“ليطمئن عقلي” .. كتاب عن الإلحاد غير موجه للملحدين!!
من بين الكتب المفيدة والممتعة التي صدرت في السنوات الأخيرة، كتاب “ليطمئن عقلي .. الإيمان من جديد بمواجهة إلحاد جديد ” للكاتب العراقي أحمد خيري العمري، وهو كتاب ليس موجها للملحدين. على الأقل ليس للملحدين الذين حسموا أمرهم بالإلحاد دون أي أسئلة إضافية أو مزيدا من البحث. وهو أيضا ليس للمؤمنين الذين يعتقدون أنهم يملكون كل الأجوبة ” النموذجية” التي لا تحتاج لتحديث أو تحوير… ولا للمؤمنين الذين يعتقدون أن لا أسئلة هناك أصلا.
كتاب “ليطمئن عقلي” ليس كتابا للمطمئنين عموما، من الجانبين النقيضين. وهو كما يقول مؤلفه: “لا لِمَنْ اطمأن إلى أن إلحاده هو الوضع الصحيح، ولا لِمَنْ اطمأن إلى إيمانه وثباته وعدم حاجته إلى حصانة عقلية” من نوع ما. لا يستوي هذان النقيضان بالتأكيد، والثاني منهما ” نغبطه” على ما هو فيه..لكن هذا لن يغير من حقيقة أن الكتاب ليس موجها له أيضا..هذا الكتاب ليس لهؤلاء ولا لأولئك بالتأكيد.
كتاب“ليطمئن عقلي” من أشهر أعمال الدكتور والكاتب أحمد خيري العمري. وقد حقق هذا الكتاب جدلًا واسعًا في الأوساط الدينية والثقافية، وذلك لفساد بعض الأطروحات التي عُرضت في الكتاب. كما حقق هذا الكتاب مبيعات ضخمة، فتصدر الكتب الأكثر مبيعًا في وقت ما.
وقد حقق هذا الكتاب شهرة كبيرة وذلك نظرًا لفرادة أسلوب الكاتب وسلاسته. فأسلوب الدكتور أحمد خيري العمري يتميز ببساطته بالنسبة للعامي وجودته بالنسبة للمثقف. فهو يعتمد على تبسيط العبارة والبُعد عن الكلام المُنمق الزائد عن الحد. وقد ألّف العمري كتاب ليطمئن عقلي كمحاولة لطرح نقاش عقلاني محايد للفئتين من الناس وفقط، أولهم من من لم يطمئن قلبه لأن الإلحاد هو المنهج الذي سيتبعه حتمًا، وثانيهم من من لم يطمئن قلبه لأن الإيمان بالله هو المنهج الذي سيحيا وسيموت عليه.
فيحاول الكاتب أن يُقنع كلا الفئتين أن الإيمان بالله الواحد هو الحل الأمثل والطريق الأوحد والعقيدة التي لا زيغ فيها ولا حيد. ويجب التنبيه أن هناك مآخذ كثيرة على بعض معتقدات العمري وبعض الأفكار الدينية التي يتبناها، فليحذر القارئ!
القارئ المستهدف
ليطمئن عقلي” من أهم كتب الفكر الديني، فهو يقدم للمكتبة الإسلامية إضافة كبرى لأنه استطاع أن يتصدى لموجة الإلحاد الجديد بأسلوب جديد تفوق على الكتب التقليدية التي يؤلفها العلماء المسلمين، والتي تتسم بنبرة استعلائية على الملحدين وأصحاب المعتقدات الأخرى، وينقصها البحث الدقيق والقراءة العميقة لكتب التراث الإسلامي ومؤلفات العلماء الملحدين.
أحمد خيري العمري باحث ذكي لأنه من الصفحة الأولى في كتابه “ليطمئن عقلي” حدد هدفه وأعلن عن قارئه المستهدف. لم يشغل نفسه بإقناع الملحدين بوجود الله لأنه يعلم أن الملحد لن يقرأ هذا الكتاب، باعتبار أن هذا الملحد قد حسم أمره مسبقا بعدم وجود الله، لذا قرر الكاتب استهداف المؤمنين الذين يملكون أسئلة حول الدين تجعلهم يتشككون أحياًنا في حقيقة وجود الله أو في أهمية الدين والشعائر والعبادات، المؤمنين المتأثرين بالفكر الغربي لدرجة أنهم يتبنون نظرة عدمية لا ترى هدفا من الوجود وترى الشعائر الدينية تقييًدا للحرية الشخصية.
الإخوة الملحدين!!
في كتابه “ليطمئن عقلي” لم ينزلق أحمد خيري العمري إلى فخ الهجوم الشخصي على الملحدين، لم يتهمهم بالمرض النفسي بل نعتهم بلقب الإخوة الملحدين وأشاد بأخلاق بعضهم واستطاع بعمق أن يحلل طرق التفكير التي تؤدي إلى وصول الإنسان للإلحاد. ومن الواضح أنه قرأ جيدا كتب المفكرين الملحدين مثل برتراند راسل ودوكنز وغيرهم فتمكن من الرد على ادعاءاتهم بطريقة علمية ومنطقية بدون استخفاف أو سب.
لم يقلل الكاتب من الأديان السماوية الأخرى ولم يدع أن مصير كل من لا يؤمن بالإسلام جنهم وبئس المصير بل قرر أن يترك أمرهم لله سبحانه وتعالى.
قسم الكتاب لعدة ملفات بداية من وجود خالق للكون لوجود الأديان السماوية حتى سبب وجود الدين وأهميته، وهل هناك عداء بين الدين والعلم، ثم أبحر في ملفات شائكة كثيرة حول علاقة الإسلام بالمرأة والسنة النبوية وتاريخ الفتوحات الإسلامية وهل صحيح أن الإسلام انتشر بالسيف، وكانت إجاباته عن هذه الأسئلة غير تقليدية على الإطلاق وناتجة عن بحث وتفكير عميق.
الهجوم على الإعجاز العلمي
هاجم المؤلف بشجاعة فكرة الإعجاز العلمي في القرآن والتي تسببت في انصراف الكثير من الشباب عن الدين واستخفافهم به رغم أنها كانت تريد ربط العلم بالدين وتريد اثبات أن القرآن من عند الله، لكن النتيجة كانت عكسية للأسف.
أهم ما يمكن استنتاجه من هذا الكتاب هو أن المقولات الجاهزة التي يرددها الملحدون العرب للتشكيك في الدين وأغلب صراعاتهم مع الدين الإسلامي هي صراعات مستوردة من الغرب المسيحي، والذي يملك علاقة تاريخية مختلفة بالدين عن المسلمين تماًما. كما أن بعض المسلمين يصدقون بسهولة الادعاءات التي تكتب ضد دينهم بدون أن يحاولوا القراءة والبحث من أجل معرفة الحقيقة.
من هو أحمد خيري العمري؟
أحمد خيري العمري هو كاتب وطبيب أسنان عراقي من مواليد بغداد في عام 1970، ينتمي إلى الأسرة العمرية في الموصل، والده مؤرخ وقاض عراقي هو خيري العمري. تخرج كطبيب أسنان من جامعة بغداد عام 1993، لكنه عُرِف ككاتب إسلامي عبر مؤلفات جمعت بين منحى تجديدي في طرح الموضوعات والأسلوب الأدبي. اختير عام 2010 ليكون الشخصية الفكرية التي تكرمها دار الفكر في تقليدها السنوي، والذي سبق أن كُرم فيه أعلام مثل عبد الوهاب المسيري والبوطي والزحيلي، وبذلك يكون العمري هو أصغر هؤلاء المكرمين سناً حيث تم اختياره قبل أن يبلغ الأربعين.
وتعتبر مؤلفات العمري إضافة كمية وكيفية لفكر النهضة الذي يعتبر مالك بن نبي من أهم رواده. تمكن من حمل خطاب النهضة إلى فئة أوسع من الفئة التي توجه لها مالك بن نبي بسبب لغته المميزة وبيانه الواضح، إضافة إلى أن اعتماده على التأصيل القرآني للنهضة جعل من أفكاره أكثر قبولاً.
من الأفكار المهمة التي وردت في كتابه البوصلة القرآنية فكرة التساؤل الإبراهيمي التي عرضها العمري كركيزة للإسلام الأول ممثلة في النبي إبراهيم الذي كان أول من أطلق عليه القرآن لفظ مسلم، والنبي إبراهيم في القرآن وبخلاف كل الكتب السماوية السابقة وصل إلى إيمانه عبر التساؤل ورفض الأجوبة السائدة (سورة الأنعام الآيات 74-79)، ويعتبر العمري أن هذا ركيزة أساسية للإسلام كله باعتبار إبراهيم هو المسلم الأول. كما أن فكرة النهضة لديه لها مفهوم ثقافي مرتبط بالثقافة الشعبية والأفكار السائدة، وهو يرى إن أسباب تخلفنا عميقة الجذور فيما يسميه “العقل الجمعي” المتراكم عبر القرون وهكذا فإن عملية النهضة تشمل أولا عملية تغيير المفاهيم السائدة عبر ما يسميه “الاستئصال والتأصيل” ويقصد بالاستئصال محاربة وتفنيد المفاهيم السلبية وبالتأصيل تعميق المفاهيم الإيجابية بالاعتماد على نصوص دينية.
ويعتمد العمري في استنباطاته للمفاهيم من القرآن على الجذر اللغوي للفعل، فهو يعود إلى جذر كل لفظ قرآني ويقوم بعملية مسح للاستخدام القرآني للفظ في كل المواضع ويخرج بنتائج مترابطة ضمن منظومة فكرية-قرآنية. من الأمثلة على ذلك تأصيله لمفهوم العقل في القرآن عبر اعتماده على الجذر اللغوي لكلمة عقل الذي يعني ربط، فهو ينتقل من هذا المعنى عبر إجراء مسح قرآني ليصل إلى أن العقل هو الربط بين الأسباب والنتائج.
ينتقد العمري ما يسميه المؤسسة الدينية التقليدية، التي يرى أنها تمثل إرثاً ضخماً يعود لتاريخ ما بعد الخلافة الراشدة وقد اختلط بالموروث الشعبي وغير الديني، وكذلك بالجهات الرسمية والسياسية، وهي تنوب عن الإسلام رسمياً وفكرياً وتحتمي بنصوصه رغم أن كثيراً من أفكارها -حسب العمري- تناقض المفاهيم الإسلامية الأصيلة.
مؤلفات العمري
العمري معروف بغزارة الإنتاج وتنوعه، فقد أصدر في الفترة بين 2003-2008 ستة كتب لاقت رواجاً لافتاً وتنوعت بين البحث العلمي والرواية والرسالة الأدبية، بالإضافة إلى عشرات المقالات في الصحف العربية. وقد عرفت مؤلفاته رواجا كبيرا خاصة الكتب الدينية وفي مقدمتها كتابه البوصلة القرآنية وكتاب ليطمئن عقلي. ومن مؤلفاته مايلي:
- البوصلة القرآنية: إبحار مختلف بحثا عن الخارطة المفقودة. 2003 دار الفكر، دمشق. وهو الكتاب الأول له، أحدث ردات فعل مختلفة بين الرفض والهجوم وبين الإعجاب والقبول،
- سلسلة ضوء في المجرة (ستة عناوين) 2005.
- إدرينالين.
- الفردوس المستعار والفردوس المستعاد: ثوابت وأركان من أجل حضارة أخرى. 2005 دار الفكر دمشق، وهو كتاب يعرض فيه قيم الحضارة الأمريكية ويبين تعارضها مع القيم الإسلامية التي يجب أن تكون نواة لنهضة إسلامية قادمة.
- رواية أبي اسمه إبراهيم. 2006، دار الفكر، دمشق.
- سلسة كيمياء الصلاة (خمسة عناوين) 2008، دار الفكر، دمشق. وقد نالت نجاحاً كبيراً بعد صدورها.
- فيزياء المعاني.
- سدرة المنتهى.
- استرداد عمر.
- سيرة خليفة قادم.
- القرآن لفجر آخر.
- شيفرة بلال.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.