ما يهم المسلم

الإسلام بـ “ذوق” ياباني .. حوار شامل مع الأكاديمي والخطاط ناوكي ياماموتو


كشف الدكتور ناوكي ياماموتو، الأكاديمي والخطاط الياباني، عن رؤيته الفكرية ومشروعه الثقافي الطموح لإنشاء “ثقافة إسلامية يابانية تقليدية”، وذلك في حوار خص به موقع “

فمن خلال رحلته الشخصية التي قادته من المسيحية إلى الإسلام، وتأملاته في الفن والتاريخ والمجتمع، يقدم الدكتور ياماموتو طرحا فريدا يهدف إلى بناء جسور بين الحضارتين الإسلامية واليابانية، وتأسيس هوية راسخة للأجيال الجديدة من المسلمين في اليابان.

الدكتور ناوكي ياماموتو، وهو أستاذ مساعد ياباني في معهد الدراسات التركية بجامعة مرمرة، يحمل قصة مميزة في تحوله إلى الإسلام، حيث نشأ في عائلة مسيحية ثم اختار اعتناق الإسلام وأطلق على نفسه اسم “قيّم”، وهو أكاديمي وخطاط وفنان متخصص في الفن الإسلامي، يسعى من خلال مشروعه إلى تأسيس “الثقافة الإسلامية اليابانية” عبر دمج الفن والتراث والهوية، بهدف بناء جسور ثقافية بين الحضارة اليابانية والإسلامية.

التقى موقع

فن الخط وتجسير التلاقي

بدأ الحوار من نقطة إعجاب الدكتور ياماموتو بجماليات جامع المدينة التعليمية في الدوحة ذي الطراز الحديث والأصيل في آن واحد، حيث لفت انتباهه بشكل خاص فن الخط المنقوش على الجدران والإضاءة التي تحاكي نجوم السماء، معتبرا إياها “مرآة للكون الكبير”. هذه العلاقة مع فن الخط ليست مجرد تقدير جمالي، بل هي محور مشروعه الذي أطلق عليه اسم “الثقافة الإسلامية اليابانية”.

يوضح الدكتور ياماموتو أن هدفه ليس إنشاء ثقافة حديثة وعابرة، بل “ابتكار شيء سيصبح تقليدا”. ويضيف أن الدافع وراء هذا المشروع هو العدد المتزايد للمسلمين في اليابان، خاصة من الجيلين الثاني والثالث الذين ولدوا يابانيين ومسلمين. ويرى أنه كما طورت كل المجتمعات المسلمة في قطر وتركيا وماليزيا ثقافتها الخاصة التي تعكس ذوقها المحلي للإسلام، فإنه من الضروري تخيل وتشكيل ثقافة الإسلام الخاصة في اليابان.

ولتحقيق ذلك، اتجه ياماموتو إلى فن الخط الذي لا يزال يحظى بشعبية كبيرة في اليابان كأحد الفنون التقليدية. وقد ابتكر أسلوبا يابانيا فريدا من الخط الإسلامي مستلهما من “الخط الصيني  (Khat Sini)، وهو فن طوره المسلمون الصينيون. ويشرح إحدى لوحاته قائلا: “إذا قرأته عموديا، يمكنك قراءته كحرف صيني بمعني (حياة طويلة وازدهار) لكن إذا قلبته، يصبح مثل حرف (أ) وكلمة (أستغفر الله).

رجل يحمل كتابًا في قاعة واسعة، يرتدي بدلة داكنة ونظارات. يظهر خلفه أجواء داخلية للمكان مع سجادة خضراء.

ويؤكد الدكتور ياماموتو أن تبني هذا الفن هو خطوة تهدف إلى كسر الصورة النمطية لدى اليابانيين بأن الإسلام “دين للصحراء والعرب فقط”. يقول: “الثقافة اليابانية هي أيضا جزء من الثقافة الصينية. وبهذه الطريقة، أحاول أن أظهر للجمهور الياباني أن الثقافة الإسلامية موجودة في كل مكان، حتى في شرق آسيا، ويمكن أن تكون شيئا مألوفا لديهم”.

إعادة اكتشاف الروابط المفقودة

يؤكد الدكتور ياماموتو أن مشروعه لا يهدف إلى “اختراع” صلات جديدة بين الثقافتين، بل إلى “إعادة اكتشاف وإعادة تعريف” روابط تاريخية فقدت بفعل الحداثة والتغريب. ويقدم مثالا لافتا من التراث الياباني نفسه، وهو لباس “الكيمونو” التقليدي.

يشرح قائلا: “هناك لباس داخلي نرتديه تحت الكيمونو يسمى (جيبان (Jiban ) بعض المؤرخين يقولون إن هذه الكلمة تأتي من الكلمة العربية (جبة) هذا يعني أنه حتى في ثقافتنا اليابانية التقليدية، هناك أثر للثقافة العربية”. من هنا، يسعى ياماموتو إلى إحياء هذا الاتصال الروحي والثقافي المنسي بين اليابان والحضارة الإسلامية.

رحلة الإيمان من كيوتو إلى القاهرة

لم تكن رحلة الدكتور ياماموتو فكرية فحسب، بل كانت رحلة روحية عميقة. اسمه الياباني “ناوكي” يعني “المستقيم” (ناو) و”النور” (كي)، ومن معنى الاستقامة اشتق اسمه الإسلامي “قيم”. نشأ مسيحيا وكان يطمح لأن يصبح قسيسا، لكنه قرر دراسة الإسلام في المرحلة الجامعية.

كانت رحلته إلى مصر نقطة تحول حاسمة في حياته. هناك، قضى أول رمضان له وشاهد بعينيه ثقافة “مائدة الرحمن”، حيث يقدم الناس الطعام في الشوارع للفقراء وعابري السبيل. يقول ياماموتو: “لقد أدهشتني حقا روح الإحسان، أو روح الإيثار. في المجتمع الياباني، أصبحنا أكثر توجها نحو الذات بسبب الحداثة، لكن في المجتمع المسلم، لا تزال روح خدمة الآخرين والتضحية بالنفس قوية جدا”.

ويضيف أن هذه التجربة الحية كانت بمثابة “عين اليقين” التي تجاوزت المعرفة النظرية التي اكتسبها من الكتب. وبعد ستة أشهر فقط من هذه التجربة، اعتنق الإسلام، ثم واصل دراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية في إسطنبول.

هوية المسلم الياباني

عند سؤاله عن معنى أن يكون مسلما يابانيا، يحذر الدكتور ياماموتو من خطر الوقوع في “العصبية” والقومية الضيقة. فالهوية “اليابانية” أو “الأمريكية” أو “البريطانية” قد تقود إلى الإقصاء والعنصرية إذا لم يتم التعامل معها بحكمة.

بالنسبة له، يكمن جوهر هوية المسلم الياباني في “كيف يمكن لفرد لديه إيمان ومعرفة إسلامية أن يخدم المجتمع الياباني ككل”، وليس فقط الجالية المسلمة. ويشير إلى مشاكل اجتماعية مثل الوحدة التي يعاني منها الكثيرون في اليابان، ويرى أن المسلم يمكن أن يساهم في إيجاد حلول. كما يسعى إلى تفنيد فكرة أن التمسك بالإسلام يعني التخلي عن الهوية اليابانية.

ويقول: “مهمتي هي إنشاء ثقافة إسلامية يابانية لا تدمر الثقافة المحلية، بل تجلب إليها إلهاما وثراء جديدا من خلفية إسلامية”.

طوبى للغرباء

يعترف الدكتور ياماموتو بأن تاريخ الإسلام في اليابان حديث نسبيا، ولا يتجاوز 120 عاما، وقد ارتبط في بداياته بأسباب سياسية. أما المجتمع المسلم المعاصر، فقد تشكل بشكل أساسي من المهاجرين الذين وفدوا في الثمانينيات والتسعينيات، واليوم يدخل المجتمع مرحلة الجيلين الثاني والثالث. ومن هنا، يطلق عبارته الشهيرة: “ليس لدينا تاريخ، لكن لدينا إمكانات”.

ومع ذلك، لا يخفي ياماموتو التحديات التي تواجه المسلمين اليابانيين في المستقبل. فهو يرى أن السنوات القادمة ستكون “الأصعب” بسبب تصاعد المشاعر المعادية للإسلام، واستخدام بعض السياسيين لخطاب الكراهية، بالإضافة إلى الانقسامات الداخلية بين الجاليات المسلمة المختلفة.

في مواجهة هذه الصعوبات، يستحضر المفهوم النبوي “الغرباء”، المستمد من حديث “بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا” (صحيح مسلم). ويرى أن هذه الغربة في المجتمع الياباني لا ينبغي أن تكون مصدر خجل أو خوف، بل دافعا للتفكير المستمر في كيفية المساهمة.

ويقدم استراتيجية ملهمة مستوحاة من المفكر الصيني المسلم “جين تيانشو”، الذي أثبت أن المسلمين الصينيين أكثر تمسكا بالقيم الصينية الأصيلة من غيرهم. يقترح ياماموتو: “ماذا لو استطاع المسلمون اليابانيون الاستثمار في الحفاظ على الثقافة اليابانية التقليدية – كالخط والملابس والحرف اليدوية – أكثر من اليابانيين العاديين؟ يمكن أن يكون هذا ملهما جدا للجمهور الياباني”. فهو يرى أن الكثير من السياسيين الذين يدعون حماية الثقافة اليابانية يرتدون هم أنفسهم ملابس غربية، معتبرا ذلك “كذبة”.

الفن مدخلا لجماليات “الذوق” في الإسلام

وتناول الدكتور ياماموتو دور الفن كأداة للدعوة وتعميق الفهم. فهو يرفض فكرة أن الفن “بدعة” أو غير ضروري، مستشهدا بالحديث النبوي “إن الله جميل يحب الجمال” ( صحيح مسلم). ويرى أن الفن يمكن أن يكون بوابة لغير المسلمين للتعرف على الإسلام، خاصة في مجتمع لا يعرف الكثير عن مبادئه.

نموذج من أعمال الأكاديمي والخطاط الياباني ناوكي ياماموتو
نموذج من أعمال الأكاديمي والخطاط الياباني ناوكي ياماموتو

ويضيف قائلا: “ما أريد أن أفعله في مشروعي الفني الإسلامي الياباني هو إنشاء جسر حيث لا يوجد مصعد لاكتساب الإيمان. يجب أن ننشئ خطوات صغيرة، خطوة بخطوة، وفي النهاية يمكن للناس أن يروا ويستمتعوا بعملية البحث عن الإسلام، وهضم تصوراته، وتجربة جماليات الذوق فيه”.

مفهوم العفو في القرآن

ويرى الدكتور ياماموتو أن أفضل وسيلة لتقديم جوهر رسالة القرآن الكريم لغير المسلمين، من خلال تجربته في اليابان، هي التركيز على مفهوم “العفو”. وأوضح ذلك بقوله: “العفو هنا يشمل التسامح مع النفس والآخرين. ففي المجتمع الياباني الحديث، أصبحت فكرة الصفح عن الآخرين، وكذلك التسامح مع الأخطاء الشخصية، أمرا صعب التحقيق، مما يسبب ضغوطا نفسية كبيرة”.

ويختتم الدكتور ياماموتو حديثه ل “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى