله عنهم من خلال سيرة ثالث الأركان عثمان بن عفان رضي الله عنه، فإن أصبت فبفضل الله ونعمته، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان. نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى