صدور كتاب: الفكر الفلسفي اللساني المعاصر

يشكل صدور كتاب «الفكر الفلسفي اللساني المعاصر (الألسنية البنيوية/ الألسنية الحوارية الاجتماعية)» للأستاذ الدكتور شكري عزيز الماضي أستاذ نظرية الأدب والنقد المعاصر في الجامعة الأردنية، والصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، حيث يضع الكتاب قارئه أمام خريطة فكرية واسعة تتقاطع فيها الرؤى اللسانية مع الفلسفة؛ لتكشف عن جوهر اللغة وطبائعها العميقة.
الإطار المعرفي والمنهجي
يصرف المؤلف نظره عن السرد التاريخي لعلم اللغة؛ ليركز على تأسيس طرحٍ فكريٍ يرى في المنهج رؤيةً متكاملةً تسمو فوق الدور الأداتي البحت. وينطلق الكتاب من التعامل مع اللغة وفق منظور الظاهرة الإنسانية والاجتماعية والثقافية، رابطاً إياها بالسياق الحضاري والتحولات المعرفية العالمية. ويعرف (الفكر الفلسفي اللسان) بوصفه حركة علمية حررت البحث اللغوي من هيمنة المنطق والتاريخ وعلم النفس، ليصبح علما مستقلا بذاته يوازي العلوم الإنسانية والاجتماعية.
البنية والمحتوى
ينتظم الكتاب في تمهيد وثلاثة فصول مترابطة، تستهل بإضاءة على مفهوم الفكر الفلسفي اللساني واستقلال البحث اللغوي بموضوعه وأدواته. ويؤسس الفصل الأول لهذه الرؤية بطرح أسئلة وجودية: كيف نفهم اللغة؟ وما الذي يجعلها مرآةً للثقافة وجسراً يربط الإنسان بالعالم؟ مناقشاً قضايا محورية تتصل بعلاقة اللغة بالوعي، والأيديولوجيا، والسياق الاجتماعي.
وينتقل المؤلف في الفصل الثاني لتقديم عرض مكثف للألسنية البنيوية ونظرية فرديناند دي سوسير التي تعد اللغة نسقا من العلاقات، راصدا واقع استقبال هذه النظرية في الدرس الأكاديمي العربي وما شابه من تمثل أو اختزال. وبالتوازي مع ذلك، يبحث الفصل الثالث في الاتجاه الذي يحتل مع البنيوية “ذرى الفكر اللساني”، وهو “الألسنية الحوارية الاجتماعية” عند ميخائيل باختين، مركزاً على البعد التواصلي للغة وعلاقتها الجدلية بالسلطة والخطاب.
الرؤية النقدية
يسعى الدكتور الماضي من خلال هذا العمل إلى تحقيق جملة من الأهداف، أبرزها:
- تشخيص أزمة المنهج: يرصد الكتاب واقعا مأزوما للدرس اللغوي العربي، يتأرجح بين تبعية زمانية للماضي تحت شعار “بضاعتنا ردَّت إلينا” الذي يخفي العجز، وتبعية مكانية للغرب تتسم بالانبهار الذي يعني انعدام الرؤية.
- ترسيخ مفهوم المنهج: التأكيد على أن المنهج ليس مجرد خطة إجرائية، بل هو منظومة متكاملة من المفاهيم والتصورات والمصطلحات المستندة لأسس فلسفية؛ فالبحث يستمد قيمته من زاوية النظر لا من الموضوع فحسب.
- التعامل النسبي مع الحقائق: الدعوة لاستيعاب المناهج الغربية بوعيٍ نقدي يدرك أن الحقائق العلمية احتمالية وليست نهائية، وأن المناهج كائنات حية تتغير بتغير الزمن والمعرفة، مما يستوجب المساءلة لا التقديس.
خاتمة
يمثل هذا الإصدار لبنة أساسية في مشروع تحديث الدرس اللغوي العربي؛ إذ يجمع بين العمق الفلسفي والوضوح الأسلوبي، مقدماً طريقا ثالثا يتجاوز ثنائية الانغلاق التراثي والتبعية الغربية، نحو تأسيس فكر لغوي عربي معاصر، يشارك المجتمع بكل قواه في صياغته وتجاوز أزماته.




