ما يهم المسلم

وقفات في رحاب سورة غافر


سورة غافر أو سورة المؤمن من السور المكية التي تبدأ بالحروف المقطعة، وهي أولى سور “ذوات حم” في ترتيب المصحف، وتأتي امتدادًا لموضوعات سورة الزمر، وتعميقًا لموضوعات الجدل مع الكفار، وتثبيتًا للنبي والمؤمنين به، وبيانًا لسنن الله في نصر المؤمنين وهلاك المكذبين، مع بيان بعض النماذج الخاصة من تعاطي أولياء الله مع تكذيب أعداء الله، بالإضافة إلى عرض بعض أدلة التوحيد ومظاهر النعم الإجمالية في الكون.

مقدمة سورة غافر

تُفتتح السورة بمقدمة مختصرة جدًا في إطار التنبيه على الصراع بين الحق والباطل: ﴿حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ * مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾ [غافر: 1-4].

وهذه المقدمة مشحونة غاية الشحن، ومن أهم ملامح هذا الشحن:

  1. إثبات نبوة النبي من خلال إثبات نزول القرآن عليه الذي هو آيته على نبوته، وهو الأمي الذي لم يَتْلُ قبل هذا كتابًا ولم يخطه بيمينه.
  2. فتح الباب بين المذنبين ومنزِّل هذا الكتاب إن شاءوا التوبة والرجوع، وهو معنى فُصِّل في سورة الزمر: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًاإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]. وأُجمل هنا، مع تأكيد التهديد والوعيد: ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الزمر: 56-58].
  3. التأكيد على أن الله يُمْهِل ولا يُهْمِل، فمهما أُرْخِيَ للإنسان طُولُه، فهو مأخوذ لا محالة: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ [الجمعة: 8]، ﴿وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ﴾ [النجم: 42]، ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: 14].
  4. أن الجدال والتكذيب بالآيات سِمَةُ من حقت عليهم العقوبة وكُتب عليهم الكفر قدرًا مقدورًا، فمآلهم معروف ومسارهم مألوف، ولن يكونوا استثناءً من سنن الله في المكذبين والجاحدين.

وبعد هذا العرض الموجز والتلخيص الشديد الاختصار والاكتناز، يأتي متن السورة مكوّنًا من مجموعة قضايا تتعلق بهذه المعاني وتؤكدها وتقوّيها.

وتبدأ السورة بعد المقدمة بالآتي:

ذكر قصص المكذبين

تذكر السورة أول ما تذكر قصص عدد من الأنبياء ورد ذكرهم في سور أخرى، فتُجمل القصص كما أجملتها في سورة “ص”: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ [غافر: 5]، لتؤكد:

  •  عزيمة الرسل على تبليغ الرسالة.
  • سنة المكذبين في الجدال بالباطل.
  • سنة الله في المكذبين بالإهلاك.

ومن خلال هذا الإيجاز توصل رسالة لمشركي مكة أنهم لن يكونوا استثناءً من هذا السياق العام، ومن هذه السنة الخالدة.

وتؤكد هذه الرسالة في السورة مرات عديدة، مثل قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ﴾ [غافر: 21]. ﴿فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [غافر: 82]. ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: 85].

ورغم قصر المقطع، فإن التعقيب عليه يوحي بالمقصد الاعتباري من إيراد القصص في القرآن؛ ذلك ليعلم المؤمنون والمكذبون المآلات، ولذلك يختصر السياق القرآني في عرض مآل المكذبين: ﴿وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر: 6]. ويلتفت لحال ومآل المتقين، فاصلًا بينه وبين حسرة المكذبين يوم الحسرة، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ [غافر: 7].

حتى إذا أنهى الخبر عنهم، عاد للحديث عن حسرة المكذبين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ [غافر: 10].

وتتقابل الصورتان: صورة من تستغفر له الملائكة وتدعو له، وصورة من تلعنه وتوبخه.

وفي سياق القصص أيضًا تأتي قصة موسى وفرعون، وهي من أكثر القصص تكرارًا في القرآن لكثرة العبر فيها والدلالات، وقوة التشابه بين جبروت فرعون وملئه وجبروت قريش في مقابل الضعف المادي للنبي أمام هذا الجبروت، رغم تأكيد القرآن على أن المآل للنصر والتمكين لا محالة.

وتركز قصة موسى هنا على جبروت فرعون وغطرسته، ومقابلته الحجة بالاستكبار، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [غافر: 23-25].

ويؤكد القرآن – رغم هذا الجبروت – أن فرعون وكيده وجبروته وقوته في خسار دائم، ويبرز ذلك في صور متعددة:

  1. التصريح بتبابه وتباره: ﴿وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [غافر: 25]، ﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ﴾ [غافر: 37].
  2. التصريح بأن الله يضل كيد فرعون ويمهله حتى يأخذه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر: 28]، ﴿كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ﴾ [غافر: 34]، ﴿وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [غافر: 37].
  3. الإشارة إلى عجز فرعون عن موسى حتى جعل يستأذن حاشيته في قتله: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ [غافر: 26].
  4. الإشارة إلى عجز فرعون وهو مدعي الألوهية، عن الإنجاز: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ﴾ [غافر: 36].
  5. تأكيد جهل فرعون رغم ادعائه العلم بكذب موسى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: 26]، ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾ [غافر: 37].
  6. الإشارة إلى تسرب الإيمان إلى حاشيته وجهله بذلك: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ [غافر: 28].
  7. عجزه عن الإضرار بهذا الرجل الذي يكتم إيمانه: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 45].
  8. وآخر هذه الصور تصوير المكذبين من آل فرعون في جهنم يتحاجون، حيث قال تعالى: ﴿فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ﴾ [غافر: 47]، والحقيقة النهائية: ﴿إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾ [غافر: 48]، ﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف: 39].

قوة المؤمنين أمام كبرياء فرعون

في هذه السورة تأتي قصة مؤمن آل فرعون، وهي قصة فريدة في القرآن حتى سميت السورة باسمه “سورة المؤمن”، وتتلخص قصة هذا المؤمن المتخفي فيما يأتي:

  1. أنه من آل فرعون: فليس من بني إسرائيل المستضعفين، وإنما هو من علية القوم.
  2. أنه يكتم إيمانه: والواضح أن كتمانه له ليس بدافع الخوف الذاتي على نفسه من بطش فرعون كما يقع للمسلمين زمن نزول هذه السورة في مكة، بل لمصالح دعوية على ما يبدو، فقد يؤثر في فرعون باللين والقرب والنصح فيستميله للإيمان، ويشهد لذلك خطابه.
  3. أنه يقوم بدور نعيم بن مسعود في التخذيل، فهو يخذّل عن موسى بحجج رعاية مصلحة فرعون: ﴿وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ [غافر: 28].
  4. أنه يقدم الحجاج بمنطق عقلي ومصلحي: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ [غافر: 28].
  5. يتدرج في الحجاج ويبدأ بالتعريض قبل التصريح: ﴿وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ﴾ [غافر: 28]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر: 28]، ﴿فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا﴾ [غافر: 29]، ففرعون المدّعي الربوبية والألوهية يزعجه هذا الأسلوب الذي يفترض ربًّا غيره.
  6. يستعين بالتاريخ في معرفة السنن الكونية: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا﴾ [غافر: 34].
  7. يبدو أصلب حين يشتد الصراع ويُظن أنه خاف، فيأتي أقوى وأصلب عودًا: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر: 43].

فهذا الرجل المؤمن، بما أخذ من أسباب في تخفيه عن فرعون، وبما نصحه في خفاء، وبما وجّهه بعقلانية، لم ينحت من إيمانه معايشة الكفر وأهله، ولم تؤثر مساكنة الكافرين ومعايشتهم في عقيدته وصفاء سريرته، ولم يُخِفْه تخويفهم، ولم تُرعبه قوتهم، فلم يكن تخفيه جبنًا ولا خورًا، وإنما كان لمصلحة، وحين لم تتحقق بدا قويًّا جلدًا صبورًا مؤمنًا شجاعًا متوكلًا محفوظًا؛ وبالتالي كانت العاقبة له والدائرة على خصومه: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 45].

التأكيد على السنن الإلهية في نصر المؤمنين وهلاك المكذبين

يبرز هذا المعنى في السورة من خلال القصص والتعقيبات وفي معظم جزئيات السورة تقريبًا؛ لأن النقطة المراد إبرازها هي تخويف الكفار وتثبيت المؤمنين، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: 51–52].

وقوله عز وجل: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: 85]. وكذلك قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ﴾ [غافر: 21]. ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [غافر: 22]. وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۖ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [غافر: 78]. وقال: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [غافر: 55]، ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فكيف كَانَ عِقَابِ﴾ [غافر: 5]، ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ۚ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [غافر: 58].

التأكيد على أن للنذارة فرصة ستنتهي لا محالة

تكرر السورة التأكيد على أن فرصة الإنذار والتوبة محدودة، وأن وقت الحساب لا يقبل الاعتذار أو الرجوع. قال تعالى: ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ [غافر: 18]. ﴿لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ﴾ [غافر: 15]. ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [غافر: 66]. ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: 85]. ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: 14]. ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا﴾ [غافر: 59].

تأكيد دور الربانية والارتباط بالله في النصر العاجل والآجل

تؤكد السورة مرارًا أن النصر الحقيقي للمؤمنين لا يتحقق إلا بالارتباط الوثيق بالله عز وجل، والاستعانة به وحده، والتوكل عليه في مواجهة الظالمين والمستكبرين. جاء ذلك في عدة مواضع، منها: ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [غافر: 27]. ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 44–45]. ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: 7]. ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: 14]. ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [غافر: 55]. ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].

تأكيد أن الصرف عن الحق لا علاج له

تبرز السورة حقيقة أن من يُصرف عن الحق ويضلله الله لا يجد له من يهديه أو ينقذه من العاقبة. جاء ذلك في آيات متعددة منها: ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [غافر: 33]. ﴿أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ﴾ [غافر: 69]. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر: 28]. ﴿كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ﴾ [غافر: 34]. ﴿وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ﴾ [غافر: 37]. ﴿كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: 35]. ﴿كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ [غافر: 74].

تأكيد كثرة النعم المقابَلة بشدة الجحود

من ذلك قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [غافر: 61]، ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [غافر: 64]، ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ﴾ [غافر: 79-81]، ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [غافر: 67]. ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ۚ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [غافر: 58]. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [غافر: 61]. ﴿فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ﴾ [غافر: 81]. ﴿وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [غافر: 59]. ﴿وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57].

التأكيد على مضامين الرسالة النبوية من صدق النبي والإيمان بالبعث والجزاء

السورة كلها حشد لهذا المعنى وتأكيد له وبيان للسنن في المصدقين والمكذبين، إغراءً بالإيمان وتثبيتًا للمؤمن وتهديدًا للمكذب ليعتبر، لذلك كان هذا المعنى حاضرًا في السورة كلها، ففيه ذكر الإيمان بأركانه الستة: الإيمان بالله، وبالملائكة، وبالكتب، وبالرسل، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.

الإيمان بالله

وهو أوسع مجالات الإيمان في القرآن كله، وفي هذه السورة كذلك؛ فقد بدأت بذكر إنزاله للكتاب، ووُصف بالعزة والعلم، والمغفرة للمذنبين، والقبول من التائبين: ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [غافر: 2-3]. وذكّر بصفات ربوبيته التي يعترف بها المشركون، لتكون مدخلًا لصفات ألوهيته التي ينكرونها: ﴿ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ * فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: 12-14]. وذكّر بنعمه الظاهرة التي لا يقدر عليها غيره، وتقضي الفطرة أن تُقابَل بالشكر لا بالكفر: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾ [غافر: 61-62]. ﴿ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [غافر: 64-65]. ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [غافر: 79].

وقد وُصِف الله في هذه السورة بصفات: العزيز، العليم، الغافر، قابل التوب، شديد العقاب، ذو الطول، لا إله إلا هو، الرب، واسع العلم والرحمة، الواقي، الحكيم، له الحكم، وهو العلي الكبير، رفيع الدرجات، الواحد القهار، سريع الحساب، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، العدل القاضي بالحق، السميع، البصير، القوي، الهادي، المضل، الغفار، الحكم، الناصر، المعيذ، خالق كل شيء، ومدبر كل شيء، ذو الفضل على الناس، المصوِّر، الرزاق، الحي، له الملك وله الحمد، المحيي، المميت، الذي لا معقب لأمره.

الإيمان بالملائكة

وقد ذُكر في آيات منها، كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: 7]،  {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ} [غافر: 49]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ [غافر: 10].

الإيمان بالكتب

يبرز ذلك في آيات عدة من السورة التي تتحدث عن التنزيل والرسالات السابقة وغيرها، مثل قوله تعالى: ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [غافر: 2]، ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [غافر: 15]، ومعلوم أن الروح هو الوحي وهو المضمَّن في الكتب: ﴿وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾ [غافر: 53]، ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ﴾ [غافر: 70].

الإيمان بالرسل

ويتضح هذا المعنى أيضًا في الآيات التالية من سورة غافر:

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ [غافر: 23].

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [غافر: 78].

﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ۖ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ [غافر: 5].

﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [غافر: 15].

﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ﴾ [غافر: 34].

﴿قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [غافر: 50].

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىٰ﴾ [غافر: 53].

﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 70].

﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [غافر: 83].

الإيمان باليوم الآخر

ويتجلى ذلك في الآيات التالية من سورة غافر: ﴿لِّيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لمن الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ  إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر: 15-18].

    ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [غافر: 32-33].

    ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [غافر: 40].

    ﴿لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر: 43].

    ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ * وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ * وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ * إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: 45-52].

    ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا﴾ [غافر: 59].

    ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60].

    ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾ [غافر: 70-72].

    ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [غافر: 76].

    ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [غافر: 27].

الإيمان بالقدر

وهو يركز على أمر الصَّرْف والصدّ، وأن الأمر كله بيد الله، يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وينصر من شاء ويخذل من شاء، ويكفي من شاء ما شاء، ويسلط على من شاء ما شاء، لا رادَّ لأمره، ولا معقِّب لحكمه. وتؤكد الآيات التالية من سورة غافر هذا المعنى:  ‏﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [غافر: 4]. فمن كُتب عليه الكفر هو المجادل المستمر في جداله. ولذلك  ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ﴾ [غافر: 69]. ويؤكد نفس المعنى ‏﴿فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ * كَذَٰلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [غافر: 62-63].

    ‏﴿وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر: 6].

    ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [غافر: 33].

    ﴿فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا﴾ [غافر: 29].

    ‏﴿كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ﴾ [غافر: 34].

    ‏﴿كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: 35].

    ‏﴿وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ﴾ [غافر: 37].

    ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 44-45].

    ‏﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: 51].

    ‏﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ﴾ [غافر: 56].

    ‏﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ * كَذَٰلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [غافر: 61-64].

    ‏﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [غافر: 67-68].

    ‏﴿كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ [غافر: 74].

    ‏﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ [غافر: 77].

    ‏﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [غافر: 78].

    ‏﴿فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [غافر: 82].

    ‏﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [غافر: 83].

خاتمة السورة

تؤكد خاتمة السورة  ماجاء في السورة كلها، في مقدمتها وفي ثناياها من أن ما حاق بالأولين لاحق بالآخرين، وأن الإيمان محله وقت الاختيار  لا وقت نزول العذاب، وأن سنن الله سبحانه وتعالى ماضية لا تستثني أحدًا، وأن الخاسر هو الكافر، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: 84- 85]. وفي ذلك إشارة لربح المؤمنين ونجاهم وفوزهم بمطلوبهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى