Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ما يهم المسلم

العدالة بين الله والإنسان: رؤية أخلاقية شاملة


في سعينا الدؤوب نحو عالم أكثر إنصافًا، تبرز قيمة العدالة باعتبارها مرتكزا أساسيا للحياة الإنسانية الكريمة والاستقرار المجتمعي. إنها ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي “رؤية أخلاقية شاملة” تتطلب فهمًا عميقًا وتطبيقًا واعيًا. للانطلاق في هذا الفهم، لا بد من إحالة “ماهية العدالة” إلى مصدرها الأسمى: عدالة الله تعالى، لتكون المنارة التي نهتدي بها.

العدالة الإلهية: التأسيس العقدي الكوني

يجدر بنا أولاً أن نُحيل ماهية العدالة إلى عدالة الله تعالى، خالق الكون، قاهر الظلمة، وناصر المظلومين. فالعدالة الإلهية هي مراده سبحانه في معاش النّاس، كما هي مرادة له بانتظام كونه وشرعه، وانتظام عدالته يوم القيامة بناءً على ذلك. وفي هذا “التأسيس العقدي الكوني” ما لا يخفى على المؤمنين المصدّقين، وهو بمثابة الدافع المستمر إلى مزاولة العدالة بناءً على الإيمان بها والتصديق بأخبارها ودلائل إعجازها.

ومن مقتضيات الإيمان بالله، التصديق بالاسم الإلهي “العدل” و”الجبّار” و”المنتقم” و”النصير”، وكلها بدلائلها في العدالة بين الناس والانتقام من الظلمة ونُصرة المقهورين. ومن مقتضيات “عقيدة القضاء والقدر” التسليم للقضاء الأزلي بالكفاح بالقضاء الأجلي، جمعًا بين مُراد الله بالأزل ومراده بفعل الإنسان في الأجل. فالأسماء والصفات الإلهية إنّما هي لفعل الإنسان يتأدب بها ويتخلّق بها في حياته ومع رفاقه في الأرض، ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ (الأعراف: 180).

إحالة أفعال العدالة إلى أحكام الشريعة

كما يجدر بنا ثانيًا، أن نُحيل أفعال العدالة إلى أحكام شريعة الله العادلة، التي أَمَرَ فيها بالقسط ونهى فيها عن الطغيان والجور، وتوعّد فيها الظالمين المستبدين الجبارين، ببعض وعيده في الدنيا بزوال عرش وخزي ضمير وإيلام محاسبة، ووعيده الأكبر يوم يلتقي الخصوم لحساب عسير وجزاء من جنس الفعل العدواني الطغياني.

إن “الجمع بين الإحالتين”: إحالة الماهية العدلية الجارية بعدل الله الأزلي وانتظام كونه وإتقان صنعه وإكمال دينه وإتمام نعمته، و”إحالة الفعل العدلي الجاري” بين النّاس في معاشهم إلى أحكام الشريعة المناسبة للعقيدة؛ إنَّ هذا الجمع هو الجمع بين عدالة الله بجميع أسمائه وصفاته، وعدالة النّاس الواجبة التي ينبغي أن تجري وفق عدالة الله ومراده بإقامة ما يُحقّق كرامتهم ويدرأ عنهم المهانة والتعذيب والمظالم والفساد، ويجلب لهم “حسن الجزاء يوم القيامة بناءً على حسن الأداء في ممرات العدالة وساحاتها ومؤسساتها.

مشهد العدالة الراهنة في الأرض: واقعان متضادان

إنَّ مشهد العدالة الراهنة في الأرض يتجلى بواقعين:
الواقع الأول: “واقع الطغيان المجافي للعدل”، الذي أدى إلى “عذاباته الإنسانية المختلفة”، ومنها عذابات الاحتلال والاستبداد و”الشعبوية والانقلابات والعنصريات” والتعذيب والحرمان والتهجير والتشريد، والتدمير الممنهج للبشر والشجر والحجر.
الواقع الثاني: هو “واقع مقاومة الطغيان وفعل التحرّر والتحرير” لتقرير العدل والمساواة، وتمكين الشعوب من سياداتهم على أراضيهم وثباتهم على كرامتهم وحقوقهم، وامتثال مراد الله في أن ينتظم الناس بالعدل لا بالجور. فالله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.

إنَّ “فعل العدالة المتعلّق بأحكام الشريعة”، إنّما هو “تصرّف المكلف بحكمه”، فرديًا وجماعيًا، بمستويات الفعل كما حققه العلماء: فعل الفرد والهيئة والدولة، وفعل التقنين والتخطيط والإعلام، وفعل الثورة على الطغيان وملاحقة الطغاة. كل ذلك يدخل في “الفعل التكليفي بمنظور الشريعة ومقاصدها”.

نحو استعادة العدالة: واجب الوقت ومسؤولية الجميع

إنَّ “أفعال العدالة الحق في أزمنة العدالة المضادة”، إنّما هي مجموع ما يُقيم العدالة باستعادتها إلى أهلها، وردها إلى مراد الله، من أجل مصلحة المخلوق. وهي داخلة في قوله تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ (المدثر: 37)؛ فالتقدّم في العدالة تأخير للظلم وتفكيك لمشروعاته، والتأخر في العدالة تقدم للظلم و”تجرد من الظلمة المفسدين.

لذا، فإنَّ واجب جميع العادلين في العالم اليوم أن “يتنادوا إلى ما يُقيم العدالة الأرضية بأقدارها العالية المتقدمة تخطيطًا وتوعيةً وتقنينًا ومأسسةً وحراكًا وكفاحًا وثباتًا”، وأن يجتمعوا على كلمة سواء في عدالة إنسانية تتناغم مع عدالة الله، وتستمد قوتها من اسم الله العدل، وتندفع بذلك إلى “القوم الاستراتيجية المتينة”، وإلى “فعل عدلي بكفاءة ومراكمة وإتقان وإحسان”.

يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: 58)، ﴿لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: 8)، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل: 90).

إنَّ “شركاء العدالة الأرضية العالمية” مأمورون “ديانة ومدونة وسياسة وموروثًا”، بـ”استعادة العدالة المختطفة”، لسلام أصيل ومعاش كريم. فهذا “واجب وقتهم ومربط تحضّرهم”، وذلك بموجب إيمانهم بخالقهم، وإن تعددت شرائعهم. فموضوع العدالة هو إنصاف الإنسان وتكريمه في دنياه، فهو فعل الدفاع والتكريم والإنصاف ومنع البغي والجور، وجميع الشركاء يتفقون على هذا، وإن اختلفوا في التفاصيل والسياقات والخلفيات.

خاتمة: العدل إيمان وإحسان ومرضاة للخالق

والمهم أن نُرجِع ابتسامات العدالة إلى الملايين المُعذَّبين بصنوف عذابات ومعاناة، وأن نعمل على مرضاة الخالق ومحبته للعادلين المؤمنين. وأن يقترن ذلك بالإيمان الدافع إلى العدل، وبالقصد الخالص الرافع إلى الحسن. ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134).


اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading