حياد ودور فعال في تبادل الأسرى… هل باتت السعودية أكثر دولة مرشحة لتحقيق السلام بين أوكرانيا وروسيا؟
قال مراقبون حاورتهم فرانس24 إن السعودية باتت أكبر لاعب دولي في ملف الحرب الأوكرانية، نظرا لحيادها ودورها في إنجاح صفقات تبادل الأسرى مع روسيا. كما شددوا على أن زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء إلى الرياض ولقاءه ولي العهد محمد بن سلمان دليل على هذا الدور، معتبرين أن المملكة هي أبرز مرشح لاحتضان أي اتفاق سلام محتمل لهذا النزاع.
نشرت في:
10 دقائق
تحمل زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، إلى السعودية ولقاءه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أكثر من دلالة في سياق الحرب الروسية على أوكرانيا، حسب ما قال مراقبون لفرانس24.
وقال زيلينسكي على حسابه في منصة “إكس” إنه ناقش مع بن سلمان “صيغة السلام” في أوكرانيا، مضيفا: “بوسع القيادة السعودية أن تساعد في إيجاد حلول عادلة”. وأشار زيلينسكي أن المحادثات تطرقت أيضا إلى قمة السلام التي يطمح لعقدها خلال الربيع في سويسرا. وقال في بيان: “نحن قريبون جدا الآن من عقد أول قمة للسلام ونعول على الدعم المستمر فعليا من السعودية”.
وسبق أن انعقد أحد تلك الاجتماعات التحضيرية لقمة السلام المقترحة في مدينة جدة السعودية شهر أغسطس/آب الماضي. كما توسطت المملكة في تبادل مئات الأسرى بين روسيا وأوكرانيا والعدل الدولية ترفض الجزء الأكبر من قضية “تمويل الإرهاب” بين أوكرانيا وروسيا من قبل.
“الوساطة السعودية مناسبة وفعّالة”
في هذا السياق، يرى الباحث الأوكراني في العلاقات الدولية قسطنطين جريدين والذي حدثنا من السعودية، بأن دور الرياض في ملف الحرب الأوكرانية كان كبيرا منذ البداية. وقال تعقيبا على زيارة زيلينسكي: “سبق أن شهدت هذه الحرب عدة عمليات ناجحة لتبادل الأسرى بين طرفي النزاع. لكن اليوم لم ترد أية معلومات حول صفقة تبادل جديدة محتملة إثر زيارة الرئيس زيلينسكي الرياض. لم يتم الكشف عن تفاصيل حول دور الوساطة السعودية ومجريات المفاوضات من قبل أي طرف حتى لا تؤثر عليها سلبيا. لا يزال هناك العديد من الأوكرانيين أسرى لدى روسيا، ما يؤكد أن أي دور للوساطة بما في ذلك من السعودية هام للغاية”.
اقرأ أيضابوتين ومحمد بن سلمان يناقشان في الرياض مسائل تتعلق بالاستثمارات والطاقة والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي
كما لفت الباحث الأوكراني إلى زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السعودية في السادس ديسمبر/كانون الأول الماضي، ضمن جولة دبلوماسية شملت الإمارات، وقال إنها “تؤكد على أهمية الدور الذي تلعبه الرياض في هذا الصدد”، منوها بـ “أهمية العلاقة” بين بن سلمان وبوتين، وخلص جريدين إلى أن “لعب السعودية دور الوساطة هو مناسب وفعال”.
وكان زيلينسكي قد تحدث في تغريدة سابقة على منصة إكس لدى وصوله إلى الرياض عن حوار منتظم مع ولي العهد السعودي، حول صيغة السلام وعودة أسرى الحرب والمبعدين”. وأضاف: “لقد ساهمت قيادة المملكة بالفعل في إطلاق سراح أبناء شعبنا. وأنا على ثقة بأن هذا الاجتماع سوف يسفر أيضا عن نتائج..”.
I had a meaningful and candid conversation with His Royal Highness Crown Prince Mohammed bin Salman.
We discussed the Peace Formula’s points and the progress that can be made in implementing them. Saudi Arabia’s leadership can assist in finding equitable solutions. We value His… pic.twitter.com/f5Je6ZskAg
— Volodymyr Zelenskyy / Володимир Зеленський (@ZelenskyyUa) February 27, 2024
وتحافظ الرياض على علاقات مع كل من موسكو وكييف، ولعبت وساطة أسفرت في سبتمبر/أيلول 2022 عن إطلاق سراح 200 أسير أوكراني.
في هذا الإطار، يوضح محمد صالح الحربي، وهو خبير عسكري واستراتيجي ولواء أركان حرب سابق من السعودية، بأن الزيارة جاءت في ضوء مبادرة الرياض باستضافة زيلينسكي خلال قمة جدة في مايو/أيار 2023، “حيث سلطت الأضواء الإقليمية والدولية على القمة 32 لزعماء دول الجامعة العربية بسبب مشاركة لم تكن معلنة للرئيس الأوكراني حينها، في زيارة كانت الأولى التي أجراها زيلينسكي إلى الشرق الأوسط منذ بدء الحرب [في 24 فبراير/شباط 2022]. والآن هناك أيضا زيارة رئيس مجلس الدوما ولقاءه مع ولي العهد”.
من تبادل الأسرى إلى مسار السلام؟
وقال الحربي إن “السعودية أعلنت بكل وضوح بأنها تقف في المنتصف بين الأقطاب والمحاور المتصارعة في هذا الملف، كما أنها لم تستخدم سلعة النفط في أي توترات جيوسياسية. هي تعمل بشكل متوازن. الحقيقة بأن الطرفين المتنازعين يثقان في المملكة وفي ولي العهد لحل هذه الأزمة”.
ومن المحتمل أن تفضي الوساطة السعودية ودورها في صفقات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، عن مسارات سياسية ترمي إلى إيجاد حل للنزاع الناجم عن الغزو الروسي. وحسب الحربي، هناك مسارات متعددة بينها الإنساني والإغاثي وقضية الإفراج عن الأسرى، ما قد يسمح بإطلاق مسار دبلوماسي لحلحلة هذا النزاع، على حد قوله.
اقرأ أيضاشي جينبينغ في السعودية.. ما مصلحة الدول العربية في التقارب مع الصين؟
وفيما ترمي الدول الغربية بمزيد من الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، فإن السعودية باتت في المقابل تحظى حسب الخبير العسكري بمزيد من الثقة الدولية. وهو يقول في هذا الشأن: “دليل ذلك استضافتها لعدة قمم واستقطابها زعماء دول بمن فيهم الرئيس الصيني شي جينبينغ (في 7 ديسمبر/كانون الأول 2022). حيث لها إمكانية لعب دور في إنهاء الحرب. أضحت السعودية، بحكم موقعها واقتصادها القوي، لاعبا مهما ورئيسيا في جميع المعادلات العالمية. بالتالي، هي تلعب دور ضامن الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة، في مرحلة بلغت فيها الحروب مرحلة متقدمة يُخشى من تحولها إلى حرب عالمية ثالثة. وأيضا بحكم علاقاتها وكونها محورا رئيسيا لحيادها من القضايا الرئيسية”.
“السعودية تحظى بثقة روسيا وأوكرانيا”
وعموما، لم تتخذ السعودية ولا الإمارات موقفا واضحا بدعم موسكو أو كييف، كما رفضت الرياض في عام 2022 طلبا أمريكيا بزيادة إنتاج النفط الذي ارتفعت أسعاره بسبب الحرب.
يرى محمود الأفندي، المحلل السياسي والأستاذ بالأكاديمية الروسية، بأن السعودية والإمارات تلعبان دورا كبيرا في مسار تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا. وهو يتساءل في هذا الإطار عن أسباب تحول القطبين الخليجيين إلى أحد أبرز اللاعبين الدوليين في ملف الحرب على أوكرانيا، بعد أن كان ذلك مقتصرا على دول أوروبية؟
يشرح أستاذ الأكاديمية الروسية: “بعد أن كانت دول مثل فرنسا وألمانيا تلعب دور الوساطة بين الجانبين على أساس كونها ضامنة لاتفاقية مينسك (عاصمة بيلاروسيا، تم توقيع الأولى في 5 سبتمبر/أيلول 2014 والثانية في 12 فبراير/شباط 2015 لإحلال السلام في شرق أوكرانيا بين الانفصاليين المدعومين من روسيا وقوات كييف) التي لم تطبق فعليا، فإن الثقة بين روسيا وأوروبا تلاشت، ما سمح بدخول السعودية والإمارات على الخط، كونهما حياديتين بامتياز ما يعني أنهما لا تدعمان أي طرف ضد الآخر. رأينا كيف نجحت 15 عملية تبادل أسرى بامتياز واستطاعت السعودية والإمارات إنجاح هذه الصفقات”.
وسبق أن استضافت السعودية فعلا محادثات بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا العام الماضي تعبيرا عن دورها الدبلوماسي، شارك فيها ممثلون عن نحو 40 دولة في غياب روسيا.
يقول الأفندي أيضا إن السعودية تحظى بثقة القيادة في روسيا وأوكرانيا على حد سواء، ما يسمح بالانتقال من مرحلة صفقات الأسرى إلى مرحلة أهم تخص المسار السياسي. يوضح محاورنا: “رأينا كيف أن روسيا لم تقف عموما ضد اجتماع جدة حول أوكرانيا (5 أغسطس/آب 2023) رغم عدم دعوتها. لقد كشفت زيارة زيلينسكي الأخيرة إلى السعودية عن مدى الدور الهام الذي باتت تلعبه الرياض في عقد مفاوضات مع روسيا. أي أن المملكة استطاعت عن طريق صفقات تبادل الأسرى كسب ثقة الطرفين ما سيؤدي فعليا إلى أنها ستكون أكبر لاعب في أي صفقات أو اتفاقيات للسلام أو وقف إطلاق النار بينهما، آخذة بذلك هذا الدور من الأوروبيين. فلطالما كانت الدول المحايدة دائما أرضية للمباحثات، لكن سويسرا خسرت حيادها كما فنلندا… فأصبحت السعودية أكبر دولة مرشحة لإنتاج عملية السلام بين أوكرانيا وروسيا”.
وخلص الأفندي إلى أن زيلينسكي بات يشعر أكثر من أي وقت مضى “بأن الغرب بدأ يتخلى عنه”، ما يجبره بالمحصلة على البحث عن مخرج وخطة سلام مع روسيا عن طريق السعودية.
دول خليجية لعبت الوساطة بين روسيا وأوكرانيا
وسبق لدول خليجية أخرى أن لعبت دور الوساطة بين طرفي النزاع ما أثمر عن التوصل إلى اتفاقات سابقة لتبادل الأسرى، كان آخرها الشهر الجاري، أفضت عن تبادل مئات السجناء.
وأعلنت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام) يومها نقلا عن وزارة الخارجية، التوصل إلى إتمام عملية تبادل أسرى جديدة بين روسيا وأوكرانيا بوساطة أبو ظبي.
كما نقلت “وام” عن الخارجية إشارتها إلى أن هذه الوساطة هي “الثالثة منذ مطلع العام الجاري.. الأمر الذي ساهم في مواصلة نجاح الجهود الدبلوماسية، وإتمام الوساطة الجديدة التي تم بموجبها الإفراج عن 100 أسير حرب روسي مقابل 100 أسير حرب من الجانب الأوكراني”.
اقرأ أيضابوساطة إماراتية… روسيا وأوكرانيا تتبادلان أكثر من 230 أسير حرب في أول عملية بينهما منذ عدة أشهر
وفي 3 يناير/كانون الثاني، تبادل الطرفان أكثر من 230 أسير حرب برعاية إماراتية. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن “عملية التفاوض المعقدة” أفرزت عن “استعادة 248 عسكريا روسيا من الأراضي التي يسيطر عليها نظام كييف”. كما قال الرئيس الأوكراني حينها: “أكثر من 200 من جنودنا ومدنيينا عادوا من الأسر لدى الروس”.
We express our gratitude to #Russia & #Ukraine for their commitment to the successful reunification of Ukrainian kids with their families. #Qatar will continue its mediation efforts in this context & others, in line with its principles towards conflict resolution & peace-making. pic.twitter.com/9BTI1fvqmH
— لولوة الخاطر Lolwah Alkhater (@Lolwah_Alkhater) October 16, 2023
من جانبها، لعبت قطر دور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا ما تمخض في نهاية العام الماضي، عن لم شمل أطفال أوكرانيين بعائلاتهم حسبما أعلنت وقتها الخارجية القطرية. ففي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أشارت الوزارة إلى “نجاح عملية لم شمل عدد من الأطفال الأوكرانيين بعائلاتهم في أوكرانيا..” وأنها “سهّلت استضافة الأطفال وعائلاتهم في مقر سفارة دولة قطر في موسكو.. ومن ثم نقلهم إلى وجهتهم النهائية”.
وفي الخامس ديسمبر/كانون الأول أعلنت الخارجية القطرية عن “نجاح عملية لم شمل الأطفال الأوكرانيين الثانية مع عائلاتهم في أوكرانيا، ضمن جهود وساطتها المستمرة من أجل لم شمل الأسر المشتتة بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية”. وقالت إنه قد “تم استضافة ستة أطفال وعائلاتهم في مقر سفارة دولة قطر في موسكو” في إطار نفس العملية.
للذكر، فقد عقدت أوكرانيا عدة اجتماعات دولية متعددة الأطراف لمناقشة صيغة السلام مع ممثلين عن عشرات الدول. وتنص الخطة على انسحاب القوات الروسية، والاعتراف بحدود أوكرانيا في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي عام 1991، ووضع بنود لمحاسبة روسيا على أفعالها.
اكتشاف المزيد من ماسنجر المسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.